المشكلات الزوجية.. ليست السبب في فشل الحياة الزوجية!

د. سمير يونس

قال لي: أنا رجل متزوج منذ خمس عشرة سنة، وأشهد بأن زوجتي جميلة، كما أنها «ست بيت ناجحة»، ولكنها أهملتني وأهملت نفسها بعد إنجاب طفلنا الثاني، وصرنا نختلف في أمور كثيرة، حتى اضطررنا للطلاق مرتين، والآن أفكر في أن أتزوج بثانية، عسى أن تخرجني من هذا الجحيم الذي أعيشه، فهل أُقدِم على الزواج الثاني؟ أم ماذا أفعل؟ قلت له: كلمة أهملتني كلمة مرسلة فضفاضة.. كيف أهملتك؟ هل يمكن أن توضح لي؟ تنهد الرجل، وتنفس الصعداء، وسكت هنيهات، مستغرقاً في تفكيره، ثم قال: «أقول لك إيه ولا إيه»؟.. أشياء لا يمكن حصرها.. قلت له: ركِّز واذكر لي ما يمكنك ذكره، كي أتمكن من مساعدتك.. ففكر الرجل قليلاً، ثم ذكر أموراً كثيرة تكاد توجد في كثير من البيوت، ويمكن حلها ومواجهتها بشيء من الحكمة والصبر.
إن كثيراً من الناس يعتقدون - خطأ - أن المشكلات الزوجية هي السبب في حالات الطلاق أو في فشل الزواج، ومن ثم تعثر الحياة الأسرية، والحق أن المشكلات الزوجية ليست هي السبب في فشل الحياة الزوجية، إنما السبب هو ضعف قدرة الزوجين أو أحدهما على مواجهة هذه المشكلات، وصبر كل طرف على الآخر، أو لجوء أحدهما أو كليهما إلى وسائل لحل مشكلة ما، فيزيد الأمر سوءاً، ويعقِّد المشكلة بدلاً من أن يحلها، كصاحبنا هذا الذي يتصور أن حل مشكلته مع زوجته يكون بزواجه الثاني!!
بحواري مع صاحب هذه المشكلة تبين لي أن دخله لا يكفي أسرته، ومن ثم شرط القدرة المالية لم يتحقق هنا، ناهيك عن أن هذا الزواج سيأتي - إن تحقق - على حساب زوجته الأولى وأولاده، كما أنه سيزيد من تبعاته، وقد يرهقه بالديون والأعمال الإضافية، وسيؤثر ذلك حتماً على صحته النفسية والجسدية، وقد يؤدي في النهاية إلى فشل الزواج الثاني!!
 هل المشكلة الزوجية هي سبب الطلاق؟ مما يؤكد أن المشكلات الزوجية ليست هي السبب في الطلاق والانفصال أن الحياة الزوجية - في أي بيت - لا تخلو من المكدرات والمنغصات والمشكلات، ولكن الأزواج يختلفون في تعاملهم مع هذه المشكلات، ففي حين تجد لدى البعض مرونة في التعامل مع مثل هذه المشكلات وإيجاد حلول لها، ووجود تسامح وصبر لدى كل قطب تجاه شريكه..
تجد في المقابل أزواجاً آخرين لا يبدون أي مرونة ناحية هذه المشكلات، ويعتبرونها حجر عثرة في طريق الحياة الزوجية، ويقف كلا الشريكين على مسافة بعيدة من الآخر، دون تنازل أو استعداد للقرب من شريكه، وتجاوز الخلافات، برغم أنها - في كثير من الأحيان - قد تكون مشكلات عادية يمكن التعايش معها، حتى في حالة عدم التوصل إلى حلول لها. إن المرونة في تفكير الزوج والزوجة تكفل إيجاد قدر من التوافق والرضا والتقارب، فيواجهان معاً تلك المشكلات، جنباً إلى جنب مع ممارسة حياتهما بشكل طبيعي، وتطوير مهارات التواصل الجيد بينهما، وذلك يساعدهما على حل تلك المشكلات في إطار من استمساك كل منهما بالآخر، والتعاون على حل تلك المشكلات بموضوعية وإيجابية وإصرار، مع استصحاب كل شريك محاسبة شريكه وإيجابياته باستمرار، مما يرغبه في الإبقاء على الحياة الزوجية واستمرارها، وكذلك يقين كل منهما بأنه لا توجد حياة زوجية بلا مشكلات، حتى بيوت النبي [ لم تخلُ من المشكلات، وكان النبي [ يواجه هذه المشكلات بسعة أفق ومرونة وحب وتسامح وصبر وتبسُّم.
هذا يدفعنا إلى القول بأنه يمكننا أن نسيِّر سفينة الزوجية في سلام وأمان إن نحن أحسنا التعامل مع المشكلة الزوجية وراعينا أسس ذلك. أسس حلول المشكلات الزوجية ثمة أسس ينبغي أن يراعيها كل زوجين راغبين في استمرار الحياة الزوجية بينهما، وأهم هذه الأسس:
1- المرونة في التفكير والتسامح: عندما يشعر الزوجان بأن معركة بينهما توشك أن تقع فليهدأ كل منهما، وليفكر في العواقب، وفي التحاور الهادئ المأمون، الرامي إلى تحديد أسباب المشكلة وآثارها السلبية وسبل علاجها، بدلاً من أن يحولا مسرح الحياة الزوجية إلى حلبة مصارعة، فالمرونة والتسامح خير علاج.
2- الحوار الهادئ: لا تعتقد - أيها الزوج.. أيتها الزوجة - أن النقاش الحاد أو الضرب تحت الحزام سيجلب فائدة أو يحقق نفعاً، بل سيفاقم المشكلة.. لا تتذمرا، تذكرا أنكما لستما خصمين أو فريقين متنافسين، بل أنتما فريق واحد، ألستما وقَّعتما على وثيقة تلزمكما بالعيش معاً وتحمُّل تبعات الحياة، والاستمتاع بها؟!
3- بادر بالصلح: لا ينم أحدكما وهو غاضب أو مخاصم لشريكه، فليحرص كل منكما على أن ينال شهادة حبيبه [، التي بشر بها في قوله: «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام».
4- لا تسمحا بتراكم المشكلات: احرصا على حل أي مشكلة تعترضكما، فقدر الإمكان لا ينام أحدكما قبل أن يبادر إلى حل المشكلة إن وجدت، ولا يجعل أحدكما من «الحَبّة قُبة»، ولا ينزوي كل منكما وينأى بنفسه، مع تخزين المشكلات، إلى أن تحدث الانفجارات!!
5- تجنب الانتصار للذات: من أخطاء الزوجين أن يضع كل منهما في حسبانه وفي مقدمة أولوياته أن يبرئ نفسه من الأخطاء، وأن يثبت أن شريكه هو المخطئ، وأنه هو السبب في المشكلة، فيتعصب لذاته، ويكون متصلباً في رأيه ونقاشه، ولا يعترف بخطئه إن أخطأ، على حين ينصح خبراء التنمية الأسرية بعدم تجمد كل شريك عند موقفه حتى وإن كان صاحب حق، لأن الحياة الزوجية مشاركة وليست مغالبة، وتجمد الفكر فيها يعني السطحية والعناد واللاعقلانية، وأحياناً يبرر كل منهما هذا العناد وذلك التجمد بأنهما لازمان للاحتفاظ بالكرامة، والأجدر أن يعلم كل منهما أن الكمال لله وحده، وأنه ما من إنسان إلا وله عيوب وأخطاء، ومن ثم فالخطأ وارد، وبالتالي من الإنصاف أن يعترف كل منهما بخطئه إن حدث، وأن يتجاوز عن خطأ شريكه ويغفر له زلاته، فقد أخبرنا رسولنا الرحيم [: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»(رواه الدارمي والترمذي).
6- ضبط النفس: يقول الشاعر الإسباني «باهيا بن باكودا»: «اللسان قلم القلب، ورسول العقل». ويقول حكيم: «كلمتك في فمك أنت تملكها، فإذا خرجت ملكتك». هذان القولان نتعلم منهما أن يضبط كلا الزوجين لسانه، فقد يتكلم في لحظة انفعال بكلمة لا يلقي لها بالاً تعصف بالحياة الزوجية، ويظل يندم عليها طوال حياته، وربما تؤدي به إلى جهنم والعياذ بالله، فقد قال رسولنا الكريم [: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في جهنم سبعين خريفاً».
ورب كلمة تلفظ بها الزوج لزوجته أو قالتها هي له، تورث ألماً نفسياً يظل ملازماً لمن قيلت له، ولا ينساها!! وقد يضطرب أحد الشريكين، وينفعل، ويمد يده على الآخر، وهذا بلا شك يشير إلى ضعف في الشخصية، لأن الذي يمد يده ويضرب الآخرين - وخاصة إن كانت زوجته أو كان زوجها - هو في الحقيقة إنسان ضعيف مفلس، لأنه لم يقدر على الحوار وحل المشكلة بأسلوب متحضر راق، لذا فقد أعد الله للكاظمين الغيظ أجراً عظيماً، قال سبحانه: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134) (آل عمران). وثم قول مأثور حبذا أن يردده الإنسان عند انفعاله أو تذمره بأقوال شريكه أو تصرفاته، وهذا القول هو: «طوبى لمن شغلته عيوبه عن عيوب الناس»، فمن من الناس مُبَـرَّءٌ من العيوب؟!
7- الصدق مع الذات وتحمل المسؤولية: فقد يحاول أحد الشريكين تجميل صورته - أمام الآخرين - بما ليس فيه، ويتنصل من مسؤوليته في استمرار الحياة الزوجية، ويلقي بالتبعة وكامل المسؤولية على الطرف الآخر، وهذا يؤدي إلى ضجر هذا الأخير. من هنا وجب على كلا الزوجين أن يكون صادقاً مع الله، ثم مع ذاته والآخرين، وأن يتحمل مسؤولياته.
8- الترويح عن النفس: فمن الوسائل الفعالة في تغيير الأجواء الزوجية الترويح عن النفس، فعندما يشعر أحد الزوجين - أو كلاهما - بأن حياتهما الزوجية تمر بمنعطف حرج، وأن مسيرتها تتعثر بسبب مشكلة ما، فعليهما - حينئذ - ترك هذه المشكلة مؤقتاً لحين الرجوع إليها في مرحلة زمنية لاحقة، عندما تهدأ النفوس، ويهدأ الجو، وتثبت الانفعالات وتتزن، وليخرجا معاً للترويح عن النفس، وتجديد الحياة، وتغيير وتيرتها، طلباً للاستمتاع بصفاء ذهني وجسدي وروحي، وطلباً للاستقرار النفسي، مع حرص كل منهما على استمرار الحياة بينهما، وعدم الاستسلام، وليشرك كل منهما شريكه في اختيار المكان والزمان، واقتراح البرنامج.. ومن وسائل ذلك: الخروج إلى نزهة خلوية على شاطئ بحر، أو ضفاف نهر، أو في ربوع حديقة أو منتزه، أو دعوة إلى العشاء في مطعم بمكان جميل ساحر، أو زيارة لأحد المعارض والمتاحف وما شابهها، أو زيارة أهل الزوجة إن كان المقترح هو الزوج، أو زيارة أهل الزوج إن كانت المقترحة هي الزوجة، وكانت علاقتها بهم طيبة وإيجابية.
9- التحكيم: وذلك إن عجز الزوجين عن حل مشكلاتهما لسبب أو لآخر، فليتريثا في اتخاذ قرار الطلاق أو الانفصال، ويحسن أن تتكون هيئة التحكيم من حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة، وأن يكون كلا الحكمين من ذوي الحكمة والخبرة والثقة، لقوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا(النساء:35).
المصدر : مجلة المجتمع الكويتية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين