عبودية القلب

خطر لي أن أتأمل حقيقة "العبودية "

فقلت -بادئ الرأي- : "هي فعل ما أمر الله به ، واجتناب مانهى عنه .

ثم عدت فأنعمت النظر ،وأطلقت سرح الفكر يجول في حقيقتها ،

فرأيتها شيئا فوق مجرد اتباع الأوامر، واجتناب الزواجر .

رأيتها استسلاما للشرع وخضوعا له ،

وإقبالا بالقلب على الرب عز وجل ، وتفريغ النفس مما سواه ، والالتفات بالكلية إليه، 

بحيث يؤدي العبد عباداته بقلبه قبل جوارحه ، وبروحه قبل بدنه .

فيستشعر عظمة من يعبده وجلاله وجماله وكماله وعظيم أسمائه وصفاته ،فلا تزال هيبته في قلبه ، ولا يزال خاشعا خاضعا ، 

خائفا راجيا ، مخبتا منيبا ، متوكلا مستعينا بربه .

ذكر الله لا يفارقه .

ينام لله ،ويستيقظ له .

يتزوج له وينجب له . 

يحيا له ويموت من أجله .

قد عرف حقيقة التوكل فلم يركن إلى الأسباب ولم يلتفت لها مع تمام أخذه بها وفعله لها ،

بحيث لو قيل له : سيؤخذ مالك ، ويحاط بك من كل مكان. 

لم يتغير حاله ، ولم يلجأ إلى غير ربه في كشف كربته ،وإجابة دعوته .

قد فرغ من الناس وفرغوا منه ، فلا يطلب مدحهم ، ولا يفزع من ذمهم .

لا يجالس إلا من يقربه إلى ربه ويدنيه منه .

وإن اضطر إلى مجالسةأهل الدنيا كان معهم ببدنه ،

وروحه عند ربه عزوجل .

لا يحزنه ذهاب دنياه إذا صح له دينه ،

ولا يقلقه ويزعجه إلا قدومه على ربه ، وهول الوقوف بين يديه، 

والمرور على الصراط ،

ومستقره في أي الدارين

هذه هي حقيقة العبودية التي أعتقدها 

وعلِم الله ، أنها لم تنزل بساحتي ،

ولا شممت لها رائحة ؛

لكني أسأل الله أن يمن علينا بمعرفته ، وتحقيق العبودية له 

وأن يرضى عنا .

وإذا رضيت فكل شئ هين

حسبي رضاك فكل شئ زائل

أنت المنى ورضاك سؤلي في الدجى

وإذا حصلت فكل شئ حاصل

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين