نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة (13)

 

مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين

* ـ قال بعض المشايخ: 

"مِن الشرك مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين}". المظاهرة: المعاونة. 

أقول: 

مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين إذا كانت صادرة عن مودة القلب لهم ولما هم عليه من الكفر فهذا من الشرك الأكبر، وإذا كانت عن غير ذلك ـ كأن يفعل هذا بعضُ المسلمين وهو كاره للكفر وللعمل الذي يقوم به وعالمٌ أن هذا مما تسوله له نفسه الأمَّارة بالسوء وأنه فسق وعصيان ـ فهذا ليس من الشرك الأكبر، وكذا لو وقع مثل ذلك الفعل ذهولا عن المعنى الكفري، كما وقع شبه ذلك لحاطب رضي الله عنه. 

روى الشيخان في صحيحيهما في قصة غزوة الفتح عن علي رضي الله عنه أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبيرَ والمقدادَ فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها. فأتينا به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله، فقال رسول الله: يا حاطب، ما هذا؟!. قال: يا رسول الله، لا تعْجَل علي، إني كنت امرأ مُلصَقـًا في قريش، وكان مَن معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمَا إنه قد صدَقكم. فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: "إنه قد شهد بدرا، وما يدريك؟! لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". 

ففي هذا الحديث اتهم عمر حاطبا بالنفاق واستأذن في ضرب عنقه، وقال حاطب إنه لم يفعل ما فعل ارتدادا عن الدين ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عمر عما أراد فعله، وقبـِل اعتذار حاطب، وجعل ذلك الفعل منه ذنبا، ورجا له من الله المغفرة لشهوده غزوة بدر، ولم يجعله شركا، ولو كان ما فعله شركا لـَمَا كان يُرجى له مغفرة ذلك الذنب بما قدم من العمل الصالح. 

وأما قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} فهذا يعني مَن يتولاهم الوَلاية القلبية، فأما إذا كان معهم بجسمه وعمله ولم يتولهم بقلبه فهو في دائرة الإيمان، لكن في أدناها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". []. [صحيح مسلم: 1/ 69]. 

روى ابن جرير الطبري عن السدي رحمه الله أنه قال: لما كانت وقعة أحد اشتد على طائفة من الناس وتخوَّفوا أن يُدال عليهم الكفار، فقال رجل لصاحبه: أمَّا أنا فألحق بدهلك اليهودي فآخذ منه أمانا وأتهود معه، فإني أخاف أن تُدال علينا اليهود. وقال الآخر: أما أنا فألحق بفلان النصراني ببعض أرض الشام فآخذ منه أمانا وأتنصر معه. فأنزل الله تعالى ذكْرُه ينهاهما {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}. قوله "تخوَّفوا أن يُدال عليهم الكفار": الإدالة: الغلبة، يقال: أدِيل لنا على أعدائنا، أي نُصرنا عليهم. 

قال ابن تيمية رحمه الله في معرض حديثه عن الكافرين: "قد تحْصلُ للرجل موادَّتُهم لرحِمٍ أو حاجة فتكون ذنبا ينقصُ به إيمانُه ولا يكون به كافرا". [كتاب الإيمان الأوسط ص 70. مجموع الفتاوى 7/ 522]. 

فشتان بين قوله هذا وقول بعض من ينتسبون إليه بأن كل من كان في قلبه مودة لكافر فهو كافر خارج من الملة بإطلاق. 

الحلقة السابقة هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين