لكي لا تنقلب برامج التواصل إلى أدوات للتقاطع (2-2)

 

إذا أردنا أن نطوّق هذه الظاهرة ونعالجها أو نخفف من آثارها فيمكن تقسيمها أولا إلى دائرتين:

الأولى: المعلومات غير الموثّقة، فكم الأحاديث والروايات والفتاوى والتقارير والإحصاءات التي تهبط علينا يوميا من غير مصدر لا حصر لها، وبعض الأصدقاء يظن أنه حينما يذيّل منشوره بكلمة «منقول» فقد أبرأ الذمة، وهذا غير صحيح، فإن كنت تعلم المصدر فاذكره، وإلا فلا تسند إلى مجهول، لأن هذا ليس بسند، وقد ساعد في انتشار هذه الظاهرة أن بعض العلماء والمفكرين يكتب لمجموعته مثلا دون ذكر اسمه لأنه معروف عندهم، ولكن نسخه ثم نشره في مواقع أخرى سيكون من غير اسم، ومن ثمّ فإني أقترح على كل من يكتب مقالة أورأيا أوتعليقا مهما أن يذيّل منشوره باسمه الصريح ليسهل الرجوع إليه والتوثّق منه، والتواضع في هذا الباب مفسدة ظاهرة، أما النقل عن الأعلام من غير سند أو مصدر فهذه يجب أن ترفض جملة واحدة، وأذكر بهذا الصدد أنه انتشرت منذ أشهر فتوى للشيخ ابن عثيمين -عليه رحمة الله-، وقد استغربت منها، فلما رجعت إلى كتبه رأيت الفتوى معكوسة تماما، أما إذا وصل الأمر إلى الأحاديث النبويّة الشريفة فينبغي أن يعلم المسلم أنه يرتكب اثما كبيرا حينما ينشر حديثا موضوعا، ولا عذر للجهل في هذا على الإطلاق.

الثانية: انتهاك الخصوصيّات والآداب العامة، وله صور كثيرة وشائعة، وإذا كانت الدائرة الأولى قد أسفرت عن مستوى الجهل والإهمال والفوضى الفكرية والعلمية، فإن هذه الدائرة قد كشفت عن مستوى الأخلاق والتديّن العملي لدى كثير من الناس، فترى بعضهم إذا تستّر باسم مستعار أباح لنفسه الكذب والبهتان والطعن بالأعراض، وما درى هذا المسكين أن اسمه المستعار قد يستره عن الناس ولكن بكل تأكيد لن يستره عن الله، والأسوأ من هذا أنك ترى صفحته مليئة بالآيات والأحاديث والمواعظ، وكأنه كان يتقرّب إلى الله بتلك الأخلاق السيئة والألفاظ البذيئة!

على مستوى أخف بكثير لكنه لا يليق أيضا ما تجده في بعض المجموعات الخاصّة والمحدودة، وهؤلاء يفترض أن بعضهم يعرف بعضا، فتجد مثلا منشورا لأحد الفضلاء أو كبار السن عن موضوع جاد، فتجد المنشور الثاني عبارة عن نكتة، وأقبح من هذا أن تأتي هذه النكتة أو الطرفة المضحكة بعد خبر وفاة! وقد رأيت هذا في أكثر من مجموعة، والظاهر أنا أخانا ينشر ما يقع بيده دون أن يقرأ المنشورات السابقة.

هناك أيضا حالات من الإزعاج والإثقال بكثرة المنشورات التي لا معنى لها ولا لتكرارها، وهي ليست سوى نوع من «الثرثرة»، وأذكر أن أحد الأصدقاء عاتبني لأنه وجّه لي سؤالا شرعيا فلم أجبه، وحينما رجعت إلى المجموعة وجدت سؤاله قد غاص في موج من الصور والتسجيلات، وهذه مفسدة أخرى تقتل روح التواصل المطلوب، فمن حق السائل أن يتلقى الجواب، وتضييع سؤاله بهذه الطريقة ومن غير ضرورة ليست من أخلاق المسلم مع أخيه.

إن برامج التواصل هذه لا شك أنها من أفضل ما أنتجه العقل البشري لتقريب المسافات وتوثيق العلاقات، وهي نعمة كبيرة إذا أحسنا استعمالها، والشكر أن لا نستعين بنعم الله على معاصيه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين