المبشّرين

 

يقول تعالى: [وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ] {الحج:35} الحج: ?? – ??

الخبت في أصل اللغة : المكان المنخفض من الأرض ، والمخبتون هم المتواضعون والمطمئنون إلى الله عز و جل والخاشعون والعابدون المخلصون أصحاب القلوب الرقيقة قلوبهم. مع الصبر على ما يصيبهم في سبيل الله تعالى. وهم المؤمنون، لأن التواضع من شيمهم كما كان التكبر من سمات المشركين

وهذه الآية نظير قوله تعالى:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" «2» [الأنفال: 2]، وقوله تعالى:" اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ" «3» [الزمر: 23]. هذه حالة العارفين بالله، الخائفين من سطوته وعقوبته، لا كما يفعله جهال العوام والمبتدعة الطغام من الزعيق والزئير، ومن النهاق الذي يشبه نهاق الحمير، فيقال لمن تعاطى ذلك وزعم أن ذلك وجد وخشوع: إنك لم تبلغ أن تساوى حال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا حال أصحابه في المعرفة بالله تعالى والخوف منه والتعظيم لجلاله، ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله والبكاء خوفا من الله. وكذلك وصف الله تعالى أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم،

وقد أمرهم الله قبل أن يبشرهم بأن يسلموا له وحده سبحانه فقال: «فَلَهُ أَسْلِمُوا» .. وليس هو إسلام الإجبار والاضطرار ، إنما هو إسلام التسليم والاطمئنان : «وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ. الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ» فبمجرد ذكر اسم اللّه يحرك الوجل في ضمائرهم ومشاعرهم. «وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ» فلا اعتراض لهم على قضاء اللّه فيهم. «وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ». فهم يعبدون اللّه حق عبادته. «وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ» فهم لا يضنون على اللّه بما في أيديهم ..

وهكذا يربط بين العقيدة والشعائر. فهي منبثقة من العقيدة وقائمة عليها. والشعائر تعبير عن هذه العقيدة ورمز لها. والمهم أن تصطبغ الحياة كلها ويصطبغ نشاطها كله بتلك الصبغة ، فتتوحد الطاقة ويتوحد الاتجاه ، ولا تتمزق النفس الإنسانية في شتى الاتجاهات.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين