وطني ليس حقيبة

 

          (1)

 

"وطني ليس حقيبة،

وأنا لست مسافر"

قالها درويش يهذي 

بأمانيَّ غريبةْ

وطموحات مكابرْ

ما درى أن فلسطين كلبنان..

كبغداد.. كسوريا الحبيبةْ..

أصبحت حبة قمحٍ

علقت في رجل طائرْ

ما لها أرضٌ

وكل الأرض للروح السليبةْ

موطن كالقبرِ

بل كل المقابرْ

مدفن للروح إن كانت كئيبةْ. 

وطني ليس حقيبة

وأنا لست مسافر

 

            (2)

 

أحرقَ الحقدُ بساتيني

وزيتوني، ورمّاني

ونوّار المساءْ

أعدم الزهرةَ في البستان في حفل شواء

جفف الماء عن الماء وأنسام الهواء

سرق الكحل من العين وأحلام النساء

لم يغادرْ

طفلة تحبو

ولا عصفورة تصبو

ولا أما تكابرْ

دمعةً في بؤبؤ العينين تأبى أن تهاجرْ

شهدتْ ذبح العشيرْ

وابنتيها والصغيرْ

ذلك المزروع في القلب كما الزهر النضيرْ

دفَنوا أحلامه الصغرى

وألواحَ السريرْ

وابتهالات الحرائرْ

والأمانيْ والضفائرْ

تحت أنقاض الوجيبةْ

وطني ليس حقيبة

وأنا لست مسافرْ. 

    

            (3)

 

دمِّروا أعشاش قلبي

لن أهاجرْ

امنعوني الزاد والماء

فإني لن أهاجرْ

اقطعوا عني الهواء

وامنعوني الكهرباء

واحرموا جرحي الدواء

لن أهاجرْ

جسدي ليس حقيبة

وضميري ليس للبيعِ

وأحلامي الرطيبةْ

أصبحت مني قريبةْ

والبشائرْ

أزهرت زيتونة في كل بيتْ

أشرقت كالشمس من بعد لجاجةْ

مثلَ مشكاة بها مصباحْ

والمصباح يبدو في زجاجةْ

والزجاجةْ

كوكب يُوقد من زيتونةٍ

والزيت ثائرْ

دون نارْ

واختلاجات البشائرْ

بالنهارْ

تغتلي في قلب حرٍّ

ثار للأرض الحبيبةْ

والديارْ

وطني ليس حقيبة

وأنا لست مسافر. 

 

              (4)

 

أغلِقوا في وجهي المكلوم أبواب المعابرْ

وامنعوا قلبي المعنّى

أن يغادرْ

هل رأيتم قطُّ قلباً غادر الجسم المُصابرْ؟

هل رأيتم كف أنثى ناء من حمل الأساورْ؟

هل رأيتم رحِماً يحتجّ من حمل الجنين؟

هل رأيتم والدا قد فرّ من حب البنين؟

هل رأيتم زهرة قد غادرت طوعا حقول الياسمين؟

أغلقوا كل المعابرْ

لن أغادرْ

وطني ليس حقيبة

وأنا لست مسافر

 

            (5)

 

اسجنوني إن أردتم

عذِّبوني إن أردتم

واقلعوا أظفاري الُّلدْن وجلدي

إن أردتم

فكِّّروا وابتكروا شتى أفانين العذابْ

اقرأوا واقتبسوا من عالم الإجرام أنواع العقاب

علِّقوا مشنقتي فوق الغصون العالياتِ

واسحقوا جمجمتي تحت سيور العرباتِ

فرُفاتي سوف يبقى في بلادي

شاهدا يوما على ظلم الطغاةِ

صارخا في وجه أنصار العتاةِ

لن تنالوا من قناتي

لن تنالوا من قناتي

فأنا من رحم الفينيق

والفينيق حيّ في رفاتي

وطني ليس حقيبة

وأنا لست مسافر.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين