ما كنت جديرا يا أخي...(في الدفاع عن سيدنا الحسين)

 

كنت نشرت على صفحتي هذه قبل يومين مقالا بعنوان: (من الغثاء في ذكرى عاشوراء) وهذا رابطه

وقد كان في التعليقات على المقال تعليق لافت مسيء جدا لسيدنا الحسين رضي الله عنه، استاء منه عموم الإخوة الذين قرؤوه، كما استأتُ وتأذيتُ منه شخصيا جدا، فكان لا بد من الرد عليه وبيان ما فيه من الباطل والتجني الجريء جدا على سيدنا الحسين رضي الله عنه.

التعقيب المذكور كتبه الأخ الدكتور التربوي أكرم حريري، وهذا نصه: 

ـــــــــــــــــــــــ

السلام عليكم ورحمة الله

وجزاكم الله خيرا 

ولكني أقول : لقد منحت قضية الحسين حجما أكبر من حجمها وعظمت تعظيما لا يستحقه واستغلت استغلالا دنيئا .. من قبل الفرس .. وينسى تاريخنا وكتابنا أن الحسين سبب فتنة مزقت وتمزق الأمة حتى اليوم وكتب علماؤنا بنفس عاطفي شوه العقل المسلم .. وكأن الحسين لا يخطئ .. وكأن تصرفه كان بعصمة وتوالت صفة المدح والثناء عليه بحق وبغير حق بسبب مظلة النبي عليه الصلاة والسلام .. وأين الحسين من تلك المظلة ..!؟ 

لقد أخطأ بزواجه الفارسية التي أثرت عليه وأملت عليه الاستجابة للعقول الخفية والأيادي الثعلبانية .. وهو يعلم الصراع .. ويعلم الفتنة ... فزينت له الفارسية مكانة نفسه من نفسه ومكانته لدي قوم لا خلاق لهم .. 

فقام بالخروج من المدينة لتنسج عليه أقلامنا معاني البطولة والفداء ..!؟ أين البطولة وأين الفداء في فترة حرجة وصراع محتدم وبلاد يعلم الجميع مستوى الشقاق فيها ... 

خرج مخالفا موقف الحسن رضي الله عنه .. ونصائح الصحب الكرام .. ذهب مطالبًا بالدنيا تحت ذريعة أهل البيت .. بينما أهل البيت هم الذين نهوه عن مغامرته ..

الحسين رغم قرابته من رسول الله ورغم وجود نصوص تثني عليه .. ولكن هذا الثناء لا يعني العصمة ولا يعني قبول ما فعل .. بل لا بد أن ينتقد وتوقف المدائح والثناءات التي تدبج حول بطولته واستشهاده .. بل لابد أن نعيد النظر في هذه الحادثة وشخصية الحسين التي نذوق مرارة فعلته حتى اليوم ...!؟ 

أي فداء وأي فدائي سبب انحراف التاريخ العقدي .. والتاريخ الفكري .. والتاريخ السياسي ...و... للإسلام !!؟ 

لابد من تجاوز العواطف والمشاعر الجياشة وتحكيم العقل للوقوف في وجه الحملة التي يستغلها الفرس من خلال جهلة الشيعة الروافض الذين جعلوا الحسين شماعة يعلقون عليها مخازيهم يعلقون عليها مطامع الثأر والانتقام واللطم والمآتم في سوق الدماء حتى اليوم .. 

الحسين يستحق أن يوصف كسبب رئيس في التحول والانحراف في تاريخنا ..

يقولون اجتهد ..! لكنه اجتهاد في موقف خزي دنيوي وصراع على ولاية أمر .. ليرسخ في التاريخ قضية الاستبداد والتوريث .. فما مكانة أهل البيت في تاريخنا إلا للتقدير والاحترام للقرابة النبوية .. وليس للصراع على السلطة بحجج واهية و فهوم قاصرة .. هدرت الدماء وشوهت الأحكام وأخرت الفتوح ... والفرس محور هذا ومن هنا نشأ الرفض والتشيع الغالي .. 

الحسين يرفض موقف أخيه الأحلم والأكبر والأكثر وعيًا ... فلماذا يغض التاريخ الطرف عن الحسن ويغالي في الحسين ..!؟ لماذا يظلم الحسن ألأنه مسود وجوه المؤمنين ..!؟ كما وصفته الرافضة ... ويرقص للحسين الذي مزق الأمة .. طلبا للحكم .. الذي أوحت به الزوجة .. حقدًا على عمر هادم الفارسية .. هلا كان صبورا وأجل مطالبه .. حتى لا تستغل من هنا ومن هناك .. هلا نظر لنفسه أنه أكبر من أن يسبب قتالًا وتمزق أمة .. باعتزال الفتنة ..!؟

الحسين ..! أخشى أن يحمل الحسين مسؤولية كل قطرة دم أريقت بسبب فتنته من عهده إلى اليوم ...!؟ 

لقد أساء الحسين لجده كما أساء لدينه . انتهى تعقيب الدكتور أكرم حريري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

فكتبتُ في الرد عليه:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

غفر الله لك أخي أبا قتادة، فما كنتَ جديرا بهذا يا أخي.

لقد كتبت كلاما غليظا ثقيلا ظالما، لو قلتَ مثلَه لزميلك لكان جفاء، أو لوالدك لكان عقوقا، أو لأستاذك لكان فظاظة وجحودا.

وسيدنا الحسين أعظم حقا علينا مِن كل مَن ذكرنا.

قلت كلاما باطلا أسأت فيه إلى أحد أعلام الأمة بلا منازع، واجترأت على كلام لا تُحمد فيه الجرأة، بل تجب فيه الروية والأناة وانتقاء الألفاظ، والحذر الشديد في الأحكام، لأنك تتكلم عن ذي قدر وشأن لا تقاربه ولا تناسبه، وأين أنا وأنت وهُم وهنّ وكلُّ من جاء بعد عصر السيد الحسين، من مقامه العالي الذي تنقطع دونه الأعناق، وتكلّ الأبصار وتحسر دون رؤية قمته، فضلا عن بلوغها.

إنه الحسين بن علي وفاطمة، إنه ابن النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا عبَّر النبي صلى الله عليه عن قرابته له بالبنوة، في الحديث الذي صححه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما ولدت فاطمة الحسين جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ ...الحديث.

إنك يا أخي لم تؤذ بكلامك هذا الحسين وحده، وإما آذيت عموم المؤمنين الذين يتقربون إلى الله بحب الحسين.

وليس ذلك فحسب، وإنما آذيتَ رسول الله صلى الله عليه في رجل هو من أحب خاصته إليه، كما آذيت أبويه عليا وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين.

ولا ينتهي عجبي من قولك: (وتوالت صفة المدح والثناء عليه بحق وبغير حق بسبب مظلة النبي عليه الصلاة والسلام .. وأين الحسين من تلك المظلة ..!؟)

فيا سبحان الله! وكأنك ضمنت لنفسك مظلة النبي صلى الله عليه وسلم التي نزعتها عن الحسين.

ولست أدري مَن الذي خولك هذا الحكم الخطير على ذلك العلم الكبير، لتدخل فيما بينه وبين جده صلى الله عليه وسلم؟ وهل فوّض النبي صلى الله عليه وسلم مظلته إليك لتنشرها أو تحسرها عن الناس برأيك وهواك؟! 

ومن أولى من الحسين بمظلة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان أحد أهل الكساء الذين جمعهم فيه النبي صلى عليه وسلم وقال: اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي ، أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

ولفظ صحيح مسلم عن عَائِشَةُ قالت: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)

أفتُخرِج الحسين من مظلة النبي صلى الله عليه، وسلم بعد أن أظله صلى الله عليه وسلم بكسائه على هذا النحو الثابت في الصحيح؟!

ولست أدري ما الذي جرأك على هذا؟! وما الحالة النفسية الانفعالية التي لابستك وأنت تكتب؟ وما الخلفية الفكرية أو الموقف الشخصي الذي تتبناه ضد الحسين، الذي سوّغ لك هذا الانفجار المفاجئ بهذا السيل من الشتم والاتهام والانتقاص والإدانة؟! وكأنك تتكلم عن أحد الفاسدين من قادة فصائل الثوار، أو عمن لك عليه دالَّة من صغار أبنائك أو طلبتك، فأنت توبخه على انصياعه لزوجته، وإعراضه عن نصح الناصحين من أهله ووو...

إنك يا أخي تهاجم رجلا تعلم يقينا أنه قد حطَّ رحاله في الجنة، فما أغناك عن ذلك! وما أبعد هذا عن التوفيق وأقربه إلى الخِذلان! أعيذ نفسي وإياك من الخِذلان.

حسبك دليلا على خطئك وبطلان كلامك أنك انتقصت وازدريت الحسين، ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحِبُّه وريحانته وسيد شباب أهل الجنة. وما هذا من التوفيق في شيء.

وحسبك دليلا على خطئك أنك خالفت النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عن الحسنين: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا. رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وخالفت قول النبي صلى الله عليه وسلم: حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ. رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وخالفت قول أبي بكر رضي الله عنه في قوله: ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ. رواه البخاري في صحيحه.

وما هذا من التوفيق في شيء.

وحسبك دليلا على خطئك يا أخي أنك ليس لك في هذا سلف يُحمد، مما اضطرك إلى أن لا تكتفي بمهاجمة الحسين فحسب، بل هاجمت علماء الأمة لأنك لم تجد فيهم من هو على مذهبك في الحط على الحسين رضي الله عنه، وذلك في قولك: (وينسى تاريخنا وكتابنا أن الحسين سبب فتنة مزقت وتمزق الأمة حتى اليوم وكتب علماؤنا بنفس عاطفي شوه العقل المسلم ..)

وهل هناك أدلُّ على الباطل والخِذلان، من كلام جاء على خلاف ما درج عليه علماء الأمة وكتابها ومؤرخوها؟! 

وغير خاف أننا عندما نقول: علماء الأمة.. فإننا نقصد علماء أهل السنة والجماعة.

وأهل السنة والجماعة يبرؤون من النواصب كما يبرؤون من الروافض على حدّ سواء.

إن منهج أهل السنة والجماعة فيما بدر من الصحابة في الفتن: حُسن الظن بهم جميعا، وأن مَن أخطأ منهم فقد أخطأ عن اجتهاد فهو مأجور أجرا واحدا، في مقابل أجرين لمن اجتهد منهم فأصاب. فلم يخرج واحد منهم عن العدالة بما وقع بينهم.

وبذلك أحرز أهل السنة والجماعة سلامة الصدر تجاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا الأحق بثناء الله العاطر على أهل هذه الصفة، الذي جاء في سورة الحشر عن الذين جاؤوا بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]

ومن أولى بسلامة الصدر على المسلمين من أهل السنة والجماعة؟ ومن أولى المسلمين بسلامة الصدر نحوهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومِن أولاهم بذلك خاصته من أهله الحسينُ رضي الله عنه.

فأين أنت يا أستاذ أكرم من هذه الآية، فيما يخص سيدنا الحسين حبيب الأمة وحبيب نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنه.

هل لاحظتَ أنك على تكرار ذكره رضي الله عنه، في طول كلامك عنه، لم تذكره بكلمة توقير، ولم تترض عنه أو تستغفر له ولو مرة واحدة؟!

لا، بل طالبت بالتوقف عن الثناء عليه رضي الله عنه حين قلت: (لا بد أن ينتقد وتوقف المدائح والثناءات التي تدبج حول بطولته واستشهاده .. بل لابد أن نعيد النظر في هذه الحادثة وشخصية الحسين التي نذوق مرارة فعلته حتى اليوم..!)

أتُراك حرَمته إحسانك بترك الترضي عنه، أم حرَمتَ نفسك شرف محبته وموالاته والثناء عليه، رضي الله عنه وأرضاه.؟!

هل لاحظت أنك تكلمت عنه كلامك على عدو بغيض أو مجرم عالمي منبوذ؟!

لقد اتهمته في دينه فجعلته سبب الانحراف العقدي والفكري والسياسي في الإسلام!

وبأنه استجاب للعقول الخفية والأيادي الثعلبانية، وهو يعلم الصراع، ويعلم الفتنة!

واتهمته في نيته وإخلاصه حين قلت: ذهب مطالبًا بالدنيا تحت ذريعة أهل البيت..

واتهمته في رجولته حين زعمت أن (زوجته) الفارسية أثرت عليه وأملت عليه الاستجابة للعقول الخفية والأيادي الثعلبانية.

واتهمته في اجتهاده، وسبَبْتَه في ذلك سبا قبيحا حين قلت: يقولون اجتهد ..! لكنه اجتهاد في موقف خزي دنيوي وصراع على ولاية أمر .. ليرسخ في التاريخ قضية الاستبداد والتوريث... 

تنسب الخزي لسيدنا الحسين يا أستاذ أكرم؟!!!

واتهمته في رأيه وفي خُلُقه حين قلت: (فزينت له الفارسية مكانة نفسه من نفسه..)

سبحان الله!!

أليس لقائل أن يقول يا أستاذ أكرم: فمن الذي زيّن لك أنت مكانة نفسك من نفسك حتى ترى نفسك أهلا للتطاول على هذه القمة الشماء، ومناطحة هذا الجبل الصلد بجمجمة ضعيفة واهية ما خُلقتْ لهذا النطاح؟!!

واتهمته في بطولته وشجاعته! واتهمته في فدائيته وعزيمته! واتهمته بتبعة كل المآسي والدماء التي سُفكت بعده ظلما، وكأنك تتكلم عن ابن سبأ، أو عن أبي لؤلؤة، أو عن أتاتورك. وليس عن الصحابي الثقة العدل الشريف السبط الحسين بن علي رضي الله عنهما...!!

فهلا استغفرت له يا أخي ولو مرة واحدة، إن كنت ترى فيه كل هذه الموبقات!

ما هذا الغِلّ الغالي في الضغينة على سيدنا الحسين الذي يجلل تعليقتك هذه من ألفها إلى يائها؟!

أجدني أتساءل: هل هذا حقا كلام الأستاذ المربي والدكتور الفاضل الوديع الهادئ أكرم حريري، الذي عرفنا عنه اللفتات القرآنية اللطيفة، والمعاني التربوية الجميلة؟!

أليست يا أخي هذه شهادات منك على السيد الحسين رضي الله عنه، مكتوبة عليك، وأنت عنها مسؤول يوم القيامة.؟

أليس قد قال الله عز وجل: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19]

فما أغناك عن هذه الشهادة! وما أخوفك عليك من السؤال عنها!

ثم هل لهذه الضغينة المقيتة على الحسين رضي الله عنه، صلة أو تأصيل في مذهب أهل السنة والجماعة الذي ينتمي إليه الدكتور أكرم حريري؟

كلا والله، ومعاذ الله ثم معاذ الله.

ورحم الله العلامة الإمام إبراهيم اللقاني، صاحب "جوهرة التوحيد" إذ يقول فيها معبرا عن مذهب أهل السنة والجماعة:

وأوِّلِ التشاجرَ الذي ورد إن خُضتَ فيه واجتنب داء الحسد

هذا هو منهج جماعة أهل السنة والجماعة. وهم الميزان والمعيار في هذا الأمر.

فإذا خُيِّلت لك الضلالة في الأمة ممثلة في علمائها، وأن علماءها يشوهون العقول، فارجع إلى نفسك واتهمها بالخلل والتشويه، لأنك أنت الذي خالفت إجماع الأمة. فإن الأمة يا أخي لا تجتمع على ضلالة.

أوهام علمية:

حسبك دليلا على بطلان كلامك يا أستاذ أكرم، أن هواك حملك على تخيل أوهام باطلة، وحجب عنك حقائق علمية تاريخية ما كان يصح أن تخفى على مثلك.

وقد بنيتَ على تلك الأوهام وشيّدتَ، في الإزراء على سيدنا الحسين، وكَيلِ التهم الباطلة له جزافا، فكان بناء على شفا جرف هار، أعيذك بالله من سوء عاقبته.

الوهم الأول: زعمك بأن الحسين رضي الله عنه كانت له زوجة فارسية! 

وأنا أقسم لك على أنه ما كانت للحسين زوجة فارسية.

وإلا فقل لي: ممن خطبها؟ وماذا أمهرها؟ ومَن وليُّها الذي زوجه إياها؟!! 

إن المرأة الفارسية التي تتحدث عنها على أنها زوجة الحسين، لم تكن زوجته لا والله، وإنما كانت سُرِّيته، كانت أَمَةً له استولدها بمقتضى ملك اليمين. 

إنها سلافة بنت يزدجرد آخر ملوك فارس، كما سماها ابن خلِّكان في "وفيات الأعيان"

وتسمية السُّرِّية زوجةً تجَوُّزٌ لا يجوز في لغة العلم. فشتان بين الأمة والزوجة.!

ألا ترى أن مارية القبطية رضي الله عنها، لا تُعدُّ في أمهات المؤمنين، لأنها كانت سُرِّية للنبي صلى الله عليه وسلم، استولدها ابنَه إبراهيم بمقتضى ملك اليمين، لا بمقتضى عقد النكاح، فهي أم ولده صلى الله عليه وسلم، وليست زوجته.

ثم إن كنت منكرا على الحسين استيلاده جاريته الفارسية، فإن الأولى بإنكارك عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فإن عمر هو الذي أعطى الحسين تلك الجارية، كما أعطى أختها الثانية لعبد الله بن عمر، والثالثة لمحمد بن أبي بكر، بمشورة علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين.

وقد ذكر خبر ذلك الزمخشري في "ربيع الأبرار" فقال: إن قريشاً لم ترغب في أمهات الأولاد حتى ولدن ثلاثاً هم خير أهل زمانهم: علي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله. وذلك أن عمر رضي الله عنه أتِيَ ببنات يزدجرد بن شهريار بن كسرى سَبِيَّات، فأراد بيعهن، فقال له علي: إن بنات الملوك لا يبعن، ولكن قوموهن، فأعطاه أثمانهن، فقسمهن بين الحسين بن علي، ومحمد بن أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عمر، فولدن الثلاثة. انتهى من ربيع الأبرار [1 /281]

فما بالك يا أستاذ أكرم تقول: (لقد أخطأ الحسين بزواجه الفارسية). وما كان الذي تقصد إلا برأي خليفتين راشدَين؟! 

ثم ما بالك لا تُشرك معه في التخطئة عبد الله بن عمر، ومحمد بن أبي بكر، والتهمة عند الثلاثة واحدة متماثلة، إن كان هناك تهمة؟!

فلا والله ما كان ذلك زواجا، فضلا عن أن يكون خطأ، وما كان الحسين يعلم الصراع ويعلم الفتنة، كما اتهمته يا أستاذ أكرم، وأولى منه بعلم ذلك - لو صحّ - والده علي، وأميره عمر، رضي الله عنهم. وإلا فإن الحسين كان آنذاك في نحو الخامسة عشرة من عمره.

وإنما كان ذلك استيلادا بملك اليمين، وأنعم به من استيلاد أثمر هؤلاء الثلاثة الأعلام الذين كانوا أفضل أهل زمانهم دِيانة ورواية.

واما ادعاء أن الفارسية قد أمْلت على الحسين أو زينت له أو أوحت إليه أو أو... فنقول: هاتوا برهانكم. إن كنتَ ناقلا فالصحة، أو مدعيا فالدليل.

الوهم الثاني: في زعمك أن الحسين رضي الله عنه خرج مخالفا موقف الحسن رضي الله عنه، وأن الحسين يرفض موقف أخيه الأحلم والأكبر والأكثر وعيًا ... 

وكأنك يا أستاذ أكرم، قد كنت أحد حضور ذلك المجلس الموهوم، الذي بنيت عليه تفضيل الحسن على الحسين في الحلم والوعي، وجُدتَ عليه بالترضي الذي حجبته عن الحسين، وأن الحسين لو أذعن لمشورة أخيه ورأيه...

وأنا أؤكد لك يا أخي أن ذلك محض أوهام، فلم يكن للحسن رضي الله عنه رأي أبداه أو أخفاه في خروج الحسين إلى العراق، لسبب بسيط غير مركب، وهو أن الحسن لم يكن يومها من أهل الدنيا أصلا.

فقد كان لَحِق بربه قبل ذلك اليوم بما يربو على عشر سنين.

ومعلوم عند أهل التراجم والتاريخ أن وقعة كربلاء التي استشهد فيها الحسين رضي الله عنه كانت في شهر المحرم من سنة إحدى وستين من الهجرة.

أما الحسن رضي الله عنه فقد ذكره الحافظ ابن كثير في وفيات سنة تسع وأربعين من الهجرة. 

فليس له في مخرج الحسين إلى العراق رأي ولا مشورة ولا موافقة ولا مخالفة.

خاتمة

وأحب في هذه الخاتمة أن أذكّر نفسي وأخي الدكتور أكرم، وكل من قرأ هذه السطور، بأننا عندما نقرأ أو نسمع وقائع تاريخية تتعلق بالصحابة رضي الله عنهم، فليَسَعْنا قول الله عز وجل: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 134]

ولْيَسَعْنا ما وسع العلماء الثقات الأثبات من أهل السنة والجماعة من سلامة الصدر التي سبقت الإشارة إليها.

ولْنُراقبْ قلوبنا حذرا من أن تتغير فتستشعر البغضاء أو الازدراء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يؤمَن أن يستتبع ذلك الشعور كلاما باطلا من سبّ أو تهمة أو تجريح، وفي ذلك مهلكة الدين، من غير أن يغير ذلك من الوقائع الماضية شيئا. 

فلنأخذ العبرة من الوقائع، ولنحفظ قلوبنا من الغل، ولنذكر دائما خطورة ذلك على الدين بمقتضى الحديث القدسي الذي رواه البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ. 

ومَن أولى من الصحابة رضي الله عنهم بوَلاية الله عز وجل؟ ومِن أولاهم بها سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما

وهلمَّ فلأنقلْ لكم هذا النص النفيس للحافظ السخاوي رحمه، المشتمل على نُقُول نفيسة نافعة جدا، وذاتِ أهمية بالغة فيما نحن بصدده.

قال الحافظ السخاوي في كتابه: (فتح المغيث بشرح ألفية الحديث) في سياق الكلام على عدالة الصحابة وفضلهم رضي الله عنهم:

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بَعْدَ ذِكْرِ الْعَشَرَةِ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ: ثُمَّ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثَ فِيهِمْ، كُلُّ مَنْ صَحِبَهُ سَنَةً أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً أَوْ رَآهُ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ، لَهُ مِنَ الصُّحْبَةِ عَلَى قَدْرِ مَا صَحِبَهُ وَكَانَتْ سَابِقَتُهُ مَعَهُ وَسَمِعَ مِنْهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظْرَةً. فَأَدْنَاهُمْ صُحْبَةً هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْهُ، وَلَوْ لَقُوا اللَّهَ بِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَحِبُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَوْهُ وَسَمِعُوا مِنْهُ وَآمَنُوا بِهِ وَلَوْ سَاعَةً أَفْضَلَ بِصُحْبَتِهِ مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَوْ عَمِلُوا كُلَّ أَعْمَالِ الْخَيْرِ... إلى أن قال السخاوي: وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي (الِاسْتِيعَابِ) إِجْمَاعَ أَهْلِ الْحَقِّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، عَلَيْهِ، سَوَاءٌ مَنْ لَمْ يُلَابِسِ الْفِتَنَ مِنْهُمْ أَوْ لَابَسَهَا ; إِحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِمْ، وَحَمْلًا لَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ، فَتِلْكَ أُمُورٌ مَبْنَاهَا عَلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، أَوِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ، وَالْمُخْطِئُ مَعْذُورٌ، بَلْ مَأْجُورٌ.

قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَالتهَمِ ثُبُوتَ الْعِصْمَةِ لَهُمْ، وَاسْتِحَالَةَ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ قَبُولُ رِوَايَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ بِبَحْثٍ عَنْ أَسْبَابِ الْعَدَالَةِ وَطَلَبِ التَّزْكِيَةِ، إِلَّا إِنْ ثَبَتَ ارْتِكَابُ قَادِحٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، فَنَحْنُ عَلَى اسْتِصْحَابِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ، وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا يَذْكُرُهُ أَهْلُ السِّيَرِ ; فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَمَا صَحَّ فَلَهُ تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ: تِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهَا سُيُوفَنَا، فَلَا تُخَضِّبْ بِهَا أَلْسِنَتَنَا. انتهى.

أقول: أجل والله ما أجلَّها من حكمة أجراها الله تعالى على لسان سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه ورضي عنه: تِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهَا سُيُوفَنَا، فَلَا تُخَضِّبْ بِهَا أَلْسِنَتَنَا.

هذا والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين