أحداث عظام في تاريخ الإسلام

 
د. محمد عبده يماني
نتحدث اليوم عن عدد من الأحداث الإسلامية العظيمة وتأتي في مقدمتها حادثة نزول القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحنث في غار حراء ، وكان أمراً عظيماً، استشعر صلى الله عليه وسلم عظم المسؤولية، وأسرع إلى زوجه السيدة الكريمة خديجة بنت خوليد رضي الله عنا يقول لها: دثريني زمليني، وإذ بها تقول في إيمان: (والله لن يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرَّحم، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر). ثم دثرته وزمّلته رضي الله عنها.
 
ومن هنا يتبين خطأ من يظن أن السيدة خديجة رضي الله عنها إنما دعمت الرسول صلى الله عليه وسلم بالمال وحسب، لقد قدمت له كل شيء: الحب الحنان الجاه المال... لهذا كان وفياً معها حياتها، حزيناً على فراقها، وظل يردد قوله الكريم (رزقت حبها) وهي الوحيدة التي نزل عليه الصلاة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في قبرها.
 
والحدث الثاني: في سلسلة الأحداث الإسلامية العظيمة هو الهجرة، وأعني بها الهجرة إلى المدينة المنورة بعد أن ضيَّق مشركو قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين حتى جاء الإذن بها، فخرج عليه الصلاة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. من مكة إلى المدينة وفق استراتيجيات دقيقة، وسرية تامة، فقد أخفى الرحلة حتى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى أن جاء الموعد، وتحرك الركب المبارك إلى غار ثور، ومنه إلى المدينة المنورة.
 
لقد أعطتنا تلك الرحلة بكل ما جاء فيها من معجزات وأحداث دروساً عظيمة، وأول هذه الدروس ذلك الإيمان الذي غرسه صلى الله عليه وسلم في نفس كل مسلم إلى يوم القيامة، عندما كان في غار ثور، ووقفت جموع المشركين على بابه، ولم يكن بينهم وبين أن يصلوا إليه صلى الله عليه وسلم إلا أن يطأطئ أحدهم رأسه إلى موضع قدميه فينظر في الغار، وفي هذه الساعة الحرجة يُسر أبو بكر الصديق رضي الله عنه في أذن رسو الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: يا رسول الله، لو نظروا تحت أقدامهم لرأونا...فيأتي الجواب: ( يا أبا بكر ما  ظنك باثنين الله ثالثهما) لأن استشعار معية الله تعالى  تستوجب أن لا يخشى المرء شيئاً، ورأت الجموع المطاردة خيوط العنكبوت التي أمرها الله سبحانه أن تنسجه على باب الغار، فلم يصدقوا أن رجلاً أو رجلين يستطيعان دخول الغار رغم وجود هذا النسيج من العنكبوت، ونظروا في الدليل المرئي الذي قادهم إلى هذا المكان فقال لهم الرجل في استغراب، وصل إلى هنا، ولا أدري إن كان هبط إلى الأرض أو صعد إلى السماء.
 
ثم جاء الحدث العظيم الثالث وهو غزوة بدر الكبرى التي حدثت في السنة الثانية بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، ولم يكن خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر بقصد الغزوة ابتداءً، ولكنه أراد بعد وصوله إلى المدينة المنورة وتأسيس البناء الأول أن يشعر أولئك القوم في مكة أن معسكر المدينة لم يعد بالمعسكر الضعيف، كما أراد أن يردَّ بعض الظلم والقسوة التي وقعت على المسلمين، فخرج يتعرض لقافلة قريش ليشعر معسكر مكة بأن معسكر المدينة لن يقبل ذلك الظلم وذلك التعدي، ولذا لم يخرج معه كل من في المدينة، وإنما خرج معه عدد قليل في حدود 313 وقيل 314، وعسكر بهم على مشارف المدينة المنورة، وأحصاهم، وتفاءل عليه الصلاة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بهذا العدد وقال: (هذا عدد جنود طالوت عليه السلام ) يشير إلى عدد الذين كانوا معه في القتال عندما هزموا الكنعانيين.
 
وتوجه المسلمون إلى بدر وفي الطريق وصلت الأنباء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنجاة القافلة التي خرج من أجلها، وبقدوم جيش كبير من المشركين إلى بدر، وشاءت إرادة الله تعالى أن تتحول الأمور من تعرض للقافلة إلى معركة خالدة.
 
وهنا نرى كيف تصرف الحبيب صلى الله عليه وسلم بغاية الحكمة والحنكة، فلم يستبد برأيه، وإنما استشار أصحابه ليعلم مدى جاهزيتهم للقتال وإيمانهم بعدالة قضيتهم، وهذا أول الدروس العظيمة، والدرس الآخر هو: صدق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم. فيما يرويه عن ربه سبحانه: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قذفته في النار) ـ انظر صحيح ابن حبان 2/35. فقد تحقق ذلك في صناديد قريش الذين أخذتهم العزة والغطرسة رغم علمهم بنجاة العير، التي قدموا من أجل حمايتها، وإشارة أبي سفيان عليهم بالرجوع، وقال أحد صناديدهم: لا والله لن نرجع حتى نرد ماء بدر، فننحرالجزر، ونشرب الخمور، ونضرب الدفوف، وتغنّي لنا القيان، ويعلم الناس بمجيئنا فلا يزالون يهابوننا أبد الدهر، وتحركوا من العقنقل لحتفهم إذ لم يكونوا يتصورون أن هذه الفئة القليلة سوف تسحقهم وتذل كبرياءهم وتبدد أحلامهم.
 
ومن فضل الله عزَّ وجل أن المعركة حُفظ مكانها، وكل من يذهب إلى بدر يرى العدوة الدنيا التي جاء منها الرسول صلى الله عليه وسلم ودخل إلى بدر، عند كثيب الحنان، وهو كثيب رملي ضخم، والعدوة القصوى عند العقنقل التي نزلت فيها قريش، كما يرى المكان الذي اقترح الصحابة على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا له فيه عريشاً، وقد بني اليوم مكانه مسجد، وهو مسجد العريش.
 
وتستطيع أن ترى قبور شهداء بدر وتزورهم، وتستطيع أن تشاهد المكان الذي صف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة، وتتذكر ذلك الموقف العظيم الذي جسد العدل والمحبة في وقت واحد، فبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسوي صفوف الصحابة بقضيب كان في يده إذ رأى سواد بن غزية خارجاً عن الصف فدفعه بالقضيب على بطنه، و قال: استو يا سواد، فاستغل سواد رضي الله عنه هذه الفرصة وقال: يا رسول الله أوجعتني قال: وماذا تريد؟ قال: أريد أن أقتص لنفسي والصحابة ينظرون إليه ولا يستطيع أحد أن يتكلم بوجود الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تعالى فاقتص لنفسك، فقال: لا يا رسولالله ضربتني وبطني عارية، وازداد الصحابة غضباً، ولكن الهادي البشير صلى الله عليه وسلم كشف عن بطنه الشريف، فانكب عليه سواد يقبله، فقال صلى الله عليه وسلم: ما دعاك لهذا يا سواد ؟ قال: رأيت ما حضر فأحببت أن يكون آخر عهدي هو أن يمس جلدي جلدَك يا رسول الله، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم.
 
ومن الدروس العظيمة التي سطرتها معركة بدر: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ربه، وإلحاحه في الدعاء رغم البشارة التي جاءته بنصر المسلمين، فعندما كان في العريش ونظر إلى التحام الصفوف: رفع يديه بالدعاء حتى رأى أبو بكر الصديق بياض أبطيه وهو يقول: اللهم أنشدك وعدك الذي وعدت، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ، فقال أبو بكر رضي الله عنه وهو الصديق الصدوق: يا رسول الله هوّن عليك، إن الله منجز وعده، وذلك شفقة منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من شدة اجتهاده وإلحاحه في الدعاء.
 
ولكنّ لسان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مهما كنت على ثقة من أمر فلابد من اللجوء إلى الله سبحانه في السر والعلانية، في القوة والضعف، وهذا من أعظم الدروس التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة.
 
ثم نأتي لقضية جوهرية أخرى تبيِّن صدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي ليلة المعركة نبأ عليه الصلاة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الصحابة عن مصارع الذين سيقتلون من صناديد قريش بقوله: ( هذا مصرع عتبة، وهذا مصرع شيبة...) ويقول الصحابة: والله ما تجاوز أحدهم المكان الذي حده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن تمَّ دفن قتلى قريش في القليب: ناداهم صلى الله عليه وسلم قائلاً: ( يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً ؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً) فقال الصحابة: يا رسول الله أو تكلم أمواتاً! فقال: والله ما أنتم بأسمع منهم، ومن هنا نلاحظ أن معركة بدر تحتاج إلى دراسة وتبسيط لأبنائنا، وكم تمنيت أن يدعى إلى هذه الندوة بعض طلاب المدارس والجامعات والمدرسين والمدرسات ليحضروا ويستمعوا لهذه الأمور التي توثقونها، لأنها نعمة من نعم الله عزَّ وجل.
 
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر: مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة محرم 1427، العدد 16.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين