نظرات في القاعدة التكفيرية الثانية: كفر من تحالف مع المشركين أو ناصرهم على إخوانه المؤمنين -5-

 

هذه بعض البحوث المنتقاة من كتاب فضيلة الشيخ محمد أمين محمد الحامد " الميزان" الذي ناقش فيه بعض نواقض الإيمان في كتابه الذي نشرناه كاملا على موقع رابطة العلماء السوريين. وهذا رابطه:

http://islamsyria.com/site/show_library/1031%20

وننشر مناقشته لبعض هذه النواقض في حلقات متسلسلة ليتمكن القراء من الاطلاع عليها والاستفادة منها.

السلم هو الأساس في العلاقات الدولية :

إن النتيجة الهامة التي وصلنا إليها : أن جميع الآيات التي تأمر بعموم القتال مقيدة بأية الجزية ، وتقييدها هنا يمنع الادعاء بأن الأصل في علاقة المسلمين مع غيرهم إنما هي الحرب بشكل دائم ، وأن علاقة السلم أو المصالحة هي أمر محرم ، وأنها لا تجوز إلا عند الضرورة ولمدة محدودة .

إن هذا الرأي واضح البطلان لأنه ليس له أي دليل يسانده ، والدليل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى أمر جميع المؤمنين كافة بالدخول الجماعي في السلم العام والمطلق ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ? إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) سورة البقرة آية 208 ، وهذا الدخول في السلم يقتضي أمرين :

أحدهما: أنه لا يجوز العدوان على غير المسلمين بلا سبب، لأن هذا يتعارض مع مبدأ الدخول في السلم بشكل بديهي ، فالله سبحانة وتعالى عندما شرع الجهاد ، ذكر شرطاً ثابتاً في أول آية أمرت به ، وهي قوله تعالى قال تعالى: ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ? إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) سورة البقرة آية 190 ، فهذه الآية ميزت بين أمرين ، أحدهما : مشروعية القتال لمن يقاتلنا ، والآخر : تحريم العدوان ، والراجح هنا في تحريم هذا العدوان ، هو البدء بقتال من لم يقاتلنا بلا سبب مشروع ، وهذا السبب المشروع قد بينته آية الجزية بحسب ما سبق التفصيل فيها ، ولذلك فإذا كان القتال الأول مشروعاً لأنه في سبيل الله ، فإن العدوان محرم لأنه بغي في الأرض بغير الحق ، ولأن هذا العدوان هو من الإفساد في الأرض ، الذي شنع الله تعالى على فاعليه وقد وصفهم بأنهم حسبهم جهنم وبئس المهاد قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى? مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى? سَعَى? فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ? وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ? فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ? وَلَبِئْسَ الْمِهَاد) سورة البقرة آيات 204,205,206

أقول ما أشبه هذه الآيات التي تصف هذا المؤمن الكاذب المفسد في الأرض بهؤلاء المتطرفين، إنها والله تصفهم وصفاً لا يختلف في شعرة واحدة عنهم ، لكأنها نزلت الآن فيهم على رسول الله ، وكأنه صلى الله عليه وسلم يتلوها علينا هذه الساعة ، وكأنه يشير بأصبعه إلى هؤلاء الذين يشهدون شهادة الحق ، ويفسدون في الأرض بكل سبيل.

الأمر الثاني : أن الكفر ليس سبباً لاستباحة الأنفس والأموال والأعراض ، وهذا على خلاف ما هو شائع عند أكثر أهل الإسلام ، بل الذي يبيح ذلك إنما هو المحاربة ، فإذا نشبت الحرب الإسلامية بين دولة المسلمين وغيرهم ، جاز في تلك الحرب أعمال القتال ، وهي إباحة القتل والسلب والغنيمة ، فالحربي هو فقط الذي يستباح دمه وماله ، أما غيره فلا ، وهذا يعني أنه عندما تنتهي الحرب يعود الحكم إلى أصله ، أي تعود الأنفس والأموال والأعراض ، إلى حكم الحفظ والصون وتحريم العدوان عليها .

أما مناصرة الكافرين على المؤمنين :

فهذه المسألة تعتريها حالتان إحداهما :

حالة طبيعية أصلية . والأخرى : حالة استثنائية أو اضطرارية .

أما الحالة الأولى : وهي الحالة الأصلية الطبيعية ، فهي تعني التكفير لكل من استعان بالكافرين على قتال المؤمنين ، أو أيدهم أو ناصرهم أو قاتل إخوانه معهم ، ولو كان أن تمنى لهم النصر بقلبه فقط على إخوانه المؤمنين ، إلا أن يكون هؤلاء المؤمنون من المتطرفين السفاحين البغاة .

والأصل في ذلك: أن لا يكون التمني إلا لهداية هؤلاء المتطرفين ، فهذا هو الواجب الديني ، وهذا هو التمني الذي لا يخلو منه قلب مؤمن تجاه إخوانه المؤمنين إلا بشرط واحد ، و هو عندما يكون أصحاب الفكر المتطرف واقفين عند الحدود النظرية ، أي لم يمارسوا أي جريمة منبثقة على أساس هذا الفكر المتطرف .

أما إذا مارسوا جريمة واحدة فيها قتل أو نهب أو اعتداء على الأعراض ، فقد وجب أن يضاف إلى ذلك التمني، أمنية أخرى، وهي الرغبة في معاقبتهم والقصاص منهم ، أي أن تظهر رغبتان: رغبة في هدايتهم ورغبة في القضاء عليهم ، فالرغبة في هدايتهم لا تفارق أي مؤمن مهما كان حاله ، ولكن العدوان على المسلمين إذا حدث ولو كان مرة واحدة ، فقد وجب الغضب من هذه الجريمة وكأنها جريمة وقعت على كل فرد مسلم ، لأن المسلمين جسد واحد يجب أن يستشعر الجميع بشعور واحد ، أى ولا ينتظر المؤمن حتى تقع عليه الجريمة فيغضب ، بل عليه أن يغضب لأخيه كما يغضب لنفسه.

ولذلك وجب القضاء على هذه الجماعات المتطرفة عند مباشرتها للجريمة ، فإذا كنا عاجزين عن ذلك بأنفسنا، جاز لنا الاستعانة بأي قوة حليفة مهما كان نوعها ، نستطيع أن نقضي بها على هؤلاء المجرمين الأشرار، أو أن نكف شرهم عن الوصول إلى المسلمين ، فقد أصبحوا الآن بغاة بحسب حكم الشرع ، بل لعل البغاة أن يكونوا أفضل منهم بسبعين مرة.

أما في الحالة الثانية : وهي الحالة الاستثنائية أو الاضطرارية مع العدو ، فإن فيها حالات متعددة.

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين