التقديم للبحث:
الدراسة البلاغية للنظم القرآني في آياته وسوره من أهمّ ما يجب أن يُعْنى به الدارسون لعلوم التفسير والبلاغة على حدٍّ سواء؛ وذلك لأن المشتغلين بالدرس التفسيري أو البلاغي لا يفيدون من عمل علميٍّ مثلما يفيدون من دراسةٍ تتعلّق بنظم القرآن الكريم، وتستكشفُ أسرار الإعجاز فيه. خاصّة عند النظر إلى واقع مصنفات الدرس البلاغي المنصرفَةُ بكلّيّتها إلى الضبط والتقعيد؛ بغية إقامة صرح متميّز لهذا العلم؛ الأمر الذي حال دون الانتفاع الكامل من بلاغة القرآن في تطوير الدرس البلاغي منهجا وشواهد.
وقد حفلت كتب التفسير البيانية بكثير من الموضوعات البلاغية التي تناولها البلاغيون في مصنّفاتهم إلا أنّها جاءت في كتب التفسير أعمق تحليلا، وأوسعَ نظرةً، وأكثرَ شمولاً. وإنّ مقارنة يسيرة بين مفسّر أو عالم له مصنّفان أحدهما في البلاغة والآخر في التفسير ليجد تباينا في العرض والتحليل والأمثلة. وليأخذ على سبيل المثال الرازي في كتابيه: التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، ونهاية الإيجاز في البلاغة.
ومن هذا المنطلق جاءت هذه الدراسة لتمثل أنموذجا لدراسة بلاغية للنظم القرآني في آياتٍ جمع بينها أسلوب بلاغي عظيم هو أسلوب الاستفهام. ولمّا كان هذا الأسلوب مستعملاً في القرآن في مواضع كثيرة فقد وقع الاختيار على آيات تميّزت بظاهرة أسلوبية طريفة هي الاستفهام المتكرر سواءً كان ذلك واقعا في آية واحدة أو في آيتين متتاليتين.
وقد كان عدد الآيات التي توافرت فيها هذه الظاهرة إحدى عشرة آية موزعة على تسع سور في موضوعين هما البعث، وفاحشة قوم لوط كما سيأتي بيانه في موضعه.
وقد لقيت هذه الآيات عناية كبيرة من فريقين من العلماء هما: علماء القراءات لما في هذه المواضع من اختلاف ظاهر في أدائها عند القرَّاء بين الخبر والاستفهام. وعلماء التفسير توجيها وتحليلاً لدلالة الآيات، وبيان مواضع الجمال وأسرار الإعجاز فيها. ومن هنا جاءت هذه الدراسة لتتناول هذه الآيات من الوجهة البلاغية في محاولة للكشف عن الخصائص
البلاغية في مفرداتها وتراكيبها.
وتتمثل مشكلة الدراسة في محاولتها الكشف عن الخصائص البلاغية في آيات الاستفهام المتكرر في القرآن، ويمكن صياغتها في السؤال الآتي: ما الخصائص البلاغية في آيات الاستفهام المتكرر؟
وستلتزم هذه الدراسة بالآيات الإحدى عشرة التي توافرت فيها ظاهرة الاستفهام المتكرر، ودراستها دراسة بلاغية.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول