ما منع الراشدين أن يكونوا في مكانة الذين أساؤوا وشوهوا فأحسنوا .. واستقطبوا .. وكفوا.. ؟!

 

 

سؤال مازال يُلح على المشهد السوري ، وعلى الإنسان السوري الذي نفر خفيفا وثقيلا لنصرة هذه الثورة إيمانا منه أن وراء الأكمة عقلا وإرادة وتقديرا تدبيرا وعزيمة وتضحية ورجال صدق إذا قيل لهم : قدموا تقدموا ..

انعكس خذلان الشعب السوري وثورته بالكثير من المرارة واليأس ليس على العقول والقلوب فقط ، بل على المشروع الذي تواطأ على تشويهه وإحباطه المتواطئون . بمن فيهم المتخلون والمترددون والمتخاذلون .

ولم تكن هذه القوى التي تقدمت وتصدرت فأساءت وشوهت بأوفر حظا ولا أعظم فرصة ممن أولئك الذين آثروا الإخلاد إلى الأرض والانشغال بسفاسف الأمور وتضييع معاليها .

من الفراغ انطلقت هذه القوى التي حمّلت مشروع الربيع العربي ، والثورة السورية بشكل خاص ، رهق تصوراتها ورؤاها ومنهجها وأساليبها، وعلى الفراغ تغذت . الفراغ الذي وفره العجزُ والضعفُ والتواري والتردد والإخلاد إلى الأرض والتطلع إلى حيث الرغائب الهيّنة ، والأطماع القريبة ، والتخلف عن مشهد الفزع الذي ركن الثوار السوريون فيه إلى من ظنوا فيهم الحكمة والرشد

يجب أن يكون الإنسان منصفا حتى مع عدوه وخصمه ومخالفه . وخلافنامع هذه القوى التي تسورت على المشروع الإسلامي ، وركبت فيه الصعب وتجنبت الذلول ؛ سواء على صعيد الرؤية أو المنهج أو الوسائل والأساليب لا يجوز أن يمنعنا من القول : عزموا وتردد غيرهم ، تقدموا وأحجم غيرهم ، ضحوا وتخاذل غيرهم ، خفوا وتثاقل غيرهم ، صدقوا وتعلل غيرهم . صدقوا وإن لم يكن الصدق دائما قرين سداد ورشاد . ولذا قال الإمام ابن تيمية ( إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وسدادا ) . لأن العمل قد يكون خالصا ولا يكون سدادا . والعامل قد يكون صادقا في نفسه غير راشد في فعله .

 فعلوا حتى أصبحوا حقيقة على الأرض قائمة ، ورقما في المعادلة السورية ، بل في معادلة المنطقة صعبا وهم قد انطلقوا من قلة وضعف وخوف ، وأصبح الآخرون الذين امتلكوا التاريخ والمنهج وحسن السمعة ذبابا يُذب ، وجديا أسك لا هيبة ولا رغبة ...

أما انتقادهم وتبكيتهم وهجاؤهم فما كان يغني عن فعل منجز شيئا . وإن سباب الجبل لن يعود على أصحابه إلا برجع الصدى . وما كان للحصاة أن تتطاول على قبضة الطين لو أن قبضة الطين قد قررت أن تكون رحم نماء وعطاء

 سيقال ، وما أكثر معاذير العاجزين ، إن للباطل من يدعمه ويغذيه ويوظفه وينميه ، ولكن لم يكن الحق يوما يتيما بلا ناصر ولا مؤيد ولا مساعد ولا معين . ولو رفعت راية الحق بالحق منذ اليوم الأول ، وأُعلي عمادها ، وحفّ بها كهولها وشبابها ، بالطريقة نفسها التي تقدم بها من نهجو وننتقد ونعيب ونبكّت ،وضحى تحت رايتها المضحون ، وحيهل إليها بالجهاد المحيهلون ؛ لوجد أهلها أكثر مما وجد أهل الباطل ، ولأوردوا أكثر مما أوردوا ، ولأثمروا غير الحنظل الذي أثمروا ...

بل لو صدقوا وحزموا وفعلوا لرفعوا منارة للحق حصنت الكثير من أهل الصدق أن يخدعوا بنار أهل الباطل . ولأخذت بحجزهم عن التتايع فيها وهذا بعض الواجب الذي أناطه صاحب الشريعة بنفسه وبورثته من بعده ( فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تتدافعون فيها ) .

إن الجناية التي جناها العجز والضعف والتردد على مشروع العدل الإسلامي الذي ضحى من ضحى على مدرجته عقودا أكبر من أن تكون خسارة جولة في صراع ، أو خرقا ، وهو ما زال يوما بعد يوم يتسع ، مما يمكن أن يرتق ، وبعض القوم ما زالوا في ريبهم يترددون .

 بل لقد أدى التولي والتخلي وترك الميدان لغير أهله إلى تشويه المشروع الوضيء ، وإسقاطه من عقول وقلوب الكثيرين ليس من أعدائه وخصومه والمترددين فيه بل من الكثير من أنصاره ومحبيه الذين بدأت تصدر عنهم إذا كان هذا هو الوعد الذي حدثتمونا عنه فلا ...

لا نشك ولا نشكك أن الهدف الأول لإجهاض المشروع الإسلامي بمثل هذه ( الخداجات ) هوقطع الطريق على وليده الصحيح وفجره الوضيء ، وأنه قد اجتمع على إجهاض هذا المشروع كل الشركاء المتشاكسين الشاغلين للساحة السياسية الدولية والإقليمية الرسمية والشعبية ..

ولكن أهل الحق لم يكن ليفزعهم كل هذا ، فهم كانوا قد علموه وقدروه ، بل لقد كانوا قادرين لو أرادوا ، وأشدد على قولي لو أرادوا، أن يتجاوزوه ، ويقدموا البديل الصحيح لو امتلكوا مع سداد الرؤية والمنهج إرادة امتلكها أولئك القوم الذين نلوم ، وعزيمة تمنطق بها أولئك الذين فرضوا قيادتهم فأساؤوا وشوهوا ..

وبعد فهل للتثريب والتقريع والتبكيت ، كما يظن البعض ، يكتب هذا المقال ؟! ولم يكن كل أولئك لعاقل يوما هدفا ..

كثيرون يقولون وهذا الداء قد عرفناه وما رأيناك يوما وصفت لنا دواء ..

أردت أن أقول هذه تجربة هؤلاء الذين أداروا ظهورهم للطمع ، واستقبلوا بوجوههم الفزع ، وجعلوا كل المقاعد التي يتزاحم عليها المتزاحمون وراء ظهورهم ثم هم اليوم في المعادلة على ما هم فيه من خلل حيث ترون . ..

الدواء في أن تحرصوا على أن تأخذوا لا أن تنتظروا كما فعلتم حتى اليوم أن تعطوا .

أبتسم عندما يحتج المحتجون : شباب الدعوة يبحثون عن دور ... ، ثم أراهم يزاحمون على كرسي متحرك صممه مصممه للمقعدين ..

دور الشباب الصادقين الحقيقي لو أرادوا دورا هناك حيث يكون الصدق والحب والرعب . وأن يدعوا لبنات الربيع بنت معوذ رضي الله عنها تمريض الجرحى وإطعام الجوعى وسقاية العطشى ..

ومن صحح البداية رُزق الهداية ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين