قارئ الأخبار بين المهنة و الرسالة أكل العيش مر

 مهما قيل في طبيعة دور قارئ النشرة الإخبارية  فانه يبقى في النهاية صاحب مهنة معاشية يؤدي دورا وظيفيا لا يمكنه أن يزيد فيه أو ينقص عنه .

في حالات محدودة يتوافق الرأي السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي لقارئ الخبر مع خيار المحطة التي يعمل فيها ويشعر برضى عن ذاته وهو يؤدي الدور المطلوب منه داعيا إلى ما يدعو إليه كاتب الخبر أو محذرا منفرا منه . ولكن في عالم الفكر والثقافة والسياسة المضطرب الواسع كثيرا ما يطلب إلى قارئ الخبر أن يرسل الرسالة التي لا يؤمن بها ، وان يروي الراوية التي يعرف بطلانها ، ويردد القول الذي يستنكره وكأنه الداعي إليه أو صاحبه .

وكلما كانت المفارقة بين المذيع  ومضمون الخبر كبيرة كان الفصام  النفسي حادا بحيث يحدث لدى قارئ الخبر حالة من الاهتزاز النفسي يجعله  يعتقد انه ينال من إنسانيته  أو يسخر من عقله أو يصطدم بما يؤمن ويعتقد .

 تشكل الثورة السورية اليوم  بكل أبعادها و تداعياتها وتفاصيلها امتحانا صعبا لكثير من العاملين في فضاء الخبر العالمي أو العربي . هؤلاء الذين تفرض عليهم ظروف المهنة – وأكل العيش مر – أن يدافعوا عن جرائم بشار الأسد وجرائره أو عن جرائم الكيان الصهيوني وجرائره من قبل ومن بعد ...

فصانعو الإعلام الأخفياء في هذا العالم ما زالوا مصرين على الانحياز المباشر بذرائع أوهى من خيط عنكبوت إلى مشروع الظالم المستبد الفاسد القاتل . وكل وصف من الأوصاف السابقة له ملفاته الخاصة التي يمكن أن تحكم على من يجد الذرائع لمثل هذا (الظالم المستبد الفاسد القاتل ) تحكم على صاحبها بالسقوط المدوي إنسانيا وحضاريا وثقافيا .

 قبل أن تقوم الثورة في سورية كان الكثير من القوى المجتمعية الإنسانية الثقافية تلمز الشعب السوري في حضارته وإنسانتيه على حاكم ينتج مثل هذه المنتجات التي كانت تشير إليها تقارير التنمية البشرية بالقبول والخضوع والإذعان . قال لي أحدهم يوما وهو مسئول كبير في دولة إقليمية : يا أخي لا بد للشعب أن يتحرك ثم تعتبون إن لم تجدوا النصرة التي تستحقون . وأما وأنتم خاضعون فلا تنتظروا نصرة من أحد !!

لم تكن ثورة الشعب السوري إذا تحتاج إلى الكثير من المبررات  لكي تجد نصرتها ودعمها وتأييدها  لكل من يؤمن بأن حركة التاريخ تعني التقدم والتطور والنماء .

أصحاب الرسالة الإعلامية العالميين المضادة للثورة السورية أو لثورات الربيع العربي أجمع  يحتجون أحيانا بذرائع واهية من حيث يحاولون أن يصوروا الثائرين على الظالم المستبد القاتل ليسوا أفضل حالا منه في كثيرا من تصرفاتهم التي يتم ، عبر منهجية محددة النفخ فيها ، ويتناسى هؤلاء ان الثورة هي في الأصل ثورة على الأرض اليباب التي أباد خضراءها  المستبد القاتل ، هي ثورة على حالة العقم بكل ميادينه التي أنجزها هؤلاء المستبدون على مدى قرن من الزمان .

أبسط سؤال يطرحه إنسان مثقف على نفسه أي انجاز قدمه حافظ وبشار الأسد على مدى نصف قرن من حكم سورية ؟!  قدموا لنا على سبيل التمثيل والتقريب والتعليم والإقناع  أنموذجا ملموسا اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا .

ثم إن هؤلاء الذين يتذرعون في دفاعهم عن مشروعات الظلم والتخلف بالأخطاء التي يتصيدونها في سلوك الثوار ، ولا نريد أن ننفيها ، إنما هم من الذين يرتقبون أن تنجب الثورة مولودا قويا قادرا بلغ أشده واستوى وان تنجز قبل أن تضع حملها ما لم ينجزه المستبدون في قرن من الزمان .

مرة أخرى نعود إلى رجال الإعلام وقرّاء  النشرات الإعلامية ومعدي التقارير والتحاليل وعازفي المقطوعات الموسيقية والمتبجحين بالحديث باسم الحقائق الكونية الكبرى ( الحق والخير والحرية والإنسان ) لنذكرهم بأنهم إنما يصدرون أحكاما قاسية على أنفسهم ، على إنسانيتهم وأخلاقيتهم وجلاد الزنازين الذي يلهب ظهور ضحاياه بسوطه يقول في نفسه أيضا : الله يلعن أبو هالشغلة أكل العيش مر ...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين