تعدد الزوجات (4)

 

التعدد نظام أخلاقي

إن نظام التعدد - وخاصة نظامه في الإسلام - نظام أخلاقي إنساني:

أما أنه أخلاقي فلأنه لا يسمح للرجل أن يتصل بأي امرأة شاء، وفي أي وقت شاء.

إنه لا يجوِّز له أن يتصل بأكثر من ثلاث نساء زيادة عن زوجته، ولا يجـوز له أن يتصل بواحدة منهن سراً، بل لا بد من إجراء العقد، وإعلانه ولو بين نفر محدود، ولا بد من أن يعلم أولياء المرأة بهذا الاتصال المشروع ويوافقوا عليه، أو ألا يبدو عليه اعتراضاً، ولا بد من تسجيله - بحسب التنظيم الحديث - في محكمة مخصصة لعقود الزواج، ويستحب أن يولم الرجل عليه، وأن يدعو لذلك أصدقاءه، وأن يضرب له الدفوف مبالغة في الفرح والإكرام.

وأما أنه إنساني فلأنه يخفف الرجل به من أعباء المجتمع بإيواء امرأة لا زوج لها، ونقلها إلى مصاف الزوجات المصونات المحصنات.

ولأنه يدفع ثمن اتصاله الجنسي مهراً وأثاثاً ونفقات تعادل فائدته الاجتماعية من بناء خلية اجتماعية تنتج للأمة نسلاً عاملاً.

ولأنه لا يخلي بين المرأة التي اتصل بها وبين متاعب الحمل وأعبائه، بل يتحمل قسطاً من ذلك ينفقه عليها أثناء حملها وولادتها.

ولأنه يعترف بالأولاد الذين أنجبهم هذا الاتصال الجنسي، ويقدمهم للمجتمع ثمرة من ثمرات الحب الشريف الكريم، يعتز هو بهم، وتعتز أمته في المستقبل بهم.

إن نظام التعدد يحدد للإنسان شهوته إلى قدر محدود، ولكنه يضاعف أعباءه ومتاعبه ومسؤولياته إلى قدر غير محدود.

لا جرم أنه نظام أخلاقي يحفظ الأخلاق، إنساني يشرف الإنسان.

تعدد الغربيين لا أخلاقي ولا إنساني

وأين هذا من التعدد الواقع في حياة الغربيين؟ تحداهم أحد كتابهم أن يكون أحدهم وهو على فراش الموت يدلي باعترافاته للكاهن، تحداهم أن يكون فيهم واحـد لا يعترف للكاهن بأنه اتصل بامرأة غير امرأته ولو مرة واحدة في حياته.

إن هذا التعدد عند الغربيين واقع من غير قانون، بل واقع تحت سمع القانون وبصره

إنه لا يقع باسم الزوجات، ولكنه يقع باسم الصديقـات والخليلات.

إنه ليس مقتصراً على أربع فحسب، بل هو إلى ما لا نهاية له من العدد.

إنه لا يقع علناً تفرح به الأسرة، ولكن سراً لا يعرف به أحد.

إنه لا يلزم صاحبه بأية مسؤولية مالية نحو النساء اللاتي يتصل بهن، بل حسبه أن يلوث شرفهن، ثم يتركهن للخزي والعار والفاقة وتحمل آلام الحمل والولادة غير المشروعة.

إنه لا يلزم صاحبه بالاعتراف بما نتج عن هذا الاتصال من أولاد، بل يعتبرون غير شرعيين، يحملون على جباههم خزي السفاح ما عاشوا، لا يملكون أن يرفعـوا بذلك رأساً.

إنه تعدد قانوني من غير أن يسمى تعدد الزوجات، خالٍ من كل تصرف أخلاقي، أو يقظة وجدانية، أو شعور إنساني.

إنه تعدد تبعث عليه الشهوة والأنانية، ويفر من تحمل كل مسؤولية، فأي النظامين ألصق بالأخلاق، وأكبح للشهوات، وأكرم للمرأة، وأدل على الرقي، وأبر بالإنسانية؟

شغب الأوربيين

بعد هذا يحق لك أن تتعجب من إثارة الغربيين للضجة على الإسـلام والمسلمين حول تعدد الزوجات، ونتساءل:

ألا يشعرون في قرارة أنفسهم بأنهم ليسوا على حـق في إثارة هذه الضجة على الإسلام؟

ألا يشعرون بأنهم حين يضجون من تفكك الأسرة، وتكاثر الأولاد عاماً بعد عام، يعترفون ضمناً بأنهم لا يستطيعون أن يقتصروا على امرأة واحدة؟

ألا يشعرون بأن من يقتصر على أربع خير ممن يجد كل ليلة زوجة؟ وأن من يلتزم نحو من يتصل بها بمسؤوليات أدبية ومالية أنبل ممن يتخلى أمامها عن كل مسؤولية؟

ألا يشعرون أن إنجاب مليون ونصف مليون ولد سنوياً في أمريكا وحدها بصـورة مشروعة أكرم وأحسن للنظام الاجتماعي من إنجابهم بصورة غير مشروعة؟

في اعتقادي أنهم يشعرون بذلك لو تخلوا عن غرورهم من جهة، وتعصبهم من جهة أخرى.

أما الغرور فهو اعتقادهم أن كل ما هم عليه حسن وجميل، وأن ما عليه غيرهم من الأمم والشعوب - وخاصة المستضعفة منها - سيء وقبيح.

وأما التعصب فهو هذا الذي ما يزالون يتوارثونه جيلاً بعد جيل ضد الإسلام ونبيه وقرآنه.

حين كنت في دبلن (ايرلندا) عام 1956 زرت مؤسسة الآباء اليسوعيين فيهـا، وجرى حديث طويل بيني وبين الأب المدير لها، وكان مما قلته له: لماذا تحملون على الإسلام ونبيه وخاصة في كتبكم المدرسية، بما لا يصح أن يقال في مثل هذا العصر الذي تعارفت فيه الشعوب والتقت الثقافات؟ فأجابني: نحن الغربيين لا نستطيع أن نحترم رجلاً تزوج تسع نساء !.. قلت له هـل تحترمون نبي الله داود، ونبيه سليمان؟ قال: بلى! وهما عندنا من أنبياء التوراة!

قلت: إن نبي الله داود كان له تسع وتسعون زوجة، أكملهن بمائة بالـزواج من زوجة قائده اوريا كما يقولون، ونبي الله سليمان كانت له - كما جاء في التوارة - سبعمائة زوجة من الحرائر، وثلاثمائة من الجـواري وكنّ أجمل أهل زمانهن، فلم يستحق احترامكم من يتزوج ألف امرأة، ولا يستحق احترامكم من يتزوج تسعاً؟ ثمانٍ منهن ثيبات، وأمهات، وبعضهن عجائز، والتاسعة هي الفتاة البكر الوحيدة التي تزوجها طيلة عمره؟ فسكت قليلاً وقال: لقد أخطأت التعبير أنا أقصد أننـا

نحن الغربيين لا نستسيغ الزواج بأكثر من امرأة، ويبدو لنا أن من يعدد الزوجات غريب الأطوار ، أو عارم الشهوة !

قلت: فما تقولون في داود وسليمان وبقية أنبياء بني إسرائيـل الذين كانوا جميعاً معددين للزوجات بدءاً من إبراهيم عليه السلام؟ فسكت ولم يحر جواباً. 

انظر الحلقة الثالثة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين