عاشوراء.. سقوطُ الظالم وانتصارُ المظلوم

لم يتوقعْ بنو إسرائيلَ أنّ جيشَ فرعون المُثقَل بالحديد والنار الذي يتبعهم سيضطرّهم إلى الساحل، فيكون البحرُ من أمامهم والعدوُّ من ورائِهم، ويخيِّم عليهم التشاؤم فيحارون بأمرهم ويقولون: (إنّا لمُدرَكون)، غير أنّ نبيَّ الله موسى عليه السلام جابَه هذا الاستخذاء المُرَّ بقلبٍ مطمئنٍ عامرٍ بثقته بربّه فقال: ( كلّا إنَّ معيَ ربِّي سيهدينِ ). فكانت البُشرى هذه مثلَ شُربة الماء العذبِ في حَلْق مَن قاربَ على الهلاك من الظمأ، وهيّأتْ النفوسَ لاستقبالِ خارقةٍ من خوارق القدر كان كلٌّ من البَرِّ والبحر شاهداً عليها، وغرق الظالمُ وجندُه ونجا المظلوم !

ثم إنّ هذا اليوم البهيج - الذي اجتمعت فيه فرحتان : فرحةُ نجاة موسى عليه السلام وقومِه من (الإله المزعوم) الذي بقيَ بدنُه عبرةً للمعتَبِرين بعد إغراقه، والأخرى فرحةُ الصائمين عند فطرهم حيث سُنّ صيام عاشوراء من كلّ عام ليكون شكراً لله تعالى على إنجائه لنبيه موسى عليه السلام وإهلاكه للّذي بلغ به الكِبْرُ والغرور أنْ قال: ( أنا ربّكم الأعلى) - ضمَّ ذكرى أليمةً تتندّى لها القلوبُ دماً، حيث قضى قدر الله أن يُقتل في مثل هذا اليوم بعد قرون - وهو العاشر من المحرّم - سِبطُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورَيْحانة أهل الجنة ( الحسين بن علي رضي الله عنهما) شهيداً على يَدِ جُند الطاغية المستبدّ !

وفي ذكرى هذه المناسبة تبثّ جمعية الاتحاد الإسلامي للمسلمين جميعِهم الرسائل التالية المهمّة :

• الأولى : أن ندبَ صيام هذا اليوم الذي شرعَه نبيّهم صلوات الله عليه وسلامه، عندما قَدِم المدينة ورأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: *ما هذا ؟* قالوا: هذا يومٌ صالحٌ نجَّى الله فيه بني إسرائيل من عدوِّهم الشِّرِّير فصامَه موسى. فقال عليه الصلاة والسلام : *فأنا أحقُّ بموسى منكم* فصامه وأمرَ بصيامه - البخاري ومسلم - : هو تجديد سنوي لذكرى هذا الحدث الجلل وشكر لله على سُنّته الماضية في الانتصار للمظلومين في عاقبة صراعهم المرير مع الطغاة المستبدّين !

•  والثانية أن أشرَّ داء قد يُسلَّط على الإنسان هو داء الشعور باليأس، وأنّ أنجعَ علاج لهذا الداء هو استجداء الحولِ والقوةِ من ربّ الناس. 

• الثالثة أنّ قيمة الإنسان ليست باسترساله في البكاء ولا بالإيغال في النُّواح والصُّراخ، وبلطم الصدور العارية حتى تسيل دماؤها، فيقع الفاعل في محظور قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: *ليس منّا مَن ضرب الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية* - الصحيحان ومسند أحمد - بل هي في قدرته على النهوض وإنْ أحاطت به الآلام، وصبره ومصابرته على النهج وإنْ طافت به الفتن.

• الرابعة أنّ حبّ الحسين رضي الله عنه وأهل البيت الكرام هو وصيةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمانتُه، فهو القائل: أُذكِّرُكم اللهَ في أهل بيتي. صحيح مسلم.

• الخامسة أنّ تجييشَ مشاعر الحقد والانتقام تُجاه فئة كبيرة وعظيمة من المسلمين ليس من علامات محبّة الحسين رضي الله عنه أبداً، بل إن مؤشّرها الصادق يكمن في الثبات على الطريق التي شقّها في الوقوف بشموخ تُجاه الطغاة والفاسدين، وأن نقول لهم بالفم الملآن: لا، من غير أن تأخذَنا في ذلك لومةُ لائم.

• والسادسة هي أنّ الحسين رضي الله عنه لم يقبل الذلّ ولم يحابِ رأي المستبدّ ولم يعطِ الدنيّة، بل جابَه الطاغية وزبانيته حتى دفع حياتَه ثمناً لذلك، فكان رضي الله عنه واحداً من أعظم الثائرين على الظلم والفساد لاستعادة حرية وكرامة المسلمين.

• أما السابعة فهي أنّ حبّ الحسين رضي الله عنه أيضاً : من أعظم مقتضياته الوقوف في صفّ الشعوب المستضعفة ضدّ جلاديهم وقاتليهم ومخرجيهم من أوطانهم، ومستحيل أن يُدّعى الحبّ والحال هو مشايعة الأنظمة المجرمة لنطفئ ثورةَ الثائرين ونرفع شعارَ ( يا لثارات الحسين) فنوغلَ في الدماء، ونكون بصفِّ الأشقياء الذين قتلوا الحسين رضي الله عنه.

• والثامنة أنّ الدرس المستفاد من كون خذلان الحسين صدر ممن زعموا في الكوفة أنهم من شيعته، فكاتبوه ومنَّوْه بنصرته عند قدومه ثم كانوا أولَ الغادرين به : هو أن المقياس الصادق دوماً هو الأفعال والمواقف وليس الجعجعات والدعاوى .

• التاسعة هي أنّ الهدف الأقدس لهذا الدين العظيم والمهمةَ السامية التي ابتعث الله تعالى الرسلَ من أجلِها بعد توحيد الله وعبادته وإقامة أركانه هي : تآلف المسلمين ووحدتُهم، والحذر الشديد من لؤم وشرور المكايد من داخل صفوفهم (المنافقين) أو من خارجها (الأعداء الظاهرين) وكانت ولا تزال محطَّ أنظار الذي يتربّصون بهذا الدين، ويتقهقهون فرحاً وهم ينظرون إلى أمّة المسلمين وهي تتشرذم وتتمزّق إرَباً إرَبا..

• العاشرة والأخيرة هي أن الذين قتلوا الحسين أخزاهم الله قضَوْا وماتُوا، وأنّ المتاجرة بتلك الدماء الزكيّة التي سالت في كربلاء، وتوشيح أيام العمر بالسواد لا يُشيد صرحاً ولا يبني حضارةً، وأن أُولى خطوات البناء أن نتسامى على الجراح مهما كانت غائرة، مستفيدين من الدرس وثابتين على الطريق التي عبّدها الشهداء الأوائل من أمثال السادة العظماء عمر وعثمان وعلي والحسن والحسين رضوان الله عليهم، غير ناسين ولا متناسين إحدى الغايات العظيمة لهذا الدين التي مرّ ذكرها وهي *الاتحاد* ورصُّ الصفّ المتجسّد في وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمّته : *مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مثلُ الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى* . صحيح مسلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين