هل السياسة بناءُ ، أم هَدم !؟

للسياسة تعريفات كثيرة ، وتمارسها عقول كثيرة ، وإرادات كثيرة ، وأمزجة كثيرة ، في مجتمعات مختلفة كثيرة ، وأزمنة كثيرة ، وأمكنة كثيرة ..!

وبناء على ماتقدم ، كلّه ، تختلف الممارسات السياسية ، وتختلف زوايا النظر إليها ، وتختلف تسمياتُها ، من جهة إلى أخرى ، ومن مكان إلى آخر!

فبعض الناس ، في مجتمع معيّن ، يتّخذون مواقف معيّنة ، يسمّونها : بناءً .. في حين يسمّيها آخرون ، في المجتمع ، ذاته ، هَدماً !

وفي جهتين متعاديتين ، يكون البناء ، لدى إحداهما ، هدماً ، لدى الثانية .. كما يكون الهدم ، لدى إحداهما، بناء لدى الثانية ! وهذا، كلّه ، حسب نوع البناء، ونوع الهدم ، والنيّة الكامنة، وراء كلّ منهما ! وقد تَحمل المصيبةُ ، أوالكارثة ، لدى إحدى الجهتين ، نفعاً للجهة الثانية !

وقد قال المتنبّي ، قديماً :

كذا قَضت الأيامُ ، مابين أهلِها = مصائبُ قوم ، عندَ قوم ، فوائدُ !

أمثلة :

أوّلاً : تهديم المجتمع ، لأجل الحزب !

حين استلم حزب البعث ، السلطة ، في سورية ، كانت سياسته ، في بناء المؤسّسات البعثية، في الدولة ، قائمة ، على هدم البنى القديمة : القبلية ، والاجتماعية ، بما فيها الأسَرية .. وربط الفرد ، بمؤسّسات حزبية : عمّالية ، نقابية ، طلاّبية :( كلّ مرحلة عُمرية ، للطالب ، لها تنظيم : الأشبال - شبيبة الثورة- اتحاد الطلبة ..!) ليكون الفرد الحزبي : الصغير والكبير، جاسوساً للحزب ، داخل أسرته ، أوقبيلته ، أو حَيّه ، أو دائرة عمله ..!

فهدّم الرفاق ، نفسيات الأفراد ، وأخلاقهم ، تهديماً كبيراً وخبيثاً ؛ إذ صار الفرد ، مرتبطاً، بمجموعته الحزبية ، المرتبطة بالمجموعة الأعلى .. حتى تصل السلسلة ، إلى أعلى هرم السلطة الحزبية ، المرتبطة بالرفيق القائد ، الذي صار صنماً ، يقدّسه الجميع ! وأيّة كلمة ، تمسّه ، أوتمسّ نظام حكمه ، أو حزبه ، بسوء .. يعاقَب عليها قائلها، عقاباً شديداً، بتهم شتّى! والجواسيس ، الذين يوصلون الكلمة ، موجودون ، في كلّ زاوية ، بدءاً من الأسرة ، ومروراً بالقبيلة ، والحيّ ، والنادي ، والمدرسة ، والجامعة ، والمعمل ، والقطعة العسكرية ..!

ثانياً : حفرُ الأسس ، تحت نظام الحكم ، بحجّة المحافظة ، على أمنه !

ماتمارسه بعض أجهزة المخابرات ، من عمليات اضطهاد ، للناس ، في بلادهم ، سواء بالترويع ، والاعتقال ، والتعذيب .. أم بالمطاردة ، والحرمان من الحقوق الأساسية .. إنّما ينخر الأسس ، التي يقوم عليها نظام الحكم ، أيّ نظام حكم ؛ لأنه يدفع الناس ، دفعاً ، إلى كُره الحاكم ، وكُره حكمه .. والسعي إلى الإطاحة به ، للتخلص من كابوسه ، الذي تصنعه أجهزة مخابراته ، للناس ! لأن الناس ، لايعرفون الأفراد ، الذين يظلمونهم ، بل يعرفون، أن هؤلاء الأفراد ، النَكِرات ، يضربونهم ، بسوط الحاكم ، ويذبحونهم بسيفه ! بينما يحسب عناصر الأجهزة ، أنهم يبنون للحاكم ، نظاماً أمنياً صلباً ، يحفظه ، من أيّة مؤامرة ، للإطاحة به !

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين