نظرات قرآنية -2- الإقناع العقلي في رسالة إبراهيم صلى الله عليه وسلم 

ذكرتُ في المقال السابق أن دعوة رسل الله -عليهم السلام - قبل إبراهيم كانت ذات إقناع عقلي وتأييد برهاني بالدليل المشاهد، والفكر المستقيم، وأريد أن أثبت أن دعوة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم - عليه السلام - بلغت ذروة الإقناع الصائب، إذ كان من الحجة الساطعة والدليل المطمئن في الموضع الراجح، والموقف الواثق.

وصلةُ إبراهيم - عليه السلام - بالإسلام مما لا جدال فيه، فقد قال الله عزَّ وجل:[ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ] {الحج:78}، وقال عزَّ مِن قائل:[مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ] {آل عمران:67} .

وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر في حديث الإسراء: أنه رأى موسى وعيسى وإبراهيم فكان خليل الله أقرب شبهاً به عليهما الصلاة والسلام. رواه مسلم

وإذا كان - عليه السلام - يعني الشبه الصوري في ملامح الوجه واستواء الجسم فإن هذا الشبه يمتد إلى أصول الدعوة الإسلامية، إذ أن دعوته صلى الله عليه وسلم إلى الحنفية السمحة تجديداً لدعوة أبيه إبراهيم ، وقد احتفى أيد الأنبياء بين الرسل قاطبة بالصلاة عليه باسمه في الصلوات الخمس بعد تلاوة التحيات المباركات، أما الأنبياء الآخرون فقد شملتهم عبارة (وآل إبراهيم) إذ هم إليه ينتسبون.

الدليل المطمئن:

لعل أبلغ ما يتضح من سيرة إبراهيم في دعوته الهادية، اعتقاده الراسخ فيما يدعو إليه، واشتغاله الدائب بما يطمئن قلبه في اعتقاده الإيماني، فقد آمن أبو الأنبياء بالبعث عن يقين، ولكنه مع إيمانه الحازم طلب الدليل المحسوس فقال لربه:[ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى] {البقرة:260} . ويقول المفسرون: إن خليل الرحمن قال: كيف تحيي الموتى؟ ولم يقل: هل تحيي الموتى، والسؤال بهل، غير السؤال بكيف إذ أن السؤال بها تسليم بالإحياء بَدْءاً، وطلب للكيفية فحسب، ولا كذلك السؤال بهل، فهو يعطي صورة التردد لا الحزم، وقد قال له ربه: [قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي] {البقرة:260} فالعمل على هذا الاطمئنان الأكيد يراه خليل الرحمن تثبيتاً لقلبه، وتأكيداً راسخاً لاتجاهه، وهو ما سعى إليه حين التجأ إلى ربه بسؤاله الحصيف.

كتب أستاذنا الأستاذ محمد محمد المدني مقالاً جيداً (في مجلة الأزهر - المجلد العشرون ص 601 سنة 1368هـ - عن أبي الأنبياء قال فيه ببعض التصرف: (إن بعض الناس قد ينظرون في المسائل، فيستولي عليهم الخوف النفسي من طَرْق بعض نواحيها، ويخيل إليهم أن هذه النواحي حَرَمٌ مقدَّس لا يجوز القرب منه فضلاً عن اقتحامه، ولكن إبراهيم - عليه السلام - كان مقداماً على ما يعتقد أنه الصواب، جريئاً في إنفاذه والعمل عليه، قوياً في معالجة قلبه، لكيلا يطغى على عقله، فهو لا يعبأ بأيِّ اعتبار من الاعتبارات التي تصرف الضعفاء عن النظر الصحيح، ولم يكن متردِّداً في الإيمان بقدرة الله تعالى إيماناً طبعه الله عليه، ولكنه طلب صورة أخرى من صور اليقين بعد الإيمان بالقدرة، وليس كل الناس يجرؤ على هذا الطلب، و لكن إبراهيم - عليه السلام - يريد أن يصل إلى الاطمئنان، ويسدَّ على كل من تحدثه نفسه بالشك منافذ الشيطان).

والموقف بعد لا يختص بإبراهيم - عليه السلام - وحده، فهو مقبل على دعوة قوم ألداء، وخصوم شداد، إلى الإيمان بالبعث، وهم مُصمِّمون على نكرانه، ولا ريب أنه سيذكر لهم هذا الدليل الحسي الذي شاهده مشهد العيان حين أخذ أربعة من الطير فضمهنَّ إليه، ثم جعل على كل جبل منهنَّ جزءاً بعد تقطيعهنَّ، ودعاهنَّ إليه، فعادت حياتهنَّ، وأقبلن سعياً إليه، وقد يكون بين أصحابه من شاهد هذا المشهد، فإذا تمَّت هذه الصورة الخارقة، وأكدها خليل الرحمن لقومه أبلغ تأكيد، كانت إحدى وسائل الإقناع.

الدعوة بالتي هي أحسن:

يتجه الرسل أول ما يتجهون إلى ذوي قُرباهم، وقد بدأ إبراهيم - عليه السلام - بدعوة أبيه، لأن اهتمامه بصلاح أمره في دنياه وآخرته كان من القوة بحيث جعل يحاوره في مواقف شتى دون أن ييأس، وقد كان من الحصافة بحيث اختار أهدأَ الكلمات، وأقربها إلى النفاذ في مكامن الإحساس ليستميل أباه إلى دينه الحنيف، ولم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم الملهم غافلاً عن مكان الإقناع في محاورته الهادفة، فهو يقول له:[إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا(42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا(43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا(44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا(45) ]. {مريم}. .

والمفسرون يلتفتون إلى قول إبراهيم - عليه السلام - [عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ] التفاتاً نفسياً، فيقول قائلهم: لم يقل إبراهيم. (عذاب من الجبار أو القهار) بل قال: من الرحمن ليعلِّم والده أن الله عزَّ وجل رحيم غفور، وأنه سيتغمده برحمته ما أسلف من السيئات حين يعجل التوبة من الشرك، وقد قابله والده بالجفاء الغليظ حين أعلن أنه إذا لم يتبعه ويترك الدعوة إلى الله تعالى سيرجمه، وهو تهديد قاس لم يكن ينتظره هذا الذي يختار أرقَّ الكلمات لتقع موقع الاستجابة من قلب الوالد العنيد، ومع هذا التهديد القاسي لم يسع إبراهيم - عليه السلام - إلا أن يقول لوالده: [قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا] .

أليس في هذا النمط الحواري نموذجٌ رائع للدعاة؟ ألا يعطيهم القدوة الطيبة في حُسْن الاستمالة، وتحمُّل الإساءة، بل في مقابلتها بالإحسان، إذ يقول لمهدِّده: [سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي] .

وإخال أن خيبة أمل إبراهيم - عليه السلام - في والده كانت ذات شجن أليم، أخذ يرنُّ مجلجلاً في أعماقه، إذ تابع دعوته مُلحّاً، حتى إذا أدركه السأم اتّجه إلى القوم في مجتمعهم الحافل، وأبوه من بينهم، ليعيد ما قاله على الملأ مستعيناً بأقوى الحُجَج، وأمضى البراهين، حين يفضح حقيقة الأصنام المعبودة، فيقول لأبيه وقومه:[إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ(70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ(71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ(72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ(73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ(74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ(75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ(76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ العَالَمِينَ(77) ]. {الشعراء}..

وإذن فقد: 

كشف إبراهيم - عليه السلام - حقيقة الأصنام التي لا تسمع من يدعو، ولا تملك الضرَّ والنفع لأحد، وبيَّن أن اتِّباع الأبناء ضلالَ الآباء عبثٌ ضائع، أما هو فقد دعا إلى عبادة رب العالمين:[فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ العَالَمِينَ(77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ(78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ(79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ(80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ(81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ(82) ]. {الشعراء}. .

هذا الإله الخالقُ الرازقُ، المعافي المحيي، المميت الغافر هو الحقيق بالعبادة وحده، ولو كان لدى المشركين ذرَّةٌ من رشاد لعبدوُه حقَّ عبادته: ولكنهم أعرضوا، فقابل إبراهيم - عليه السلام - إعراضهم بالدعاء الخالص لربه أن يثبِّت إيمانه، وأن يَهَبَ له الحكم، وأن يغفرَ لأبيه إذ كان من الضَّالِّين، ولا تزال قضية البعث عالقة بذهنه فهو يذكر بها هؤلاء الجاحدين حين يواصل دعاءه فيقول:[وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ(87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89) ]. {الشعراء}..

في قواعد البحث والمناظرة ما يُسمى (بالتسليم الجدلي) مجاراةٌ ظاهريةٌ للخصم، حتى ينفرج النقاش المتصل، عن بطلان ما يرى، وهو نوعٌ من الحوار الهادف يحتاج إلى يقظة بصيرة في تتبّع النقاش، وملاحقة الثغرات، وإلجاء المعارض إلى أضيق المسالك حين تُهاجمه الحجج الدامغة فلا يستطيع عنها محيداً، وحين يرى إن سَلَّم به مبدئياً كان ذريعة إلى نقض ما يدافع عنه من الأوهام.

وقد اعتمد إبراهيم - عليه السلام - هذا المنحى حين واجه مَنْ يعبدون الكواكب من قومه، ومنهم من كان يُسمِّي الأصنام بأسماء الكواكب اعتزازاً بنورها الساطع، والقصة مذكورة في قوله الله تعالى:[فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ(78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ(79) ]. {الأنعام}. .

هكذا اتخذ الخليلُ من مجاراة الخصم سبيلاً إلى إفحامه، وقد شذَّ من قال: إن الآيات تُصور مراحل اهتداء إبراهيم - عليه السلام - إلى فاطر السموات والأرض، وهذا خطأ محض، فإبراهيم قد أُوتي رُشْدَه من قبل، ومَنْ أُوتي الرّشد لا تكون له مرحلة ضعفٍ ينتقل منها إلى مرحلة القوة، فقد خلقه الله مفطوراً على التوحيد، وكأني به وقد دبَّر هذه المحاورة ليخذل من يشركون بالله، حتى إذا ظهر الحق، صاح بهم:[ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ] {الأنعام:80} .

صاحَ بهم من منطق القوة، حيث ظهرت حُجَّته لائحةً حين أَفلت الكواكب ولم تُوال الإشراق، وحَاجَّه قومه من منطق الضعف لأنهم لم يجدوا دليلاً يقنع، أو برهاناً يدل، وقد اكتفوا بأنْ خوَّفوه ما يتوهمونه من سوء العاقبة فيجابههم بقوله:[وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ] {الأنعام:81} .

دعوة هود عليه السلام:

وفي الأقوياء ذوي النظر القاصر مَنْ يخدعهم الحاضرُ عن المستقبل، فيعتقدون أن البأس دائم، وأن الضعف مستحيل، وقد نشأ فيهم من يدعُوهم إلى خشية الله، وعبادته وحده، ولم تكن لدى هود معجزة حسية يُقدِّمها بين يدي دعوته، فصاحوا به:[ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ(53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ (54) ]. {هود}. .

وقد أصموا آذانهم عن هذا الذي أخذ يُبصِّرهم بواقعهم، مستشهداً بما حولهم من الدلائل، فإذا قالوا له:[قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا] {الأعراف:70} صاح بهم:[ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ] {الأعراف:71} .

وأخذ يُمنيهم بما يبهجهم في حياتهم فيناديهم:[وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ] {هود:52} . ثم يرى جحودهم الصارخ فيعالنهم بقوله:[ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ] {هود:57} .

لقد كان في كلِّ ما قاله هود مقنع أيُّ مقنع لمن يؤمن بالله واليوم الآخر، ولكنَّ الذين كفروا وكذّبوا بلقاء الآخرة وأترفوا في الحياة الدنيا لا يحفلون بإقناع ملزم ولا حجة مفحمة، فهم يستهزئون حين يقولون:[أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ(35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ(36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ(37) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ(38) ]. {المؤمنون}. . وهكذا صمُّوا عن الدليل، وعَمُوا عن الحجة [فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] {المؤمنون:41} 

دعوة صالح عليه السلام:

تلا صالح (هوداً) إذ أرسله الله تعالى إلى قوم أثرياء أشداء كقومه، فبلَّغهم مثل رسالته، ولكنه زاد على هود بالمعجزة الحسيَّة فلم تُجْدِ نفعاً، وهي الناقة التي عُقرت دون ذنب، فأخذهم الله بما كسبوا، وقد جمعت آيات الشعراء خلاصة قصته حيث قال الله عزَّ وجل:[كَذَّبَتْ ثَمُودُ المُرْسَلِينَ(141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ(142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(143) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ(144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ(145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ(146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ(148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ(149) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ(150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ المُسْرِفِينَ(151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ(152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ(153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ(155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ(156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ(157) فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ(158) ]. {الشعراء}. .

هذه أمثلة شتى لرسل الله تعالى - قبل إبراهيم - عليهم السلام، تُوضح ما جاءوا به من الحجج الساطعة والبراهين الناصعة، حيث أبلوا أحسن البلاء في تبليغ الرسالة، وإيضاح الحجة بالمنطق الفصل، والبيان الجزْل، وصَبَروا على ما أُوذوا حتى أتاهم نصر الله، ولن يضيع أجر المحسنين.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

المصدر: مجلة الأزهر ـ السنة الثامنة والستون، رجب 1416 - الجزء 7 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين