الأحوال مع الدال

أقصدُ بالدال هنا حرفَ الدال المتبوع بنقطةٍ، والذي يُشير إلى لقبٍ خاصٍّ ودرجةٍ علميةٍ يُفتَرض أنَّ صاحبها بلغها بعد جدٍّ واجتهادٍ في ترقِّي سلَّم الدراسة الأكاديمية، وهي لا تعني بالضرورة تزكيةً ولا صلاحًا لصاحبها.

من يحترمُ العلم سيقدِّر أهله وينزلهم منازلهم، فتراه يُجلُّ حمَلةَ هذا اللقب، ويحسن الظنَّ بهم، ويتواضع لهم، ويحرص على الإفادة منهم.

ومن يعرفُ فضل العلم والعلماء وله همّةٌ عاليةٌ لم يرضَ إلا بالحظ الأوفر منه، وأعلى الدرجات فيه، فإن كان يريدُ وجهَ الله فعلامةُ ذلك عدمُ التفات قلبه إلى مدح الناس وتبجيلهم، ولا ينقص قدرُ أحدٍ عنده لأنه لا يذكره بلقبه، ثم هو لا يتوقَّفُ عن طلب العلم لمجرد حصوله على شهادته العليا، بل شعاره الذي لا يُفارقه "مع المحبرة إلى المقبرة".

ومن نظر إلى فضل اللقب وأعجبه توقيرُ الناس لأهله، وكان من أصحاب الأنا المتضخمة لم يُبالِ أن يسلك لنيله كلَّ سبيلٍ حتى ولو بالكذب والتدليس، والغش والتزوير، وهذا حالُ من لم يتَّقِ الله ولم يطلب العلم للعلم، بل للرياء والسمعة والجاه، 

ومن صوره المقيتةِ في زماننا: شراءُ الشهادات المضروبة التي تمنحها جامعاتٌ تجاريةٌ رخيصة - وبعضها وهمية - عن طريق المراسلة، بلا ضوابطَ علميةٍ منهجيةٍ معتبرة، فيطيرُ بها المسكينُ فرحًا، ولا يُقلقُه كونُها غيرَ معترف بها، فهو يحبُّ أن يُحمدَ بما لم يفعل، وهو مُتشبَّعٌ بما لم يُعطَ، وهذا كلابس ثوبي زورٍ، كما صحَّ في الخبر.

وهناك صنفٌ آخرُ عجز عن تحصيل اللقب وحال بينه وبينه عقباتٌ فراح يُزَهِّدُ الناسَ به ويقلِّلُ من شأنه، فتجدُه يُكثر من قول: العلم ليس بالشهادات...إلخ من العبارات التي قد تكون صحيحةً في نفس الأمر، لكن يُراد بها باطل.

وهذا يصدُق عليه المثلُ القائل:

من لا يطالُ العنبَ يعيبه بالحموضة.

وهناك صنفٌ متحاملٌ متفرِّعٌ عن السابق لم يكتفِ بالتقليل من شأن الشهادات العلمية فحسب، بل ذهب إلى ما هو أبعدُ من ذلك بكثير، فهو يعُدُّ هذه الألقابَ مثلبةً لأصحابها، وأنها من البدع المحرَّمةِ التي يجب محاربتُها وتحذيرُ الناس من خطرها وشرِّها، ومنهم من صنَّف في ذلك مصنَّفاتٍ تدَعُ القارئَ الحليمَ حيران !!

وأما الدالُ الفخريةُ فهي درجةٌ تكريميةٌ وليست أكاديميةً، المانحُ والممنوحُ فيها على أقسام.

أما المانحون فعلى قسمين:

الأول: جهةٌ علميةٌ مختصَّةٌ تحترمُ ذاتها، تتعاطى مع الدراسات والأبحاث بمهنيةٍ، ووفق معايير منهجية، لا مُحاباةَ فيها لأحدٍ.

الثاني: جهةٌ واجِهتُها علميةٌ وأغراضها سياسية أو تجارية أو طائفية، لا تحكمها المعايير المنهجية ولا الأمانة العلمية.

وأما الممنوحون فهم على قسمين كذلك:

الأول: أخذَ ما لا يستحقُّ وبغير أهليةٍ، إما لأنه صاحبُ سلطانٍ فينالها بالترهيب أو المداهنة، أو صاحبُ مالٍ فيشتري بماله ذممَ المانحين، أو صاحب فكرٍ يُرادُ له الرواجُ والانتشار.

الثاني: عالمٌ له حضورٌ وجهودٌ في الساحة العلمية تصنيفًا وتدريسًا، وشهدَ له أهلُ العلم والفضل بالاستحقاق، ومثل هؤلاء العلماء تشرُف بهم الدال ولا يشرفون بها.

الخلاصة:

رُبَّ حاملِ دالٍ تفخرُ الدالُ به، ورُبَّ حامل دالٍ والدالُ تلعنُه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين