قالوا عن الشيخ محمد سعيد الطنطاوي بعد وفاته (2)

انتشر نبأ وفاة العلامة الداعية المربي الشيخ محمد سعيد الطنطاوي على وسائل التواصل، وعلق الكثير من الإخوة المحبين له والعارفين بفضله على إثر هذه الفاجعة بفقده، وقد رأيت جمع ما وقفت عليه من كلمات وتعليقات في هذه المناسبة، وهذه الحلقة الثانية مما وقفت عليه:

كتب الأستاذ عصام العطار: 

بَلَغَني الآن وأنا في شِدَّةِ المرضِ والألم نبأُ وفاةِ أخي وصَديقي على امتِدادِ حَياتي وفي مختلفِ ظروفي وأحوالي محمد سعيد الطنطاوي

لا يعرِفُ قيمةَ هذا الفقيدِ العظيم إلاّ من عرَفَ الحَياة وعرف محمد سعيد الطنطاوي في واقِعِ الحَياة

أنا لا أعرفُ فيمَن عرفتُ في هذِهِ الدنيا أعبَدَ من محمد سعيد الطنطاوي ولا أزهدَ منهُ ولا أكرمَ ولا أشجع.

رَحِمَهُ اللهُ تعالى وعوَّضَ الإسلامَ والمسلمين منه أحسن العوض

وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

وكتبت ابنة أخيه بيان الطنطاوي:

إنا لله وإنا إليه راجعون

خاتمة العقد الطنطاوي وآخر الإخوة يلحق بمن سبقه..

العم محمد سعيد الطنطاوي لبَّى نداء ربه اليوم..

رحمك الله يا عمي وغفر لك، وجعل معاناتك أجرا وأكرم نزلك، ووسع مدخلك، وبارك حسناتك، وتجاوز عن سيئاتك.

وكتبت ابنة أخيه أمان الطنطاوي:

حينما مات ابن عمي عامر بن عبد الغني رحمه الله، حضر عمي محمد إلى المشفى وقال: 

جبلت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذار والأكدار. واليوم اقولها وقد فارق عمي الحبيب محمد (الشيخ سعيد الطنطاوي) الحياة وهو راض مرتاح، كلما سألته كيف حالك؟ يقول: الحمد لله.

الحمد لله؛ جمعنا الله وإياه والأحبة في جنان الخلد.

وكتب لي تلميذه الدكتور صالح معتوق: 

الشيخ محمد سعيد الطنطاوي علم من أعلام العصر

كان أعجوبة في الحفظ والإتقان والذكاء. هو بحق بقية السلف الصالح في علمه وسلوكه وصدعه بالحق.

لقد استفدت منه خلال دراستي في جامعة أم القرى من أواخر سنة 1975 الى أواخر سنة 1989 ما لم أستفده من الجامعة.

هو عالم موسوعي بكل ما تعنيه كلمة موسوعي فقيه حنفي واديب وشاعر وحافظ للتاريخ الاسلامي في جميع حقباته تبهرك شخصيته وثباته على الحق يتمثل كثيرا بقول القائل:

اسلك سبل الهدى ولا يضرك قلة السالكين

واترك سبل الضلالة ولا يغرك كثرة الهالكين.

ترددت عليه كثيرا بحيث لا يمر أسبوع دون لقائه مرة أو مرتين وأحيانا خمس مرات في الأسبوع.

لذا فإني مدين لهذا العالم الفذ بالكثير من الفضل.

ولعل الله تعالى ييسر لي ان أكتب شيئا من ذكرياتي معه. لأقضي شيئا من حقه عليَّ. 

وكتب الأستاذ الشاعر جميل جانودي: 

عاش للبيت العتيق مجاورًا...

أكرمني الله بزيارة له في بيته، مجاورًا للبيت العتيق، فرأيت منه ما قلَّ أن يُرى عند غيره، رأيت شبابًا تمرد على الشيخوخة، وحيويَّة ونشاطًا تمرَّدا على الدَّعة والخمول، ورأيت نضارة في الوجه تشرق نورًا وبهاء، ورأيت ذكاءً يكاد شعاعه يأخذ بالألباب... كما رأيت منه تواضعًا عزيزا، ولينا شديدًا، وعلمًا غزيرا، ولسانًا تتفجر منه الحكمة تفجيرا...يقوم بنفسه على خدمة ضيوفه، ولا يرد من أراد منهم أن يقدم أي خدمة عنده ليشعره بأنه صاحب بيت لا ضيف...

كم تمنيت لو يُتاح لي أن أزوره مرارًا، فمن زاره أخذ منه كثيرا، واقتبس من حكمته ما يملأ قلبه من مبهراتها، ومن علمه ما يحميه من زيغ الدنيا ومتاهاتها...

كل ذلك تكثف مجتمعًا بين جوانحي وفي ذاكرتي حين بلغني خبر وفاته عصر الأمس الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر المحرم عام إحدى وأربعين وأربعمئة وألف للهجرة الشريفة، و الرابع والعشرين من شهر أيلول لعام تسعة عشر وألفين (الميلادي)...فلم أعجب لما سمعت، فنحن نعيش زمن القبض... قبض العلماء، ليبقى بعد ذلك الجهل مخيمًا على العقول، فيسود الضلال والإضلال، والفساد والإفساد...وهو الجزاء الوفاق لأمة تنكرت لعلمائها، وأسلمت قيادتها لسفهائها، وجُهالها...

رحم الله الشيخ الجليل سعيدًا الطنطاوي، الذي طال عمره، وحسُن عمله، وكثُر عطاؤه، وطاب زاده...رحمه الله وغفر له وجعله في مقعد صدق عند مليك مقتدر...

يا زمان القبض رفقًا وانتظرْ===كل نجمٍ فيك أضحى يحتضر

ملّ دنيا شابها ما شابهـــــــا===في المآسي يا صديقي تستعرْ

ملّ من زورٍ تجلّى في الضحى===علنًا، حينًا وحيــــنًا يستترْ

ملّ من جورٍ تفشى في الورى===فغدا منهم كثـــيـــرٌ ينــتحر

يا زمـــان القبض مهــــلًا إنـنـا===في سجون مظلماتٍ ننقبر

فيك نجم سطعـــــــت أنواره===كل راءٍ لسنــــاهُ ينبــــــــهـرْ

فيك طــودٌ قد أبى أن ينحني===للعوادي أو بـــذلٍ ينْــــــكسر

عــلَمٌ في الصبر لم يُعهد له===من نظير، يــوم بأس يصطبر

لم نجد كفءًا له بين الورى ===قانعًا في عيشه، لا يغتــــرر

في متـاعٍ زائلٍ في ذي الدّنى===زاهد، من كل خطب يعتبــر

ما شكا من حاجة يـــومًا ولو===كان في أمر عصيب وعسر

قــــــد تربَّى بين إخــــوانٍ له===فغدا للحق يمـضي ينتصـــر

بسعيد قـــــد تسمــى فــــبـــدا===برضى مولاه يحظى ينغمر

عاش للبيت العتيق مجاورًا===هانئًا في ظـــله، لـــم ينكــــدر

وقضى بين أهــــلٍ راضيًا===طامعــًا في ذنبه أن قــــــد غُفر

يا لطيفًا بالعبــاد الطف به=== في جنــانٍ، تحت ظــلٍ مستمرْ

آل طنطاوي كفــاكم سؤددًا===ذكركــم في كل نـــاحٍ مُنــتشر

الأربعاء 26/المحرم/1441 و 25/أيلول/2019

وكتب الدكتور أحمد عبد العال: 

رحم الله الشيخ سعيد مربّي الأجيال وصانع الرجال الزاهد العلامة المحقق، وصدق من قال: ذهب الرعيل الاول من التابعين وتركوه ...

أذكر من زهده أنه كان يسكن بحيِّ العتيبية بمكة المكرمة قبل عام ١٤٠٠هـ، وكان مستشارا لمدير جامعة أم القرى وقتئذ وكان يسكن في بيت متواضع بأثاث متواضع جدا ليس فيه مكيف كباقي الناس في قيظ مكة وشدة حرارتها، وكان يسير على قدميه بعد العصر إلى الحرم الشريف بحذاء بلاستيكي في أوج حرارة الصيف وسخونته، وكان يرفض أن يركب مع أحد بسيارة إلى الحرم، وكان بيته موئلا للأحبة والصالحين والعلماء الذين يفدون إلى مكة حرسها الله من أقطارها ليسمعوا منه كلمة أو ليتزودوا منه بحديث ويخرجوا من عنده وقد سمعوا منه كلاما صريحا لا مواربة فيه وإن كان لا يروق لبعضهم فإن هدفه رضا الله تعالى لا رضا الناس .

وتفضل عليَّ مرة بزيارة في منزلي في حي جرول بمكة المكرمة وما إن دخل البيت حتى انقطع التيار الكهربائي فجأة فقمت مسرعا لأحضر شمعة أو شيئا يبدد الظلام الحالك، فقال رحمه الله: اجلس ولا تفعل شيئا وأنا سأزورك لنصف ساعة وليس من شرط الزيارة أن تراني وأراك ويكفي أن نسمع لبعضنا وذلك لا يحتاج إلى كهرباء 

وكان عندي وقتئذ ثلاثة من الأولاد تعرَّف على أسمائهم وبعد أربعين سنة كنا في لقاء معه رحمه الله فذكر لي أسماء الأولاد وأعمارهم ولو سئلت أنا عن أعمارهم لربما استغرق ذلك مني وقتا ومراجعة وسؤالا. 

لقد كان يتمتَّع بذاكرة عجيبة وحافظة قوية حتى آخر أيامه وقد لمست ذلك في آخر زيارة له مع بعض الاخوة منذ أشهر...... رحمه الله وجعل الفردوس الأعلى من الجنة مثواه وعوض الامة خيرا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين