عبد الأعلى العلبي

1344هـ ـ 1925م

الشيخ عبد الأعلى بن الشيخ محمود بن الشيخ أحمد العلبي الحنفي الحلبي.

القاضي الشرعي في مدينة حلب، فقيه، عالم، فاضل.

ولد الشيخ المترجم له في مدينة (الرقة)، حيث كان والده يعمل قاضياً فيها، وتلقى تعليمه الأولي على يد والده، فأخذ عنه مبادئ العلوم العربية والشرعية، وحفظ عليه شيئاً من القرآن الكريم، وبعض المتون في العربية والفقه والفرائض وغيرها.

 ثمّ رحل مع أهله إلى مدينة حلب، وهو ما يزال في المرحلة الابتدائية، فدفع به والده إلى مدرسة الحفاظ، ليتمّ بها حفظ القرآن الكريم على يد كبار القراء في مدينة حلب في ذلك الحين، أمثال الشيخ الحافظ أحمد المصري، والشيخ الحافظ بكري ناطور، والشيخ الحافظ المتقن الشيخ محمد نجيب خياطة، شيخ القراء في حلب، وقد أخذ عنه علم القراءات.

وما أن أتم الشيخ المترجم له دراسة المرحلة الابتدائية، وكان قد أنهى حفظ القرآن الكريم، حتى انتسب إلى المدرسة (الخسروية) التي أضحت تعرف بعد انتسابه لها باسم (الكلية الشرعية)   ـ الثانوية الشرعية ـ وفيها التقى أكثر شيوخه تأثيراً في تكوينه العلمي والفكري من علماء حلب الكبار، وتابع تحصيله عليهم فيها بجد واجتهاد، فأخذ عنهم معظم العلوم الشرعية والعربية والكونية.

فقد أخذ القرآن الكريم تلاوة وتجويداً على شيخه الشيخ محمد نجيب خياطة، وأخذ علم القراءات على شيخه الشيخ عمر مسعود الحريري، وأخذ علم الحديث الشريف ومصطلحه على شيخه محدث حلب ومؤرخها العلامة الشيخ محمد راغب الطباخ، وقرأ الفقه الحنفي وأصوله على شيوخه الشيخ مصطفى الزرقا، ثم الشيخ محمد الرشيد، والشيخ أحمد الكردي، ودرس التفسير على شيخه الشيخ أحمد الشمّاع، كما أخذ علم الأخلاق على شيخه الشيخ عبد الله الحماد، ودرس قواعد اللغة العربية نحوها وصرفها على شيخه الشيخ أسعد العبجي، والسيرة النبوية على شيخه الشيخ عبد الوهاب سكر، كما التقى في هذه المدرسة المباركة، عدداً من العلماء الأفاضل، أخذ عنهم بعض العلوم الكونية، كعلم الأشياء والجغرافية والحساب وغيرها، وأتم الشيخ دراسته في (الكلية الشرعية)، وتخرج فيها مع الدفعة الثانية بعد تسميتها بـ (الكلية الشرعية)، وذلك سنة: ست وستين وثلاثمئة وألف للهجرة، الموافق لعام: ستة وأربعين وتسعمئة وألف للميلاد .

لم يكتف الشيخ عبد الأعلى بما حصل من العلوم في (الكلية الشرعية)، بل تابع دراسته ليحصل على الشهادة الثانوية (الفرع الأدبي)، ثمّ أعلن عن بعثة علمية إلى مصر، للدراسة في الأزهر الشريف، وفاز الشيخ المترجم بهذه البعثة، نظراً لتفوقه في (الكلية الشرعية)، والتحق بكلية الشريعة في جامعة الأزهر، وأتم الشيخ دراسته في السنة الأولى من كلية الشريعة، ورأى في نفسه القدرة على دراسة فرع آخر من العلوم فانتسب إلى كلية الحقوق في جامعة القاهرة، وراح الشيخ يتابع دراسته في الكليّتين معاً حتى تخرج بهما، ثمّ تقدم بطلب إلى وزارة الأوقاف لتمديد بعثته عاماً آخر، ليتمكن من الحصول على شهادة التخصص في القضاء الشرعي، وينهي دراسته في كلية الحقوق، وفعلاً استطاع المترجم في العام الثاني الحصول على الإجازة من كلية الشريعة، مع التخصص في القضاء الشرعي، وإجازة من كلية الحقوق من جامعة القاهرة، ليعود إلى موطنه موقراً بما حصله من العلوم الجمة.

وفي القاهرة، التقى الشيخ المترجم له عدداً من الشيوخ العلماء، الذين شكلوا تفكيره، وطريقة تعامله مع المشكلات والمسائل العلمية والفقهية، أمثال: الشيخ عبد الوهاب الخلاف، والشيخ محمود شلتوت، بالإضافة إلى شيوخه الذين تتلمذ عليهم في (الكلية الشرعية) في حلب، وإن كان الشيخ معجب أشد الإعجاب بمنهج شيخه الشيخ الإمام محمد أبو زهرة، وكان من زملائه في الدراسة الشيخ الدكتور إبراهيم السلقيني والشيخ الدكتور محمد علي الصابوني، والشيخ الدكتور عدنان سرميني، والشيخ عبد الله علوان، والشيخ محمد العلاف، والشيخ محمد الدباس، والأستاذ الشيخ أحمد مهدي الخضر، وغيرهم.

وفي مصر، عانى الشيخ الكثير من المصاعب، وخاصة عمله على النجاح في كليتين معاً تحقيقاً لرغبته في الاستزادة من العلم، الذي نذر نفسه لتحصيله، وليحقق أمل والده الشيخ محمود، الذي كان يأمل في عودة ولده من مصر موفر الحظ من العلوم الشرعية والقانونية، لكنّ شاء الله أن يتوفى والده قبل انتهائه من الدراسة في القاهرة بعامين، مما زاد من معاناة المترجم والصعوبات التي كانت تواجهه في دراسته.

في عام 1954 م، عاد الشيخ المترجم إلى موطنه حلب، لتنهال عليه الوظائف والمناصب الإدارية والعلمية، وأول عمل قام به المترجم له بعد عودته تدريس مادة الفقه الإسلامي والتفسير في المدرسة (الخسروية) ـ الثانوية الشرعية ـ ليقوم بأداء بعض حقوق هذه المدرسة، التي كونت نواة علمه وتفكيره، بعدها انتقل إلى مديرية المعارف في حلب، ليكون مدرساً في عدد من مدارسها التجهيزية، وفي دار المعلمين عاد بعدها إلى مديرية الأوقاف، ليتولى منصب مدير الديوان فيها، وبعد أدائه لواجبه في خدمة العلم، عاد إلى موطنه، عام: 1960 م، انتقل إلى وزارة العدل، وراح يتقلب في مناصب القضاء على الشكل التالي:

•  قاضياً شرعياً في مدينة عفرين.

•  قاضياً لمحكمة الصلح في مدينة أريحا.

•  قاصياً لمحكمة الصلح في مدينة اللاذقية.

•  قاضياً شرعياً في مدينة حلب.

•  قاضياً لمحكمة البداية في مدينة الرقة.

•  قاضيا في محكمة الاستئناف في مدينة الرقة.

•  قاضياً لمحكمة الجزاء في مدينة إدلب.

•  قاضيا شرعيا في مدينة حلب مرة ثانية، وبقي في منصبه هذا إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 1978 م.

كان الشيخ عبد الأعلى خلال توليه مناصب القضاء هذه، مثال القاضي النزيه العادل متمسكاً بالمبادئ الإسلامية التي ورثها من آبائه، وتعلمها في المدرسة (الخسروية) في حلب، وفي الأزهر الشريف في القاهرة، وحرص عليها طوال حياته.

وبعد تقاعده من القضاء، عمل الشيخ المترجم في مهنة المحاماة، فترة تقارب العشرين عاماً، كان فيها أيضاً متمسكاً بالدفاع عن المظلومين، مبتعداً عن كلّ قضية فيها إضاعة لحقٍ من حقوق الناس، وفي هذه المرحلة من حياة الشيخ تولى الخطابة في جامع (الروضة)، وظل خطيبه مدة عشر سنوات، امتدت من عام :1980 إلى عام 1990 م فكثر طلابه ومحبوه، الذين أعجبوا بخطبه المؤثّرة وبصوته الشجي بقراءة القرآن الكريم.

وفي عام 1998 م، ترك الشيخ مهنة المحاماة، وتفرغ للعبادة والبحث العلمي، وتأليف بعض الكتب في التربية والتفسير، وغير ذلك من الموضوعات.

 ومن الكتب التي ألفها الشيخ المترجم له:

•  آفات اللسان وعلاجها (مطبوع).

•  آفات القلب وعلاجها، (مطبوع).

•  تفسير سورة الحجرات (دراسة تحليلية) لم يطبع.

•  أبحاث في الأعلام قيد الإنجاز.

طيب القلب، نقي السريرة، هادئ الطبع، شديد التواضع، حنون، عطوف على أهله وأقاربه وإخوانه، كثر الصمت، فإذا نطق أوجز، وجاء بالحكمة والموعظة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، آلف مألوف، يحبه كلّ من يعرفه ويخالطه.

طويل القامة، أسمر البشرة، جميل الوجه، مهيب الطلعة، منور الشيبة، تزين وجهه لحية بيضاء جميلة.

حفظ الله شيخنا المترجم ونفع به

المصادر والمراجع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.            مقابلة شفهية جرت مع المترجم له في بيته مساء يوم 4/1/2011

2.            ترجمة خطية تفضل بها ابن أخيه الأستاذ محمد.

3.            مقابلة شفهية مع الشيخ محمد عاكف علبي، جرت في جامع المدرسة (الخسروية)، صيف عام 2006 م.

4.            مذكرات المؤلف

----------

[1] ([1]) انظر حديثنا عن المدرسة الخسروية في كتاب التعليم الشرعي ومدارسه في حلب في القرن الرابع عشر.

[1] [1] تخرج مع المترجم له في هذه الدفعة كلّ من وحسب تسلسل نجاحهم: بهاء الخطيب، عبد الأعلى العلبي، (المترجم له)، سليم الأحدب، أحمد الصباغ، محمد جمعة.  (عن سجلات المدرسة الخسروية)