حي الوعر: التطورات في شكلها ونتائجها النهائية

 

بقي حي الوعر مكاناً لاحتضان نازحي الأحياء والقرى التي تعرضت للقصف من قبل نظام الأسد, محاطة بسلاح خفيف يحمله أبناء الأسر التي تسكنه, خوفاً على أنفسها من "شبيحة" قرية المزرعة والدفاع الوطني, وبقي نظام بشار الأسد ينشر حواجزه في الوعر حتى منتصف العام 2016 تقريباً حيث انسحب الحاجز الأخير (حاجز مشفى البر التابع لأمن الدولة) دون أي مهاجمة من قبل ثوار الحي أو إجبار, علماً أن هذه الحواجز كانت تقوم بعمليات قنص للمدنيين وتستخدم كأماكن رصد لقصف نقاط مختلفة داخل الوعر ليس أخرها قصف ملعب الأطفال.

لقد سادت حالة الأمان في حي الوعر بداية 2013 بوجود جماعات ثورية قليلة العدد منتشرة على أطراف الحي, حتى بلغ العدد الكلي لقاطني الحي قرابة ثلاثمائة وخمسين ألف شخص, وكانت المؤسسات العامة تعمل بكل أريحية وسلاسة, وأقيمت منتديات ثقافية وأنشطة ثورية, وفعاليات, وتأسست في الحي أكثر من ستين مؤسسة جديدة وظفت من خلالاها طاقات ما يزيد عن ألفي شاب وشابة من حملة الشهادات الجامعية والكفاءات العلمية, وافتتحت في حي الوعر مسارح وملاعب ونوادي ثقافية, ومارس الأهالي شعائرهم الدينية بسلام في كنائس ومساجد الحي, ليمثل الوعر نموذجاً جميلاً من الحرية والتعايش والنشاط.

في منتصف 2016بدأ نظام الأسد بقصف حي الوعر للمرة الأولى وأحاط به طوق أمني يمنع حركة الدخول والخروج, وكانت أول شهيدة في الحي هي الدكتور مها اللوش طبيبة النسائية الحمصية المشهورة, حيث قصفت عيادتها ومنزلها, وبدأت موجة النزوح الأولى من الحي, ليتناقص العدد الكلي للسكان تدريجياً خاصة مع انقطاع التيار الكهربائي لفترة تزيد عن ثلاثة أشهر متواصلة, واستمرار القصف بالهاون, وعلى الرغم من التواصلات التي تمت من قبل وجهاء الحي مع النظام لتهدئة الأمور إلا أن الحصار والقصف استمرا, مما أضعف العدد الكلي في منتصف2014 إلى أقل من مائتين ألف شخص, (خلال عام واحد).

مع بداية 2014 وكّل أهالي الوعر السيد بشار النقرور وهو رجل مسيحي من أبناء حي الوعر, للتفاوض مع نظام الأسد, وقام الرجل بجهد جبار في هذا الجانب, وبعد التوصل لاتفاق يقضي بعودة الخدمات للحي وفك الحصار عنه, تم اعتقال السيد نقرور واختفى منذ ذلك التاريخ.

وفي شهر آذار 2014 تم توكيل الدكتور أمين الحلواني (صاحب مشفى الأمين في حمص, وهو رجل سني) بإيجاد حل لفك الحصار عن الوعر وتأمين الخدمات الرئيسية, إضافة لمهمته في إيجاد حل لملف حمص القديمة, إلا أن النظام قام باعتقاله في شهر آيار واختفى منذ ذلك التاريخ.

وفي بداية 2015 تم إصدار تفويض رسمي للدكتور ناصر النقري (طبيب أسنان يعيش في بلجيكا, علوي, من حي الزهراء), ووافقت كافة الكتائب على تفويضه, وقام بمجموعة من التواصلات مع دول أجنبية زار ممثلوها دمشق لمحاولة إيجاد حل لحي الوعر يضمن فك الحصار والحفاظ على المدنيين وتحسين الخدمات, الأمر الذي رفضه النظام بشكل مباشر وانسحب الوسطاء على إثر هذا الرفض.

ومع بداية 2015 تم تشكيل لجنة تفاوض في حي الوعر من مدنيين وعسكريين, وقامت بسلسلة لقاءات مع نظام الأسد من مسؤولين في دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس, وبذلت اللجنة جهداً كبيراً في سبيل إيجاد حل لحصار الحي والحفاظ على المدنيين وتحسين الخدمات, إلا أن القصف كان يعود والحصار كان يشتد عندما يتعثر التوافق, وكان عدد المدنيين يستمر بالانخفاض حيث وصل إلى أقل من مائة ألف مطلع2016, ورغم التوصل لاتفاق بين النظام والأهالي أعطى الثوار كل التزاماتهم للنظام (إخراج دفعات متفق عليها من المتشددين, وتسليم جزء من السلاح الثقيل, والسماح للنظام بالدخول في الحي للتصوير وسواها) إلا أن النظام أخل بإلتزاماته من إطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار عن الحي وافتتاح المؤسسات العامة, وفشل الاتفاق بشكل نهائي على الرغم من المرونة التي أبداها الثوار وذلك في منتصف آذار2016.

قام ثوار حي الوعر بعمليات أمنية ضد من حاول الانتساب لتنظيم داعش, واستطاعوا السيطرة عليهم بالكامل نهاية2015وإخراجهم من الحي, وكذلك خاضوا لمدة عامين معارك مفتوحة ضد ميليشيات لواء الرضا الشيعية التي ترفع علم حزب الله شعاراً لها, وأصروا على حصر معاركهم في جوانب دفاعية فقط بغية الحفاظ على مدنيي الحي.

زار وجهاء حي الوعر مناطق موالية أكثر من مرة وقابلوا وجهاء من الطوائف العلوية والمسيحية وأبدوا سرورهم الدائم بعقد لقاءات تضمن تحسين بنية النسيج الاجتماعي المتهتك نتيجة ما حصل في حمص, وكانت لهم علاقات جيدة مع مختار قرية المزرعة الشيعية, وضمنوا ممتلكات من كان يخرج من حي الوعر مضطراً, نتيجة النزوح المستمر الذي أوصل عدد السكان مطلع2017 إلى أقل من 50000نسمة.

التزم أهالي حي الوعر, صرحوا, أصدروا بيانات, أجروا اتصالات, بأنهم سيكونون على رضى كامل بأي حل متكامل للملف السوري, وذلك عبر مؤسسات المعارضة المعتدلة وشخصياتها المعروفة.

تواصلوا مع روسيا عبر مؤتمرات موسكو, وعبر الضباط الذين تواجدوا على أرض حمص, وعقدوا لقاءات مختلفة, في سبيل الحفاظ على مدنية الحي, وتحسين حياة المواطنين, إلى أن الحملات العسكرية استمرت, وأخرها حملة عسكرية في بداية شهر شباط الماضي استخدمت فيها صواريخ فراغية وارتجاجية خارقة للتحصينات تحطم أبنية بأكملها وترمى من طائرات النظام, وعقدت جولات مع الضباط الروس, وأدت تلك الجولات للإذعان لاتفاق خروج من حي الوعر تم توقيعه في 13 آذار2017.

"أنتم معتدلون, ووطنيون, ونريدكم أن تبقوا تحت سلطة الأسد" العماد إيغور توتشينوك, مسؤول مركز المصالحة الروسي في حميميم, صدق بأن أهالي الوعر معتدلين, بل وبرغماتيين بما يكفي للتأقلم مع كل واقع, لكنهم معارضون لنظام بشار الأسد قاتل الأطفال, الذي رهن البلاد للخارج, وخربها, وسيفضلون الخروج من أرضهم على أن يبقوا تحت سلطة الأسد.

بعد كل البراغماتية التي أبداها أهالي حي الوعر, وبعد كل ما بذلوه من جهد لمد أيديهم للسلام, بات لدي قناعة بأنه لا يوجد حل قريب في سورية, وربما لن يكون.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين