أبو الحارث...هادي محمد العكال

 

 

د. فاضل خلف الحمادة

شاب نشأ في طاعة الله

ما زلت أذكره في العام 1997م وهو على مقعد الدراسة في الصف الثاني الثانوي في الثانوية الشرعية بالرقة، بذهنه الحاضر وتعطشه للعلم الشرعي، مع الحب الشديد لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، يسجل كل معلومة دقيقة كانت أو كبيرة.

كبر الشاب وكبر همُّ الأمة الإسلامية معه، فلا تكاد تجد له صبوة، سابق عمره في التحصيل العلمي، فدخل كلية الشريعة جامعة دمشق وتخرج منها، وعرفه أترابه بالفهم السليم والاستقامة على الحق، مع دماثة الخلق وفطانة ظاهرة.

حمل العقيدة السلفية وبدأ بنشرها في منطقة سلوك وما حولها، وفي الإجازات يعود إلى قريته القنيطرة التابعة لمنطقة سلوك بالرقة ليلتقي مع غراس نشأت تحت ناظريه، فأنار الله بنور التوحيد قلوب الشباب بهمة شاب نشأ في طاعة الله.

تابع الشيخ رحمه الله تعالى تحصيله العلمي فانتسب إلى كلية الإمام الأوزاعي لدراسة الماجستير، إلا أن يد الظلم اغتالته لتغيبه في سجن صيدنايا عام 2008م، حفظ خلالها القرآن الكريم بالروايات العشر.

واشتهر رحمه الله في السجن بالعلم والعبادة، فنظم لهم مصطلح الحديث، وكانوا يكتبونها على لباسهم حتى لا يراها الطغاة، وأخبرني من زامله في السجن عن كثرة صيامه وقيامه.

كل هذا مع جرأة في الحق، فكان رحمه الله لا يخشى لومة لائم في مقالة الحق.
وشاء المولى عز وجل للفجر أن يزيح ظلمة الطغاة، فاندلعت ثورة المساجد في سورية، وخرج الشيخ رحمه الله تعالى من السجن ليلازم والده المريض، وبعد فترة من خروجه وفرح أحبته به، عادت الطغمة الظالمة لتغيبه في السجن مرة أخرى، وشاء الله أن يتوفى والده حزناً وكمداً عليه.

ثم أفرج عنه في دار القضاء، ومن أمام المحكمة تم اقتياده إلى خدمة العلم (خدمة الجيش الإجبارية).
انتظر حتى انقضت أيام الدورة، وأعطي ورقة الفرز، فاختار درعا لتكون مقراً له، فأعلن انشقاقه دون توثيق مصور، وذلك كعادة من خرج لله.

بدء التجول بين الكتائب المقاتلة يعلمهم ويرشدهم، أحبوه لما يحمله من علم وعقيدة، وأخلاق رفيعة، أرادوا أن يكبلوه عندهم محبة به من خلال تزويجه فأبى.

كانوا يبتعدون به عن الخطر مخافة أن يفقدوه، أبعدوه عن مدينة الحراك قبل الاجتياح، وعن حاجز بصرى الشام، ويعزمون عليه أن لا يخرج ليقاتل؛ لأنهم بحاجة إليه.

أصبح خطيبهم ومعلمهم ومفتيهم وقاضيهم، وسن فيهم سنة من سلف من القضاة، فكان لا يقبل عزيمة، ولا يركب في سيارة أحدهم، حتى لا يضيع هيبة القضاء.
انتقل رحمه الله تعالى إلى غوطة دمشق فتعلقت به القلوب.

ثم انتقل إلى تل أبيض في رحلة شاقة من الغوطة إلى إدلب فالريف الشمالي حتى وصل إلى أمه أعانها الله على فقده.

وصل حاملاً معه همّ الأمة وإقامة شرع الله، فأنشأ الهيئة الشرعية والمحكمة الشرعية، وتواصل مع قضاة حلب وإدلب لتفعيل وتطوير العمل.

وبدأت القلوب العطشى إلى شرع الله بالتزاحم على بيته ثم مقره، ولسان حالهم: نريد شرع الله، كان يخرج من الفجر إلى منتصف الليل، ثم يجد وقتاً لنكلمه، فيشكو التقصير، وحاجة الأمة إلى رجال يحملون هذا الدين، ويتحسر قائلاً: آآآه لو كان لي أعون على الحق.

وفي يوم الجمعة 15/2/2013م، وبعد صلاة الجمعة كان على موعد مع ربه، حين اغتاله قصف من عادى الله وشرعه، لينتقل إلى جنة الفردوس بإذن ربه.

شاب نشأ في طاعة الله، ومات على طاعة الله، فاللهم تقبله في عليين مع النبيين والشهداء والصديقين.

رحم الله أخي وحبيبي ورفيقي الشيخ الهادي: هادي محمد العكال (الحازمي القرشي).
رحمك الله أبا الحارث وجعل مثواك الجنة، أشهد الله عز وجل أنك ما خرجت إلا لإعلاء كلمته، من غير بطر ولا رياء.

اللهم فارحم الشيخ الهادي، وأجره من عذاب القبر، اللهم وأبدله داراً خير من داره، اللهم أكرم نزله وأوسع مدخله، اللهم اجعله وافي الجزاء من غير حساب.
اللهم أجرنا في مصيبتنا ولا تحرمنا أجره، واجمعنا به عندك في مقعد صدق.
إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا هادي لمحزونون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.