أثمن ثمرات العبادة

أطفالنا والعبادة (11)

أثمنُ ثمرات العبادة

د. عبد المجيد أسعد البيانوني

 

ثمرات العبادة لا يمكن أن يحيط بها وصف، أو يقدر على التعبير عنها قلم، ومهما كتب الكتـّاب، واجتهد المفكّرون فسيبقى وراء ذلك زَاد لمستزيد.!

وإن أثمن ثمرات العبادة وأجلّها ما يتّصل بحقيقة العبادة ومفهومها، أو يتّصل بحقائق الإيمان وثمراته، فيزيدها قوّة ورسوخاً.. ومن هنا فإنّ أثمن ثمرات العبادة ما يتحقّق بها إن أدّيت على وجهها وكمالها من حبّ الله تعالى، والأنس به، والشعورِ بالحاجة والافتقار إليه..

 

وإنّ القلبَ الإنسانيَّ دائمُ الشعورِ بالحاجةِ إلى اللهِ تعالى، وهوَ شعورٌ أصيلٌ صادقٌ، لا يملأُ فراغَه شيءٌ في الوجودِ، إلاّ حسنُ الصلةِ بربِّ الوجودِ، وهذا ما تقومُ بهِ العبادةُ، إذا أُديَت على وجهِها.

 

وكلَّما أخلَصَ المرءُ العبوديةَ للهِ وجدَ نفسَه، واهتدى إلى سرِّ وجودِه، ووجدَ معَ ذلكَ سعادةً روحيةً لا تدانيها سعادةٌ، تتمثلُ فيما سماهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلَّم: "حلاوةَ الإيمانِ".. وإنَّه لا شيءَ أحبَّ إلى القلوبِ منْ خالقِها وفاطرِها، فهوَ إلهُها ومعبودُها، ووليُّها ومولاها، وربُّها ومدبرُها، ورازقُها، ومميتُها ومحييها.

 

فمحبةُ اللهِ تعالى نعيمُ النفوسِ، وحياةُ الأرواحِ، وقوتُ القلوبِ، وعمارةُ الباطنِ.. وليسَ عندَ القلوبِ السليمةِ، والأرواحِ الطيبةِ، والعقولِ الزكيةِ أحلى ولا ألذَّ، ولا أطيبَ ولا أسرَّ، ولا أنعمَ منْ محبةِ اللهِ تعالى، والأنسِ بهِ والشوقِ إلى لقائِه، والحلاوةُ التي يجدُها المؤمنُ في قلبِه بذلكَ فوقَ كلِّ حلاوةٍ، والنعيمُ الذي يحصلُ له بذلكَ أتمُّ منْ كلِّ نعيمٍ، واللذةُ التي تنالُه أعلى منْ كلِّ لذةٍ، كما أخبرَ بعضُ السلفِ عنْ حالِه بقولِه: " إنَّه ليمرُّ بالقلبِ أوقاتٌ أقولُ فيها: " إنْ كانَ أهلُ الجنةِ في مثلِ هذا، إنَّهم لفي عيشٍ طيبٍ ".

 

وقالَ آخرُ: " أهلُ الغفلةِ مساكينٌ ! خرجوا منْ الدنيا، وما ذاقوا أطيبَ ما فيها. فقيلَ لهُ: وما هوَ ؟ قالَ: محبةُ اللهِ تعالى، والأنسُ بهِ ".

وقالَ آخرٌ: " أطيبُ ما في الدنيا، معرفةُ اللهِ تعالى ومحبتُه، وأطيبُ ما في الآخرةِ، رؤيتُه وسماعُ كلامِه بلا واسطةٍ ".

وقالَ آخرٌ: " لو علمَ الملوكُ وأبناءُ الملوكِ ما نحنُ فيهِ منْ النعيمِ، لجالدونا عليهِ بالسيوفِ ! ".

 

ووجدانُ هذهِ الأمورِ وذوقُها، إنَّما هوَ بحسبِ قوةِ المحبةِ وضعفِها، وبحسبِ إدراكِ جمالِ المحبوبِ والقربِ منْه، وكلَّما كانَت المحبةُ أكملَ، وإدراكُ المحبوبِ أتمَّ، والقربُ منْه أوفرَ، كانَت الحلاوةُ واللذةُ، والسرورُ والنعيمُ أقوى وأعظمَ.. وكلَّما ازدادَ العبدُ للهِ تعالى حُبّاً ازدادَ له عبوديةً وذلاً، وخضوعاً لهُ ورقّاً، وحريةً عنْ رقِّ غيرِه.

هذا والاشتغالُ بالعبادةِ انتقالٌ منْ عالمِ الغرورِ، إلى عالمِ السرورِ، ومنْ الاشتغالِ بالخلقِ إلى حضرةِ الحقِّ، وذلكَ يوجبُ كمالَ اللذةِ والبهجةِ " من خطب الشيخ أحمد عز الدين البيانوني رحمه الله المكتوبة.

فعلى الوالد المربّي أن يجتهد في غَرس هذه الثمرات الطيّبات في نفس الطفل والناشئ، ولا يكن أمره بالعبادة نوعاً من التكليف بمظاهر ورسوم، بَعيدة عَن الحقائق والمعاني..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين