نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة (26)

حوارات مع خمسة من المعلقين

حول نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين. 

الحوار مهم جدا، فهو وسيلة من الوسائل التي يتعرف بها بعضنا على حُجج بعض، وهو توسيع لمادة دفع الحُجة بالحجة والدليل بالدليل، وبذلك تظهر الحقائق إن شاء الله. 

قال ربنا عز وجل في كتابه الكريم :{وجادلهم بالتي هي أحسن}. 

فمن التزم مجادلة أخيه بالتي هي أحسن فهو متبع إن شاء الله طريق الحق، وإلا يكن كذلك فليراجع نفسه، وليحاولْ أن يكون من {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}. أقول هذا لنفسي أولا، ثم لكل أخ يحب أن يدخل في الحوار ثانيا. 

وقفات حول موضوع نواقض الإيمان

قرأ بعض الإخوة الكرام أصل هذا البحث الذي كنت قد سميته "نواقض الإسلام في ميزان الكتاب والسنة" وعلقوا عليه، فجزاهم الله خيرا، وقد وصلتني بعض تلك التعليقات، فهأنذا أذكرها وأتْبعها ببعض الجواب عما فيها بعون الله: 

* ـ قال الأخ المعلق الأول: 

"الكفر لا يكون باعتقاد وحسب، بل يكون بقول وفعل، وحصْره بالاعتقاد زلة". 

أقول: 

ذكر الأخُ تعليقه هذا بدون إبداء دليل على صحة قوله، ولعله يرى أن الأدلة في هذا ظاهرة معروفة، وقد رأيت عددا من الإخوة يتسرعون في الرد دون أن يتفهموا المسألة، ويبدو أنه لا بد من التوضيح بمثال: 

لو قال إنسان ظاهره الإسلام ـ وليس في حالته ما يشير إلى انعدام قصد الاستهانة كالإكراه مثلا ـ إنه يستحسن تلطيخ الكعبة المشرفة بالنجاسة، أو أقدمَ بنفسه على ذلك الفعل، والعياذ بالله تعالى من قول هذا الآثم وفعله، فههنا مسائل: 

الأولى: أن هذا القول وهذا الفعل قول كفري وفعل كفري لا يحتمِل غير ذلك على الجزم والقطع، وأن ذلك القائل أو الفاعل كافر خارج من الملة، وهذا لا شك فيه. 

الثانية: أن من قال بأن هذا القول أو الفعل ليس بكفر أو أن ذلك القائل أو الفاعل ليس بكافر خارجٍ من الملة أو شك في ذلك فقد كفر هو وخرج من الملة، وهذا لا شك فيه. 

الثالثة: الذين يقولون إن الكفر يكون بالاعتقاد أو القول أو الفعل يقولون إن ذلك القائل أو الفاعل قد خرج بذلك القول أو الفعل من الإيمان. 

وعندي في هذه النقطة تفصيل: أما كونه قد خرج من الإيمان فهذا محل اتفاق، وأما أنه قد خرج بذلك القول أو الفعل من الإيمان فهذا محل بحث، لأنه قد خرج من الإيمان قبل ذلك القول أو الفعل، وليس بذلك القول أو الفعل. 

فمثل ذلك القول أو الفعل الكفري لا يحتمِل غير المعنى الكفري بوجه من الوجوه، ويستحيل أن يصدر ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ولو كان في قلب ذلك القائل أو الفاعل مثقال ذرة من تعظيم الله تعالى وشعائره لمَا أقدم على مثل هذا القول أو الفعل، فهو قد خرج من الإيمان في اللحظة التي خرج فيها من قلبه تعظيم الله تعالى وتعظيم شعائر الله، وليس في اللحظة التي أقدم فيها على مثل ذلك القول أو الفعل. 

وعلى هذا فالذي يقوله كثير من الفقهاء في كتب الفقه من أن الكفر يكون بالاعتقاد أو القول أو الفعل هو صحيح بالنظر إلى ما يظهر لنا من حال الشخص، لا إلى ما يتعلق بحقيقة الكفر من حيث هو بقطع النظر عما يظهر من حاله، أي هو صحيح في البحث الفقهي لا في البحث العقدي. 

ـ قال المعلق الأول: 

"كونُ مخلوقٍ له شيء من التصرف لا يجيز التوجه إليه دون إذن شرعي". 

أقول: 

هذا الكتاب أبحاثه تدور حول نواقض الإيمان، وقلتُ فيه أكثر من مرة "ليست المسألة هنا مسألة إثبات المشروعية أو عدمِها ولكنها مسألة إثبات أن مثل هذا الفعل هل هو من الشرك الأكبر أوْ لا؟". 

وأظن أن هذا واضح بما فيه الكفاية، ولكنك حين تجد المؤلف يقول هذا ونحوه في أكثر من موضع والمحاور يتحدث في موضوع الجواز وعدم الجواز فمحور الكلام في واد والمحاور في واد آخر. 

الحلقة السابقة هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين