معنى الشاذ والمنكر

قالوا: ما معنى الشاذ والمنكر؟ 

قلت: أي نوعي الشاذ والمنكر تسألونِّي عنه؟ قالوا: أوَ نوعان هما؟ قلت: نعم،. قالوا: ما هما؟ قلت: شاذ الخبر ومنكره، وشاذ الرأي ومنكره، وقد وقع كثير من الناس في اضطراب في الفكر واختلال في النظر من أجل التخليط بين النوعين.

قالوا: اشرح لنا معنى ما يجري في الخبر من شذوذ ونكارة.

قلت: اختلف الناس في تعريف الشاذ من الخبر (والحديث يجري مجراه)، ولعل أصوبه ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة حديثاً لم يروه غيره، إنما الشاذ من الحديث أن يروي الثقات حديثاً على نص ثم يرويه ثقة خلافا لروايتهم، فهذا الذي يقال شذ عنه. (آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم 233-234، ومصادر أخرى)، ومقابله المحفوظ.

وكذلك اختلفوا في تعريف المنكر، والشائع عندهم هو ما رواه الضعيف مخالفا للثقات أو لمن هو أوثق منه، ومقابله المعروف.

قالوا: اشرح لنا معنى الشذوذ في الرأي والنكارة فيه.

قلت: الرأي الشاذ هو الرأي الذي يخالفه رأي أقوى منه دليلا، فلا يعتبر فيه العدد، وإنما العبرة فيه بقوة الدليل وضعفه.

ومعنى المنكر هو الرأي الذي يخالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها مع مخالفته للعقل السليم، ولا عبرة هنا أيضًا بالعدد، فمثلا إذا تفق جماهير البشر على قبول رأي منكر، فاتفاقهم لا يخفف من نكارته.

قلت: ويشمل هذا النوع من الشاذ والمنكر القولَ والفعلَ جميعا.

قالوا: فأي نوع منهما يدخل فيه الفقه والكلام؟ 

قلت: في النوع الثاني.

قالوا: ما الذي أردت بالتخليط بين النوعين؟ 

قلت: كثيرا ما نرى أهل الكلام والفقه يقررون فساد قول غيرهم بأنه مخالف للجمهور، وقد يبالغون فيرمونه بمعارضة الجماهير، وينسون أن مخالفة الجمهور أو الجماهير لا تضر الرأي ولا تنقص من قيمته، لأن الرأي إنما يوزن بالدليل، ولو كان العدد قاضيا على الرأي لما اختار أبو حنيفة رحمه الله في انتهاء وقت الظهر أن يكون ظل كل شيء مثليه مع أن عامة فقهاء الأمصار ومنهم صاحباه أبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى يرون أن وقت الظهر ينتهي إذا صار ظل كل شيء مثله، وهذا لا يقتصر على أبي حنيفة، بل نجد مالكا، والأوزاعي، والشافعي، وغيرهم من الفقهاء قد يختارون قولا ليس عليه عامة الفقهاء، وكم من مسائل انفرد فيها المتكلمون والفقهاء والفلاسفة بآراء لا معاضد لهم فيها، وهي لا تعد شواذَّ.

قالوا: ما الذي يعنيه أهل الفقه بقولهم: هذا قول شاذ؟ 

قلت: يتوقف على السياق الذي يستعملونه فيه، قد يكون معناه شاذ الخبر، أي إن أبا حنيفة رحمه الله مثلاً روي عنه في المسألة قولان، أحدهما قول ظاهر منتشر عنه، والآخر قول نادر الرواية شاذ، وقد يكون معناه شاذ الرأي، أي إن الفقيه الفلاني اختار قولا ضعيفا من جهة الدليل، فيسمون قوله شاذا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين