ملخص موسع:
يعتبر التدين المظهر الخارجي للأفكار والمعتقدات التي يعتقدها الناس فالتدين هو السلوك الذي يعبر فيه الإنسان عن الأفكار التي يدين بها، والتدين يتأثر بعوامل مختلفة منها الأفكار والنصوص الدينية، ومنها البيئة، ومنها التربية، ومنها الظروف النفسية، والظروف المادية لذلك نجد التدين يختلف من مجتمع لآخر لأنه يتأثر في المجتمع والبيئة من حوله.
فالعادات والتقاليد لها أثر كبير على أفكار الناس الدينية، والتي انعكست على تصرفاتهم وحياتهم فألصقوا بالدين ما ليس منه بسبب قوة أثر العادات والتقاليد في النفوس، فنسمع في كل مجتمع عن عادات وتقاليد ورثها الناس عن آبائهم وأجدادهم وهم يعتبرونها جزءا من الدين والدين لا يقرهم عليها. وقد اعتبر بعض الناس أن العادات والتقاليد مقدمة على الدين لذلك نجدهم يقدمون العادات والتقاليد على أحكام الشريعة الإسلامية.
إن الإسلام لم يأت لمحاربة العادات والتقاليد السائدة بين المجتمعات كما يظن بعض الناس لأن الإسلام اعتبر العرف كمصدر تشريعي، ويوجد ارتباط وثيق بين العرف وبين العادات والتقاليد فالعادات والتقاليد هي جزء من العرف، كما أن الإسلام لم يأخذ بالعادات والتقاليد على إطلاقها، ولم يعتبرها مصدرا تشريعيا مستقلا، وإنما وضع ضوابط لاعتبارها كمصدر تشريعي يستفاد منه في أحكام الشريعة الإسلامية
فالشريعة الإسلامية أقرت من العادات والتقاليد ما هو صالح منها، وأبطلت ما ليس بصالح ونافع منها.
وقد تناولت في هذا البحث أثر العادات والتقاليد على تدين المجتمعات، وما هو موقف الشريعة الإسلامية منها، و الحديث عن العادات والتقاليد والفرق بينهما، ودورها في المجتمع، وأثرها في نفوس الناس وعلاقتها مع الشريعة الإسلامية في إثبات أحكام شرعية، وعلاقة العادات والتقاليد مع العرف كمصدر تبعي في الشريعة الإسلامية، وعلاج ظاهرة التقاليد السلبية في المجتمع، وكيف تعاملت الشريعة الإسلامية مع ظاهرة التقاليد الإيجابية والسلبية.
وقد حاولت الإجابة عن الأسئلة الآتية:
- هل تعتبر العادات والتقاليد مصدر تشريعي تستمد منه أحكام الشريعة الإسلامية.
- ما هي العلاقة بين العرف والعادات والتقاليد.
- ما هو أثر العادات والتقاليد على التدين.
- ما هو موقف الشريعة الإسلامية من العادات والتقاليد السائدة في المجتمعات.
وقد تحدث علماء العقيدة عن التقاليد عندما تحدثوا عن مسألة التقليد في الإيمان،
أما الأصوليون لم يتحدثوا عن العادات والتقاليد وإنما تحدثوا عن العرف كمصدر من مصادر الشريعة الإسلامية التبعية، ومن خلال حديثهم عن العرف تحدثوا عن العادات على اعتبار أن العادة جزء من العرف.
ولم أجد من العلماء من تحدث عن العادات والتقاليد وأثرها على سلوك المتدينين واعتبار الشريعة الإسلامية لها واعتبارها في إثبات أحكام الشريعة.
واتبعت في البحث المنهج الاستقرائي الوصفي من خلال استقراء الكتب الأصولية التي تحدثت عن العرف وكتب العقيدة عن تحدثت عن أثر التقليد في الإيمان، وقد قمت ببعض الدراسات الميدانية والمقابلات لبيان أثر العادات على سلوك المتدينين، وقد قسمت البحث إلى المحاور البحثية الآتية:
المبحث الأول: العادات والتقاليد، والفرق بينها وبين العرف.
المبحث الثاني: مكانة العادات والتقاليد في الشريعة الإسلامية، ودورها في إثبات الأحكام الشرعية.
المبحث الثالث: أثر العادات على سلوك المتدينين مع ذكر بعض الأمثلة التطبيقية، وعلاج الظاهرة.
وقد توصلت إلى النتائج الآتية:
يعتبر العرف أعم من التقاليد وبين التقاليد والعرف عموم وخصوص. فقد يكون كل تقليد عرفا إلا أنه لا يمكن اعتبار كل عرف تقليد، ولم يرد ذكر التقاليد في الفقه الإسلامي وإنما ورد العرف والعادات وكأن الفقهاء والأصوليين جعلوا كلمة العرف شاملة تشمل كل من العادات والتقاليد، وقد حاربت الشريعة الإسلامية في مجال العقائد التقاليد، ومنعت من الأخذ بها، وبينت أن الطريق الوحيد للعقائد هو النقل من الكتاب والسنة، والعقل والتفكر والتأمل، وقد اعتبر الأصوليون التقاليد نوعا من أنواع العرف المندرجة تحتها كمصدر تشريعي لأن التقاليد معتمدة على العرف فلا يعتبر التقليد إلا إذا انتشر بين مجموعة من الناس، وتناقلوه من جيل إلى آخر كما بينت في المباحث السابقة.
أما الدين هو عبارة عن مجموعة من الأفكار، والأحكام التي يخضع الشخص لها ويعتقدها، أما التدين فهو الجانب العملي والتطبيقي للدين فالتدين هو الممارسات التي يمارسها الأفراد والجماعات للدين، وقد أطلق الباحثون على التدين مصطلح معاصر (التدين الشعبي) والمقصود بالتدين الشعبي: واقع اجتماعي متواجد من القدم و يمكن اعتباره إرثا اجتماعيا و تقافيا يتم تناقله من جيل الى جيل، وبما أن التدين يتأثر بالعوامل الاجتماعية، والظروف البيئية، والمحيط والزمان والمكان فمن الطبيعي أن يكون للعادات والتقاليد أثر كبير على الدين، ومع مرور الزمن تصبح العادات والتقاليد جزء من الدين، ويمارسها الناس على أنها الدين ويتقربون بها إلى الله تعالى
إن العادات والتقاليد المخالفة لنصوص شرعية صحيحة، أو مبنية على أوهام تقاليد مرفوضة وغير مقبولة في الشريعة الإسلامية مثل التمائم والتقاليد المتعلقة عند الموت، أما التقاليد التي سكتت عنها الشريعة الإسلامية وليست فيها مخالفة لنصوص الشريعة ولا لقواعد الشريعة والقيم الإسلامية فهذه التقاليد تكون مقبولة.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول