شمول العلم وتنوعه في  القرآن الكريم

 

العلمُ الذي دعَا إليه الإسلامُ، وحثَّ عليه القرآن والسنَّة: هو كل معرفة مستندة إلى الاستدلال. ولهذا لا يعدُّ علماء المسلمين التقليدَ علماً، لأنه اتِّباع لقول الغير بلا حجَّة.

 

وعلى هذا يشمل العلم في الإسلام مجالات عدَّة تقصر عن الدلالة عليها كلمة «العلم» بمفهومها الغربيّ الحديث.

 

فيشمل العلم مجالَ «ما وراء الطبيعة» ممَّا جاء به الوحي، فكَشَفَ به عن حقائق الوجود الكبرى، وأجاب به عن الأسئلة الخالدة التي حيرت الإنسان منذ فكر وتفلسف، وهي: من أين؟ وإلى أين، ولم؟

 

بالجواب عن هذه الأسئلة عرف الإنسان مبدأه ومصيره ورسالته، عرف نفسه وعرف ربه واطمأنَّ إلى غايته.

 

وهذا أوْلى ما يطلق عليه لفظ «العلم»، بل هو كما يسميه الإمام ابن عبد البر (العلم الأعلى)[1].

 

ويشمل العلم مجال (الإنسان) وما يتعلق به من دراسات، تبحث عن جوانب حياته، وعلاقاته المكانيَّة، والزمانيَّة، والنفسيَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، والسياسيَّة، وغير ذلك مما تهتم به العلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة.

 

ويشمل العلم مجال (الماديَّات) المبثوثة في الكون عُلويِّه وسفليِّه، وهي تتضمَّن علوم الطبيعة، والكيمياء، والأحياء، والفلك، والطب، والهندسة، وغيرها، مما يقوم على الملاحظة والتجربة.

 

وهذا المعنى أو هذا المجال، هو الذي يقف عنده الغربيون اليوم، لا يجاوزونه إذا تحدَّثوا عن «العلم» لأنه وحده الذي يخضع للاختبار والقياس، وتحكم عليه المشاهَدَة والتجربة، ويمكن إدخاله «المعمل» أو «المختبر».

 

وأقول: إن الإسلام لا يقف عقبة في سبيل هذا النوع من «العلم» الذي تُعتبر المادة موضوعاً له، ولا يعدُّه مقابلاً للإيمان، أو معادياً له، كما اعتبرت ذلك أديان أخرى في مراحل تاريخيَّة معيَّنة.

 

بل أقول بكل صراحة واعتزاز: إنَّ تعاليم القرآن والسنَّة قد هيَّأت المناخ النفسيَّ والعقليَّ الذي ينْبت فيه هذا العلم، بحيث ترسخ أصوله، وتمتدّ فروعه، ويُؤْتي أُكُلَه بإذن ربِّه.

 

من كتاب : " الرسول والعلم" 

 

[1] - جامع بيان العلم (2/795).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين