موقف الشيخين من الأحاديث المعلة بالوقف والإرسال

قالوا: ما موقف الشيخين من الأحاديث التي اختلف فيها رفعا ووقفا، أو وصلا وإرسالا؟

قلت: موقفهما هو الترجيح بأحد وجوه الترجيح، فيتبعان الدليل في ترجيح الرفع أو الوقف، والوصل أو الإرسال، فإذا ترجح رفع الحديث المختلف فيه ووصله أدخلاه في كتابيهما، وإن ترجح الوقف أو الإرسال لم يدخلاه، وإذا صعب الترجيح حكما عليه بالاضطراب، ورداه، وهما مجتهدان، قد يتفقان على الحكم وقد يختلفان فيه.

قالوا: قد ظهر قبلنا ناس يدعون أنه إذا اختلف في الحديث رفعا ووقفا، ووصلا وإرسالا، أعلا الحديث وأسقطاه،

قلت: هذا قول الجاهل بالكتابين، ولا أستبعد أن يخرج من ضئضئ هذا أقوام ينتحلون أن الراوي إذا اختلف فيه تعديلا وجرحا، وتزكية وطعنا، أسقطاه الشيخان ولم يخرجا له في كتابيهما، ومالكم تتلقفون أقوال السفهاء الساقطين، والطائشين المغفلين؟ قالوا: قد فتن البسطاء بأمثالهم، فوددنا لو رددت عليهم، قلت: أعوذ بالله من أن أضيع وقتي وراء المبتلين بالخرق والرعونة، فاعذروني.

قالوا: عذرناك من الرد، ولكن ائتنا بأمثلة لأحاديث وقع الاختلاف فيها رفعا ووقفا، أو وصلا وإرسالا، ورجحا الرفع والوصل، وضمناها كتابيهما،

قلت: أما هذا فنعم، والأمثلة عندي كثيرة جدا، وأقتصر على بعضها:

الحديث المعل بالوقف

مثاله من الصحيحين، قال مسلم في الصلاة: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى الْقَنْطَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ (ح) قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا.‏ 

وأخرجه البخاري في العمل في الصلاة، باب الخصر في الصلاة عن عمرو بن علي عن يحيى عن هشام به، وأخرج البخاري قبله في الباب نفسه عن أبي النعمان عن حماد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: نُهي عن الخصر في الصلاة. وقال هشام وأبو هلال عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

في العلل للدارقطني رقم المسألة 1827: وسئل عن حديث ابن سيرين، عن أبي هريرة نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ. فَقَالَ: يَرْوِيهِ هشام بن حسان، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فَرَوَاهُ زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَجَعْفَرُ الْأَحْمَرُ، وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ، قَالَ فِيهِ: عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَهِشَامٍ وَرَفَعَهُ عنهما. وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَجَعْفَرُ بْنُ غِيَاثٍ، وَأَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِرَفْعِهِ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وَأَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ أَسْبَاطٍ، عن هشام: نُهِينَا وَهَذَا كَالصَّرِيحِ. وَرَوَاهُ قَتَادَةُ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَ بِهِ عِصَامُ بْنُ سَيْفٍ الْبَحْرَانِيُّ كَذَلِكَ. وَخَالَفَهُ مِهْرَانُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، وَخَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَأَبُو النَّضْرِ، رَوَوْهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّان ... وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِخِلَافِ رِوَايَةِ عِصَامِ بْنِ سَيْفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ. وَرَوَاهُ عِمْرَانُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُنَا فِي أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ مِنْ تَوَقِّيهِ وَتَوَرُّعِهِ، تَارَةً يصرح بالرفع، وتارة يؤمئ، وَتَارَةً يَتَوَقَّفُ عَلَى حَسبِ نَشَاطِهِ فِي الْحَالِ.

ومثاله من صحيح البخاري وحده: قال البخاري في الصلاة، باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين: حدثنا عياش قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا عبيد الله عن نافع أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه وإذا ركع رفع يديه وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه وإذا قام من الركعتين رفع يديه. ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، رواه حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه ابن طهمان عن أيوب وموسى بن عقبة مختصرا.

في العلل للدارقطني 13/13-16: وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم؛ أنه كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حذو منكبيه. فَقَالَ: يَرْوِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَاخْتُلِفَ عنه؛ فرواه بقية، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا افتتح رفع يديه، ولم يزد على هذا.

ورواه عبد الأعلى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر الرفع عند الافتتاح، وعند الركوع، وعند قوله: سمع الله لمن حمده، وعند النهوض من الركعتين. وتابعه عبد الوهاب الثقفي، عن عبيد الله، على هذا اللفظ، إلا أنه لم يرفعه.

ورواه إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، وعبد الله بن عمر، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أنه كان يرفع في الافتتاح، وفي الركوع، وفي السجود، وإسماعيل بن عياش في حديثه عن المدنيين ضعف.

ورواه محمد بن بشر، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر، فعله، غير مرفوع، وذكر الرفع في الافتتاح، وفي الركوع، وفي السجود.

وأشبهها بالصواب ما قاله عبد الأعلى بن عبد الأعلى.

ورواه مالك بن أنس، عن نافع، واختلف عنه؛ فرواه رزق الله بن موسى، عن يحيى القطان، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ الرفع في الافتتاح، وفي الركوع، وفي الرفع من الركوع، ولم يتابع عليه. والمحفوظ عن مالك ما رواه في "الموطأ": عن نافع، عن ابن عمر، موقوفا؛ أنه كان يرفع إذا افتتح، وإذا رفع رأسه من الركوع. وروي عن عبد الله بن نافع الصائغ، وعن خالد بن مخلد، وعن إسحاق الجهني، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بقول رزق الله بن موسى، عن يحيى القطان، ولا يصح ذلك في حديث مالك.

وروى داود بن عبد اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كان يرفع في كل رفع ووضع.

وهذا اللفظ وهم على مالك في الموضعين، في رفعه، ولفظه. وروي عن أيوب السختياني، وموسى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، واختلف عنهما؛ فرواه إبراهيم بن طهمان عنهما، ورفع الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر فيه الرفع عند الافتتاح، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع. وتابعه حماد بن سلمة، عن أيوب. وقيل: عن هدبة، عن حماد بن زيد، عن أيوب، وإنما أراد: حماد بن سلمة، والله أعلم. والصحيح: عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، موقوفا. وكذلك قال أبو ضمرة، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عمر. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ بن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا. ورواه إسماعيل بن أمية، والليث بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

والموقوف عن نافع أصح.

ورواه زيد بن واقد، عن نافع، عن ابن عمر لفظا أغرب به، وهو قوله: كان إذا أبصر رجلا يصلي لا يرفع يديه حصبه. واختلف عن محارب بن دثار؛ فرواه عن عاصم بن كليب، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دَثَّارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أنه قام في الركعتين كبر ورفع يديه.

ورواه أبو إسحاق الشيباني، والنضر بن محارب بن دثار، عن محارب، عن ابن عمر، موقوفا.

وكذلك رواه محمد بن زيد، عن ابن عمر، موقوفا، وذكر الرفع عند الافتتاح، والركوع، والرفع من الركوع. وروي عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عمر، أنه كان لا يرفع إلا في افتتاح الصلاة، ثم لا يعود. قاله أبو بكر بن عياش عن حصين، وهو وهم منه، أو من حصين.

والصحيح عن ابن عمر ما قدمنا ذكره.

ومثاله من صحيح مسلم وحده، قال في مسح الخفين: وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْمَسْحِ، عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتِ: ائْتِ عَلِيًّا فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنِّي، فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ‏.

في العلل للدارقطني رقم المسألة 379: وسئل عن حديث شريح بن هانئ عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين. فقال: هو حديث يرويه القاسم بن مخيمرة والمقدام بن شريح كلاهما عن شريح بن هانئ، فأما القاسم بن مخيمرة فرواه عنه الحكم بن عتيبة، واختلف عنه، فأسنده عنه عمرو بن قيس الملائي وزيد بن أبي أنيسة وعبد الملك بن حميد بن أبي غنية وأبو خالد الدالاني والقاسم بن الوليد الهمداني وإدريس بن يزيد الأودي، واختلف عن الأعمش، فرواه أبو معاوية الضرير وعمرو بن عبد الغفار عن الأعمش عن الحكم ورفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفهما زايدة بن قدامة وعلي بن غراب وأحمد بن بشير عن الأعمش، فوقفوه على علي بن أبي طالب ولم يرفعوه، وروي عن أزهر بن سعد السمان عن ابن عون عن سليمان التيمي عن الأعمش مرسلا وموقوفا أيضا، ورواه ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى ومحمد بن عبيد الله العرزمي وحجاج بن أرطاة عن الحكم رفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه الأجلح ومالك بن مغول وأبو حنيفة عن الحكم بن عتيبة موقوفا، واختلف عن شعبة فرواه يحيى القطان عنه مرفوعا، وتابعه أبو الوليد من رواية أبي خليفة عنه، وقال غندر عن شعبة أنه كان يرفعه ثم شك فيه، وأما أصحاب شعبة الباقون فرووه عن شعبة موقوفا، ورواه ليث بن أبي سليم عن الحكم فأسقط منه القاسم بن مخيمرة، واختلف عن ليث، فرواه شيبان عن ليث عن الحكم عن شريح بن هانئ عن علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه عن بلال، وخالفه معتمر، فرواه عن ليث عن الحكم وحبيب عن شريح بن هانئ عن بلال ولم يذكر عليا، وذكره بلالا في حديث شريح بن هانئ وهم من ليث لاتفاق أصحاب الحكم على ترك ذكره ولموافقة أصحاب شريح بن هانئ لترك ذكره. وروى هذا الحديث أبو إسحاق السبيعي واختلف عنه، فرواه الثوري عن أبي إسحاق عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ عن علي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتابعه حماد بن شعيب عن أبي إسحاق، وتابعهما أيضا محمد بن مصعب القرقساني ولم يكن حافظا، فرواه عن مالك بن مغول وإسرائيل وزهير وأبي عوانة عن أبي إسحاق ورفعه أيضا، وخالفه أصحاب زهير وأصحاب إسرائيل فرووه عنهما عن أبي إسحاق موقوفا، وكذلك رواه أبو الأحوص سلام بن سليم ويونس بن أبي إسحاق والحسن بن صالح ويزيد بن أبي زياد عن أبي إسحاق موقوفا، وقد سمعه أيضا يزيد بن أبي زياد من القاسم بن مخميرة موقوفا أيضا، ورفعه سفيان بن عيينة عن يزيد بن أبي زياد ووقفه غيره عنه، ورواه الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة، فرفعه عنه محمد بن أبان ووقفه زهير، ورواه عبدة بن أبي لبابة عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ عن علي موقوفا، ورواه المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن علي فاختلف عنه، فرفعه عنه شريك وشعبة من رواية أبي قتادة الحراني وحده عنه، ووقفه عنه مسعر، ورواه عبد الملك بن أبي سليمان عن ابن شريح بن هانئ ولم يسمه عن أبيه عن علي مرفوعا، قيل إن الذي روى عنه عبد الملك هو محمد بن شريح بن هانئ أخو المقدام والله أعلم. ورواه العباس بن ذريح عن شريح بن هانئ عن علي موقوفا أيضا، ورفعه صحيح لاتفاق أصحاب الحكم الحفاظ الذين قدمنا ذكرهم عن الحكم على رفعه والله أعلم.‏

الحديث المعل بالإرسال

مثاله من الصحيحين: قال مسلم في الإيمان: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ.‏ قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ.‏ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ.‏ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا.

وأخرجه البخاري في الزكاة، باب وجوب الزكاة عن محمد بن عبد الرحيم حدثنا عفان بن مسلم حدثنا وهيب عن يحيى بن سعيد بن حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه به.وقال البخاري في آخره: حدثنا مسدد عن يحيى عن أبي حيان قال: أخبرني أبو زرعة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا‏.

اختلف فيه في الوصل والإرسال، وذكر البخاري الوجهين، ورجح الوصل كما رجحه مسلم إذ لم يخرجه إلا موصولا، قال الدارقطني: وقد رواه يحيى القطان فخالف وهيباً، رواه عن أبي حيان عن أبي زرعة مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم (الدارقطني: الإلزامات والتتبع 204).قال الحافظ ابن حجر في المقدمة في رده على الدارقطني: وقد أخرج البخاري حديث يحيى القطان عقيب حديث وهيب، فأشعر بأن العلة ليست بقادحة لأن وهيبا حافظ، فقدم روايته لأن معه زيادة، وفي معنى روايته حديث آخر اتفقا عليه من هذا الوجه في كتاب الإيمان من طريق جرير وإسماعيل بن علية عن أبي حيان، وهو مما يقوي رواية وهيب والله أعلم.

ومثاله من صحيح البخاري وحده: قال البخاري في الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان: حدثنا عبد الله بن أبي شيبة حدثنا أبو بكر عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما. وأخرجه البخاري أيضًا في فضائل القرآن، باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم عن خالد بن يزيد عن أبي بكر بن عياش به.

لم يخرجه مسلم للاختلاف في إرساله ووصله، ففي العلل لابن أبي حاتم ص 594: وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ أَبُو بَكْرُ بْنُ عَيَّاش عَنْ أَبِي حَصِين، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ كَانَ يعتَكِفُ العَشرَ الأواخِر؟ قَالَ أَبِي: الصَّحيحُ ما رَوَاهُ الثَّوري، عَنْ أَبِي حَصِين، عَنْ أَبِي صَالِحٍ؛ قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعتَكِفُ ... مُرسَلا.

وفي العلل لابن أبي حاتم ص 625-626: وسألتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رواه عبدُالرَّزَّاق،

عَنْ مَعْمَر، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَة، عَنْ عائِشَة، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم - والزُّهْريِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : أَنَّهُ كَانَ يَعتَكِفُ العَشْرَ الأواخِرَ مِنْ رمضانَ حَتَّى قَبَضَه اللَّهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وبعضُ أَصْحَابِ الزُّهْري يَرْوِي عَنِ الزُّهْري، عَنْ أَبِي سَلَمة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ونافعُ بْنُ يَزِيدَ رَوَى عَنْ عُقَيل، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُرْوَةَ وابنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عائِشَة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرَوَى اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ؛ قَالَ: حدَّثني الزُّهْري؛ قَالَ: حدَّثني ابْنُ الْمُسَيِّبِ؛ قَالَ: اعتَكَفَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم العَشْرَ الأُوَل، ثُمَّ اعتَكَفَ العَشْرَ الوُسَط ... فَذَكَرَ الحديثَ؟ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الصَّحيحُ عِنْدِي: الزُّهْريُّ، عَنْ عُروةَ، عَنْ عائِشةَ، وابنُ الْمُسَيِّبِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قلتُ لأَبِي زُرْعَةَ: اللَّفظانِ قَدِ اختَلَفا؛ فكأنَّه حديثَانِ؟ قَالَ: لا! هُوَ واحدٌ، وإنِ اختَلَف اللَّفظانِ.

وأخرجه البزار في مسنده، مسند أبي هريرة، وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة.

وفي العلل للدارقطني رقم 1986: وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ حَتَّى كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَإِنَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ.

فَقَالَ: يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فَرَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ سَلَّامٍ الْهَاشِمِيُّ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو هِشَامٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الشَّاذَكُونِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَخَالَفَهُمْ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ؛ فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَخَالَفَهُمْ عُمَرُ بْنُ مُوسَى الْحَادِي عَمُّ الْكُدَيْمِيِّ؛ فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

ومثاله من صحيح مسلم وحده: قال مسلم: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَيُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ ‏(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ‏)‏ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا، فَقَالَ: يَا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ! يَا صَفِيَّةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ.‏ 

قال الإمام الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث حسن صحيح، وهكذا روى وكيع وغير واحد هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة نحو حديث محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، وروى بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، ولم يذكر فيه: عن عائشة.

وفي العلل للدارقطني 14/163-164: قال: يرويه هشام بن عروة، واختلف عنه، فرواه وكيع بن الجراح، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي، وأبو خالد الأحمر، عن هشام عن أبيه عن عائشة. ورواه مالك بن أنس، ومفضل بن فضالة، ومحمد بن كناسة، عن هشام عن أبيه مرسلا. والمرسل أصح. ثم أخرج الدارقطني بإسناده من طرق وكيع ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي وأبي خالد الأحمر عن هشام عن أبيه عن عائشة موصولا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين