آفاق التغيير في غرب متقلب

 

التّناقض الواضح والانفصام الفاضح في شخصيّة الإنسان الغربي بين الأقوال والأفعال، بين المبادئ والممارسات، بين النّظم والقوانين والانتقائيّة في تطبيقاتها، قد يتعاظم حجماً مع مرور الزّمن، ومع استفحال الظّلم واستقواء القويّ على الضّعيف في زمن فُرِضتْ وطغتْ فيه عولمة متوحّشة، أزالت قسراً بين شعوبه الحدود والحواجز لتفتح المجال واسعاً أمام غزو فكريّ وحضاريّ فتّاك، يزرع الفتن ويغذّي العداوات وينشر الأحقاد والعصبيّات بين شعوب الأرض، تعبيداً وتحفيزاً لما يُسمّى بصراع الحضارات..

 

..ما قد يُولّد إرتدادات إيجابيّة في مجتمعاتهم نفسها، تتعاظم أعدادها يوماً بعد يوم، رافضة أن تستسلم لهذا الواقع، خاصّة عند شريحة معيّنة من النّخب المتنوّرة فكريّاً، شريحة تنبذ الظّلم بفطرتها المتحرّرة ولو نسبيّاً في لاوعْيها، من عقدة التميّز والتّفوق الحضاري، ومن عبوديّة الثّقافة الموجّهة ووصفات الأفكار الجاهزة وسموم الإعلام المسيّس والموجّه لخدمة مراكز قوى لا تعترف بحريّة الشّعوب ولا بعدالة قضاياهم ولا بحقوقهم المسحوقة والمسلوبة عبر الأزمنة والعصور..

 

..ما يبشّر ويقدّم ولو بعد حين، لمرحلة تصبح فيها هذه الأصوات الثّائرة على واقعها قوّة مؤثّرة وضاغطة على مستوى الفكر الجماعي ومؤسّسات المجتمع المدني، لتُحدث إختراقات مؤثّرة وحقيقيّة في بعض مراكز صنع القرار، بحيث يصعب حتّى على الإعلام الموجّه التّنكّر لها، قوّة تكشف الزّيف الشّديد الّذي وصلت إليه الحضارة الغربيّة، وتعرّي نفاق أصحاب القرار فيها ومن حولهم من مراكز صنع القرار ومؤسّسات الابتزاز المتوحّشة الّتي تدير سياساتها بمكر لئيم وساديّة متناهية وانتقائيّة فاضحة..

 

والغرب بات اليوم مضطرّاً لخلق الذّرائع الّتي لا تتعارض بظاهرها مع ما يدّعيه زوراً ونفاقاً من قِيَم إنسانيّة وعدالة أمميّة وحميّة نحو الشّعوب المضطهدة، عبر شجب وإدانة للاستبداد وملحقاته بعبارات وشعارات وبيانات لا تسمن ولا تغني من جوع، فتارةً ينتفض لحقوق المرأة "المسلوبة حقوقها وحرّيّتها"، وتارةً يقيم الدّنيا ويقعدها، بل يحشد ويجيّش الجيوش لإرهاب صنعه بيديه وغذّاه وأوجد له فرص الانتشار والرّواج، وتارةً يجمع مجلس الزّور الأمميّ ليضفي شرعيّة وإجماعاً "بالّتي هي أحسن" على سياسات الهيمنة والعدوان...!

 

وهكذا، قد يأتي يوم ليس ببعيد ينقلب فيه السّحر على أصحابه، وتزول الغشاوات عن عيون المزيد والمزيد من أحرار البشريّة، لهول ما يبصروا من مظالم تنبذها فطرتهم، وتجرح بوقاحتها ما تبقّى من إنسانيّتهم، وتصطدم مع شعارات ومبادئ وتقاليد ترعرعوا عليها، وحقوق تنادوا لها وسطّروها في مجتمعاتهم عبر عقد جمعيّ يحوي الكثير من البنود والنّظم والمبادئ والتّوافقات، الّتي لو طُبّقت على غيرهم من الشعوب، لأتت بخير كفاها مؤونة الكفاح والنّضال لأجل نيل بعضٍ من حرّيّة مسلوبة لا تعرف لها طعم، وحقوق حياة كريمة مسحوقة، وأمن نسبيّ لم تنعم به منذ قرون..

 

يأتي دورنا في هذه "المعمعة" وهذا البحر من الفتن المتلاطمة أمواجه، وإن كنّا نعاني ما نعانيه من مظالم وفتن وافتراءات، لتحفيز أصحاب هذا التوجّه، أفراداً على مستوى بعض النّخب المنتقاة، ومجموعات على مستوى بعض جمعيّات ومؤسّسات المجتمع المدني، وذلك عبر مدّ جسور الحوار المنفتح والبنّاء مع ما تقدّم من أحرار ثاروا على العبوديّة الفكريّة والمادّيّة،  باسطين ومادّين أيادي التّعاون نحوهم ومعهم على الكثير من المستويات ضمن الممكن والمتاح من الفرص...

 

..وتجدر الإشارة توازياً مع ما تقدّم، من وجوب العمل والجهد المبصر والدّؤوب، سلميّاً إلى أبعد الحدود ما أمكن ذلك، وصولاً إلى كافّة الوسائل المنضبطة والمشروعة المتاحة، كما نفهمها نحن، لنيل حرّيتنا واسترداد حقوقنا والعيش كما نريد ونقرّر "نحن"، أو كما درج في عصرنا ما يُسمّى بـ "حقّ تقرير المصير"...فإن ظنّ "ظانٌّ" نفسه فرعون عصره، فنحن لسنا جنودَه..

 

في سياق ما ذكرت آنفاً، بل خلاصة له وعبرة لما ورائه، لا بدّ من التّذكير، رغم المآسي والمظالم الفظيعة الّتي نتعرّض لها جرّاء سياسات أنظمته العدوانيّة، والّتي قد تضع غشاوات كثيفة وحواجز صلبة عالية من الأحقاد والضّغائن بيننا وبينهم، فإنّ شعوب الغرب ليسوا سواء، فإنّ منهم المقسطون وإن قلّة قليلة نسبيّاً، لكنّها تتعاظم يوماً بعد يوم، وهو ما لا بدّ من استثماره وتوظيفه نصرة لحقوقنا وقضايانا، ودفعاً أو تخفيفاً للمظالم الّتي تتعرّض لها أمّتنا، فضلاً وهو الأهمّ في ذلك كلّه، عن كوننا نحمل رسالة الحقّ والنّور للعالمين، أمانة في أعناقنا وعلى أكتافنا، مكلّفون بفتح أبواب العقول ونوافذ القلوب لتوصيلها بكلّ ما أوتينا من جهد إلى العالم أجمع.. 

 

والحمد لله على نعمة الإسلام.. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين