مهزلة الانتخابات

 

              

      كنت - ومنذ شببت عن الطوق في سوريا - أتابع بلا اكتراث هزليات الاستحقاقات الدستورية، كما يحلو لهم أن يطلقوا عليها، ومنها انتخابات مجلس الشعب، وهو السلطة التشريعية بحسب الدستور، ولكنه بحسب الواقع السوري فصل من فصول المسرحية الهزلية الكبرى التي يكتبها ويخرجها الزعيم، ويقوم فيها سائر الشعب بدور الممثلين على اختلاف ولاءاتهم وأحجامهم ومستوياتهم. فمجلس الشعب كغيره من مؤسسات الدولة مستلب الإرادة، مسير الخطوات، لا مهمة له إلا التصفيق والتأمين، وتقديم الولاء للزعيم الأكبر.

          كل السوريين، صغارا وكبارا، قديما وحديثا، يعلمون علم اليقين أن كل المؤسسات السورية، عدا الفروع الأمنية والدوائر الضيقة في المؤسسة العسكرية، ما هي إلا مظاهر شكلية لإضفاء شرعية مفقودة، وعمليات تجميل فاشلة لوجه مشوه محترق.

        اليوم، وبعد أكثر من خمس سنوات من الثورة ضد النظام، فقد فيها قوته الحديدية، وسطوته الأمنية، وهيبته الواهية المنسوجة كما خيوط العنكبوت، بل وفقد شطر أرضه التي كان يختال عليها اختيال الديكة والطواويس.. اليوم، يطل علينا النظام ليسوق أمام العالم كذبة انتخابات مجلس الشعب في نيسان، بحجة كونها استحقاقا دستوريا، لا يمكن التنازل عنه في حال من الأحوال، وكأن الشعب السوري المسكين قد حصل على كل حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية ووو.. ولم يبق له غير التمتع بهذا الحق؟

        أي استخفاف بالعقول تمارسون؟ وعلى من تمثلون؟  وما الرسالة التي تودون تأديتها للعالم؟

        قد نتهم النظام في دمشق بأنه يعيش في برج عاجي، منفصل عن العالم، مغلق عن وسائل التواصل مع الآخرين، ولكن بماذا نفسر استجابة أولئك المغفلين من الكومبارس، وهم يوشحون شوارع دمشق وحمص وحماة وحلب واللاذقية وطرطوس وغيرها بصورهم المتلألئة، ويبيعون للبسطاء آمالا ضخمة في وقت يحتاجون فيه لأبسط حقوق الإنسانية من غذاء وماء ودواء وكساء؟

      ألم تشرق عليهم شمس الحرية، وضياؤها تسرب إلى كل حجرة من حجرات سوريا؟ ألم يشتموا عبق الكرامة، وعرفها تسلل إلى كل البيوت؟ ألم يتنسموا عبير الرجولة، ونسيمها تغلغل في كل الغيران؟ 

      لكم الله أيها السوريون.. تحترقون بالنار، والعالم يمدكم بالوقود في الخفاء، ويمثل طور الإطفائي في العلن!!

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين