صور من الحياة في العصر النبوي(4)

 

ذكرتُ في حلقات ثلاث ماضية أن حياة المجتمع الإسلامي وأسواقه كانت في صدر الإسلام حافلة بالمِهَن والحِرَف والصناعات التي تعج بالنشاطات المعيشية، والاقتصادية، المتنوعة، وأوردت ذكر بعض الحِرَف والمِهَن ذات الطابع الحضاري ـ كما يطلق عليها اليوم ـ وأتابع الآن بذكر حِرَف ومِهَن أخرى ومن ذلك ما يلي:

8ـ حرفة الحلاقة والحجامة:

احترف بعض المسلمين في صدر الإسلام حلاقة شَعر الرأس وتشذيب اللحية، وكان أكثر الحلاقين يشتغلون أيضاً بحرفة الحِجامة إلى جانب حرفة الحلاقة، ويقال للواحد منهم: حجَّام، وكان الحجام يمارس ألواناً من الطب الشعبي القديم، من مثل استعمال المِشْرَط في شرط بعض الأماكن في جسم الإنسان كظهره، وامتصاص الدم الخارج بالمِحْجَم وجمعه في قارورة، وكانت له أدوات وأجهزة خاصة معروفة.

وممن اشتغل بهذه الحرفة: خِراش بن أمية الذي حلق رأس رسول الله ? مرات عديدة، ومنهم: معمَّر بن نضلة، وأبو رحيمة، وأبو هند، وأبو طيبة، وسالم الحجَّام، وقد احتجم الرسول ? عند بعض هؤلاء عدة مرات.

ومن الحجامين المشهورين في العصر الراشدي: خِراش بن مالك التابعي، وكان يتقاضى على حجامة الشخص الواحد درهما من فضة.

9ـ القصَّاب ( اللَّحَّام):

كانت القصابة من الحرف المنتشرة في صدر الإسلام، وكان للقصابين أماكن مشهورة ومعروفة في أسواق المدينة المنورة، ومكة، والطائف، وغيرها من المدن الإسلامية كالكوفة، والبصرة وفي أزقَّتها.

وقد ورد في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: جاء رجل من الأنصار يُكَنَّى أبو شعيب، فقال لغلام له قصاب: اجعل لي طعاماً يكفي خمسة، فإني أريد أن أدعو رسول الله ? مع نفر من أصحابه.

وممن اشتهر بالقصابة وبيع اللحم خالد بن أسيد الأموي، ورجل آخر كان يقال له: كرَّام، وكان له محل معروف في بعض أزقَّة المدينة.

وتذكر الروايات التاريخية: أن الزبير بن العوام، وعمرو بن العاص، وعامر بن كريز اشتغلوا أيضا بالقصابة وبيع اللحم.

10ـ حرفة الماشِطَة ( اختصاصية التجميل):

الماشطة هي: امرأة تُحْسِن صناعة المَشْط وتجيدها، وتعمل على تجميل النساء وتحسين مظهرهن وهيئاتهن، وخاصة في أوقات الأعراس والحفلات النسائية، والمناسبات الاجتماعية الأخرى، وكانت تقوم وقتذاك بما تقوم به اليوم صالونات التجميل " الكوافيرات ".

وكانت الماشطة في ذلك العصر تتصف بالفصاحة وإجادة الكلام، واللباقة والنباهة والذوق الرفيع، فضلا عن سعة ثقافتها العامة، ومعرفتها بأحوال الناس، وربما بعض أسرارهم وشؤونهم الخاصة، وذلك لتتمكن من مؤانسة زبائنها وتعريف بعضهم ببعض، ودلالة الخاطبات على الفتيات اللواتي يصلحن للزواج...

ومن الماشطات المعروفات في العهد النبوي: أم سليم بنت ملحان، التي مشطت وزينت صفية بنت حيي حين أعرس بها النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن الماشطات المشهورات امرأة يقال لها: زُفَر، وكانت تقيم في مكة وتمشط النساء وتزينهن، ثم أسلمت وهاجرت إلى المدينة، فاحتفى بها النبي صلى الله عليه وسلم وأكرمها؛ وفاء لزوجته خديجة حيث كانت هذه من صديقاتها، وقال: إنها كانت تأتينا أيام خديجة في مكة.

ومن الماشطات: آمنة بنت عفان، أخت عثمان، وشبرة بنت صفوان القرشية، وأم رعلة القشيرية، واشتهرت هذه بمزيد من الفصاحة واللباقة وحسن مؤانسة النساء.

الحلقة السابقة هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين