لهذا جاؤوا إلى سوريا

 

أبو الفتح الفرغلي وأبو اليقظان المصري ومصلح العلياني وبدر العتيبي، وأشباهٌ لهم وأمثال، وعبد الله المحيسني معهم بالتأكيد. ظننّا ابتداءً أنهم جاؤوا لنصرة ثورتنا، ثم رأينا أنهم يحملون منهجاً يجتهدون في الانتصار له والدعوة إليه، ثم علمنا أخيراً أنهم ما جاؤوا لنصرة منهجهم والدعوة إليه فحسب، بل من أجل أمر هو أبعد من ذلك وأخطر بما لا يُقاس.

لقد جاء القوم إلى سوريا ليعيدوا إنتاج التجربة العراقية المُرّة، جاؤوا ليبيعوا سوريا لقاعدة سوريا (جبهة النصرة) كما باع أسلافُهم العراقَ لقاعدة العراق. فكما فرضت "قاعدة الرافدين" على الفصائل العراقية اندماجاً هيمنت عليه (مجلس شورى المجاهدين) وسخّرته لابتلاع الفصائل والقضاء عليها حتى ذهبت شوكة أهل السنّة في العراق، فكذلك يدفع هؤلاء لإنتاج اندماجٍ شبيهٍ تحت هيمنة الجولاني، لتبتلع جبهةُ النصرة الفصائلَ وتقضي عليها، فتضيع شوكة أهل السنّة في سوريا وينقلبوا إلى أسوأ مصير.

لقد رأينا الجهود المستميتة التي بذلها القوم أخيراً، واطّلعنا على بعض الفتاوى والدعوات الشاذة لاستئصال مَن يقف في طريق الهيمنة والابتلاع، وقرأنا البيان المشؤوم الذي أصدروه أمس، الذي سيجرّ الفصائل إلى الاقتتال والصراع الداخلي بحجّة الاندماج والتوحيد، وما هو بتوحيد ولا اندماج، إنما هو بغيٌ وتغلّب سيفتح على ثورتنا أبواب الجحيم.

لقد عرف الشعب السوري طريقه فلن يقبل أن تسطو "القاعدة" على ثورته، واستوعب الدرسَ فلن يسمح بأن تتكرر في سوريا التجربةُ المُرّة التي ضيّعت العراقَ وسُنّة العراق.

* * *

أنا لا أتهم هؤلاء النفَر في نيّاتهم، ولعل بعضهم أكثر إخلاصاً مني ومن كثيرين من أمثالي، لكنهم يقودون الثورة إلى الهاوية ويخدمون مشروع الأعداء، سواء أعَلموا أم جهلوا ما يفعلون. لا تهمّنا نياتهم، فإنها موكولة إلى الله وحسابهم عليه، إنما يهمنا أن يتوقفوا عن العبث بثورتنا ودفعها إلى الانتحار أو إلى هاوية بعيدة القرار.

على أنهم ما كان لهم أن يؤذونا هذا الأذى الشديد لولا أننا قدّمناهم وصدّرناهم في ثورتنا ليصبحوا باسمها ناطقين وفيها مؤثرين. ولو بحثنا عن المذنب الذي ارتكب هذه الخطيئة لوجدنا أن قادة أحرار الشام الراحلين يتحمّلون وزرها الأكبر، فهم الذين استقبلوهم ورفعوهم وقدّموهم على كثير ممّن هم أولى بالتقديم والتصدير من أهل الشام.

 وإنّا لنرجو للقادة الشهداء أن يغفر الله لهم هذا الذنب بعدما اعترفوا به وتراجعوا عنه، واجتهدوا في إصلاحه (فدفعوا الثمن) ولكنْ ما عذرُ القادة اللاحقين الذين بلغ بهم الضعف والعجز والتردد أن يتركوا سوسَ الغلوّ ينخر الحركة والثورة وهم صامتون عاجزون؟

اللهمّ إنّا نشكو إليك شَكاة عمر، نشكو إليك جَلَد أهل الباطل وعجز أهل الحق، ونسألك أن تنجّي سوريا وأهلها من الغلو والفساد والسواد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين