لن نسمح لهم بتدمير ثورتنا

 

قلت قبل بضعة أيام أن فريقاً من الناس يَسوقون الثورة إلى الهاوية، ولكنْ هل يحسبون أننا سنجاملهم ونسكت عنهم ونتركهم وما يصنعون؟ لا والله لا نفعل، ليس وفينا أنفاسٌ تتردد في الصدور ودماءٌ تجري في العروق. سوف ندعوهم إلى الحق، وسندعو لهم بالهداية، ثم سندعو عليهم إنْ أبَوا وأعرضوا، سنتضرع إلى الملك الجبار أن يأخذهم ويستبدل بهم خيراً منهم. سوف يعلو صوتُ حقنا على صوت باطلهم، ولن نسكت حتى يرتفع من أرضنا الظلمُ والبغي والعدوان.

 

في أول الثورة رأينا لصوصاً شوّلوا سيارات، وفي آخرها رأينا فصائل شوّلت فصائل، لا لسبب سوى أن الأولى قوية والأخرى ضعيفة، لأنّ القانونَ الذي صار بعضُ المنتسبين إلى الثورة يطبقونه هو قانون الوحوش والشريعةَ التي باتوا يتحاكمون إليها هي شريعة الغاب: القوي يأكل الضعيف.

 

إن الفصيل الذي سوّغت له قوته أن يسطو اليومَ على فصيل ضعيف سيأتي عليه يومٌ يسطو فيه على الوطن كله لو استطاع.

 

*   *   *

 

لقد بقيت الثورة السورية أعظمَ ثورات هذا الزمان حتى اخترقها الغُلاة والبُغاة. بقيت كذلك حتى وصل إليها مرض "التغلّب" الفتّاك، فأغرى كلَّ قوي بأن يأكل كل ضعيف، فمن الأقوياء من عصمَه دينُه وخلقه فتورّع عن العدوان رغم قدرته عليه، ومنهم من قاده شيطانه فوقع في الخطيئة! ثم ألبسَ بعضُ "الشرعيين" هذا البغي لَبوساً شرعياً عندما ضربوه بعصيّهم السحرية، فجادوا بالفتاوى التي تبيح البغي والظلم باسم الشرع، والشرع بريء منهم ومما يفترون.

 

لن تنتصر الثورة طالما بقي هذا المنهج الأعوج، لن تنتصر ثورة يُمارَس فيها الظلم باسم الله ويُغتال فيها الأبرياء باسم الله ويسطو فيها الأقوياء على الضعفاء باسم الله.

 

*   *   *

 

سوف تنتصر ثورتنا -بإذن الله- عندما نملك العقل والوعي لتمييز الخطأ ونملك الجرأة والشجاعة للأخذ على أيدي المخطئين. يعلّمنا ديننا العظيم أن السكوت عن الخطأ يُهلك صاحبَه ويهلك معه الساكتين عنه: "فإنْ تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإنْ أخذوا على أيديهم نَجَوا ونجوا جميعاً".

 

تنتصر ثورتنا عندما نكون صالحين مصلحين. يعلّمنا ديننا العظيم أن الصلاح وحده لا يكفي للنجاة، لا بد أن يكون الصالحون مصلحين وأن يمارسوا دور الرقابة والإنكار على المخطئين: {فلمّا نَسُوا ما ذُكِّروا به أنجينا الذين يَنْهَون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بَئيس بما كانوا يفسقون}.

 

تنتصر ثورتنا عندما نرفض الظلم أياً كان مصدر الظلم، فلا نسكت عن البغي ولا ندافع عن البغاة عصبيةً لمنهج أو فصيل. يعلّمنا ديننا العظيم أن استمراء الظلم والسكوت عن الظالمين سببٌ لتعميم العذاب والعقاب: "إنّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يَعُمَّهم الله بعقاب منه".

 

*   *   *

 

أخيراً: تنتصر ثورتنا بقوة الله لا بقوة أنفسنا، فنحن ضعفاء بأنفسنا أقوياء بالله، عاجزون بأنفسنا قادرون بالله.

 

إننا ننتصر بنصر الله لا بسلاح الداعمين، ولَدَعوةٌ صادقة مستجابة خيرٌ من ألف صاروخ من مضادات الدروع والطيران. ولكنّ الله لن يستجيب دعاءنا ونحن نسكت عن الظلم ونمالئ الظالمين: "والذي نفسي بيده، لتَأمُرُنّ بالمعروف ولَتَنْهَوُنّ عن المنكر، أو لَيوشِكَنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تَدْعونه فلا يُستجاب لكم".

 

اللهم إنا نعوذ بك من دعوة لا يُستجاب لها. اللهم إنا نعوذ بك من الظلم ونعوذ بك من الظالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين