من أوهام العلماء وهم العلامة المحدث خليل أحمد السهارنفوري

وهو العلامة المحدث الفقيه خليل أحمد بن مجيد علي بن أحمد علي الأنصاري الحنفي الأنبيتهوي، من كبار خلفاء الإمام الرباني رشيد أحمد الكنكوهي، ولد في أواخر صفر سنة تسع وستين ومائتين وألف، وأخذ عن الشيخ محمد مظهر النانوتوي، والشيخ فيض الحسن السهارنفوري، واستجاز من الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد الدهلوي، والشيخ عبد القيوم البدهانوي، والشيخ أحمد دحلان، والسيد أحمد البرزنجي، وله "بذل المجهود في حل سنن أبي داود"، توفي يوم الأربعاء السادس عشر من ربيع الثاني سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف بالمدينة النبوية، ودفن بالبقيع.

قال رحمه الله في بذل المجهود 1/167: "(حدثنا مسدد) كمعظم (ابن مسرهد) بن مجرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل بن مطربل بن أرندل بن سرندل بن غرندل بن ماسك بن مستورد الأسدي البصري، أبو الحسن، ثقة، حافظ، من العاشرة، مات سنة 228هـ، ويقال: اسمه عبد الملك بن عبد العزيز.

ومن لطائف هذا الأسماء ما صرح به جماعة من شراح "الصحيحين" وغيرهما من أرباب الطبقات بأن هذه الأسماء إذا كتبت وعلقت على محموم كانت من أنفع الرقى، وجربت فكانت كذلك، وقال عاصم: إنها رقية للعقرب أي مع البسملة، قاله أبو نعيم. "حاشية قاموس".

قلت: نقل ترجمته من القاموس، وحاشية عليه، ولعل تلك الحاشية مستفادة من تاج العروس، ففي القاموس في مادة مسرهد: ومسدد، كمعظم، ابن مسرهد بن مجرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل بن مطربل بن أرندل بن سرندل بن عرندل ابن ماسك بن المستورد الأسدي، محدث.

وفي تاج العروس في مادة "مسرهد": ومسدد، كمعظم، ابن مسرهد بن مجرهد بن مسربل، وقيل أرمل بن مغربل بن مرعبل بن مطربل بن أرندل بن سرندل بن عرندل بن ماسك المستورد الأسدي البصري، من بني أسد بن شريك، بالضم، ابن مالك بن عمرو بن مالك ابن فهم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد: محدث. قال أبو زرعة، قال أحمد: مسدد صدوق. وقال ابن القراب: مات أبو الحسن مسدد، لست عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ثمان وعشرين ومائتين. قال شيخنا: صرح جماعة من شراح الصحيحين، وغيرهما من أرباب الطبقات، بأن هذه الأسماء إذا كتبت وعلقت على محموم كانت من أنفع الرقى، وجربت فكانت كذلك.

قلت: في ترجمة السهارنفوري لمسدد ثلاثة أوهام، وما وقع فيها إلا لعدم اعتماده المصادر الأصيلة وكتب التراجم والسير التي عملها المحققون، وتلك الأوهام هي:

الأول: هذا السياق الغريب في نسبه فإنه منحول، وفي تاريخ البخاري الكبير: "مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل، أبو الحسن، الأسدي، البصري"، وفي الثقات للعجلي: "مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مستورد الأسدي، بصري، ثقة، يكنى أبا الحسن".

وقال الذهبي: في سير أعلام النبلاء: أخبرنا بلال المغيثي، أخبرنا ابن رواج، أخبرنا السلفي، أخبرنا ثابت بن بندار، أخبرنا الحسين بن جعفر السلماسي، أخبرنا أبو العباس الوليد بن بكر، أخبرنا منصور بن عبد الله الخالدي، حدثنا إبراهيم بن مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل بن أرندل بن سرندل بن غرندل بن ماسك بن المستورد الأسدي، حدثني أبي مسدد، حدثنا عيسى بن يونس، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها.

قال الذهبي: هذا سياق عجيب منكر في نسب مسدد أظنه مفتعلا ومنصور ليس بمعتمد.

الثاني: كونها من أنفع الرقى، فقد نقل عن الشراح أن هذه الأسماء إذا كتبت وعلقت على محموم كانت من أنفع الرقى، وقال عاصم: إنها رقية للعقرب أي مع البسملة، قاله أبو نعيم.

قلت: لا أدري من عاصم؟ ولعله محرف، والكلام معزو إلى أبي نعيم، وكان فيه دعابة، قال الذهبي ترجمته في سير أعلام النبلاء: وقد كان أبو نعيم ذا دعابة فروى علي بن العباس المقانعي سمعت الحسين بن عمرو العنقزي يقول: دق رجل على أبي نعيم الباب، فقال: من ذا؟ قال: أنا، قال: من أنا؟ قال: رجل من ولد آدم، فخرج إليه أبو نعيم وقبله وقال: مرحبا وأهلا ما ظننت أنه بقي من هذا النسل أحد.

إن أصحاب الرقى يستعملون في رقاهم كلمات أعجمية غريبة لا تعرف معانيها، فكلما سمع أبو نعيم أسماء مسدد وآبائه شبهها بالرقية، لا أنها رقية حقيقة كما ظنها المغربي شيخ الزبيدي، ونقلها عنه السهارنفوري موافقا عليها.

قال العجلي في الثقات: "وكان أبو نعيم يسألني عن اسمه واسم أبيه فأخبره باسمه واسم أبيه، فيقول: يا أحمد هذه رقية العقرب"، ونقله عنه المزي والذهبي.

قلت: وقد صرح الذهبي بالمزاح فيه، فقال في السير: "قال مازح: لو كتب أمام نسبه بسم الله الرحمن الرحيم كان رقية للعقرب".

وفي الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: قال أحمد بن يونس الرقي: "قال لي أبو نعيم: من محدث البصرة؟ قلت: مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن أرندل. فقال أبو نعيم: لو كانت في هذه التسمية بسم الله الرحمن الرحيم .. كانت رقية من العقرب".

والثالث: قول السهارنفوري نقلا عن الزبيدي: "وجربت فكانت كذلك". قلت: هذا غريب جدا، فالضابط في الرقى أنها تباح إذا كانت مفهومة مشتملة على ذكر الله، خالية من الشرك، ولا تباح إذا كانت غير مفهومة، إذ لا يؤمن أن يكون فيه شيء من الشرك، وأسماء آباء مسدد على ذلك السياق المفتعل أعجمية غريبة لا تعلم معانيها، فكيف تباح أو تجرَّب؟

وفي صحيح مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا على رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك.

قال النووي في شرحه: نقلوا الإجماع على جواز الرقى بالآيات، وأذكار الله تعالى، قال المازري: جميع الرقى جائزة إذا كانت بكتاب الله أو بذكره، ومنهي عنها إذا كانت باللغة العجمية، أو بما لا يدرى معناه، لجواز أن يكون فيه كفر... اهـ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين