رموز العلمانية العربية يصرّحون...

خلافا للأزمنة الماضية لم تعد العلمانية العربية المتطرّفة مقنّعة ولا سالكة لطرق ملتوية, فهي لا تتخذ من الدين – أي الإسلام – موقف الحياد بل تعلن عن رفضه وتهاجم فلسفته وأحكامه وأخلاقه وشعائره ومنتسبيه, لقتناعها بعد التجارب المختلفة بأنها فاشلة متآكلة ما دام هناك إسلام يتخذه أتباعه منهجا للحياة وما دام هناك دعاة – أفراد ومؤسسات ودوائر متنوّعة – تعمل لتثبيته في القلوب ونشره في أرجاء الأرض، فقد أثبتت التجارب السياسية والمعايشة الثقافية والاجتماعية في طول البلاد العربية وعرضها أن الجماهير ملتفّة حول المشروع الإسلامي ورافعي لوائه ومنصرفة تماما عن الاتجاه العلماني الذي لا يستقطب سوى أقلية تغريبية كثيرا ما تكون تحت تأثير أو توجيه مباشر من دوائر غربية تواصل سعيها للامتداد في الأمة لعرقلة تحرّرها وإثبات وجودها الحضاري.

وتجدر الإشارة إلى أن العلمانية العربية كتلة صمّاء لا تستمع إلى رأي مخالف ولا تقرأ لمخالفيها بل تنطلق من مسلّمات لديها لا ترضى بأقلّ من فرضها على أصحاب الفكر والرأي وعلى الجماهير، فمن رفَض الانصياع لإملاءاتها فهو متعصّب متخلّف وهو إرهابي أو مشروع إرهابي، وقد كشفت التطوّرات الحاصلة على الساحة العربية في السنوات الأخيرة زيف هذه العلمانية وكذب ادعائها الدفاع عن الديمقراطية وانحيازها للشعوب وتقديسها للحريات الفردية والعامة، وأبانت من خلال التجربة الحية عن خلفيتها الاستبدادية ونهجها التصادمي مع أغلبية الأمة ، لكنّ الأخطر في الأمر أن بعض أكبر رموزها تركوا التورية التي انتهجوها منذ زمن وأصبحوا يصرّحون بتبنّيهم للمنهج الدكتاتوري الدموي من أجل عرقلة المشروع الإسلامي وفرض الإختيار العلماني قسرا لأن التعويل على اختيار الشعب الحرّ لتمريره ضربً من المستحيل في بلادنا كما أكدت التجارب في المشرق والمغرب، ويكفي التأمل في ما كتبه اثنان من أبرز الوجوه العلمانية المتطرّفة ذات المصداقية في أوساطهم للتأكد من منحاهم الجديد المتّسم بالعدوانية الصريحة تجاه الشريعة والأخلاق والقيم الإسلامية، وهما الأردني شاكر النابلسي والتونسي المقيم في فرنسا لعفيف لخضر، مع  ملاحظة أنهما يستعملان مصطلح " الليبرالية" في تنظيرهما بدل العلمانية كطريقة للتشويش والتمويه،مع العلم أن لعفيف لخضر كان من منظري اليسار الماركسي وهو اليوم منظّر ليبرالي...

·        حقيقة ديمقراطيتهم: يقول شاكر النابلسي: "الليبرالية في العالم تنتظر الآن قائداً سياسياً شجاعاً، كالخليفة المأمون وكمال أتاتورك والحبيب بورقيبة ليأخذ بيدها ويتقدم بها الصفوف  ".

ويقول: " نقول دائماً أن الحداثة والليبرالية تحتاجان إلى قرار سياسي"...   أي لاعبرة بالشعب وتوجّهاته واختياره الحرّ, بل كلمة الفصل للقرار الفوقي والحسم الدكتاتوري المتّسم دائما بالعنف وتجاوز الإرادة الشعبية.

ومن مضحكات هؤلاء " الديمقراطيين " أنّ الليبرالي لعفيف لخضر كتب مقالا بعنوان " كونوا حزب الملك لإنقاذ المغرب " يحاول فيه إقناع النخب السياسية المغربية بالتحالف مع النظام الملكي للوقوف ضد الإرادة الشعبية ذات التوجه الإسلامي... فلا عبرة – مرة أخرى – بتعددية فكرية وحزبية ولا بانتخابات ولا نظام أغلبية وأقلية لأن كلّ هذا يعرّي العلمانية ويعيدها إلى حجمها الطبيعي أي يقصيها من تسيير شؤون الأمة المتمسّكة بالمنهج الإسلامي ويمكّن للمشروع الذي يقضّ مضاجع دعاتها وأتباعها.

 ويتكرّر على قلم شاكر النابلسي الإعجاب برئيس تونس السابق لحبيب بورقيبة  ويصف سياسته – التي لا يختلف اثنان في إمعانها في الاستبداد والشمولية وانتهاك حقوق الإنسان -  بأنها " استراتيجية ليبرالية ناجحة يجب استلهامها "!

وعندما اعتزمت حكومة الثورة في تونس محاكمة الرئيس السابق الجنرال زين الدين ابن علي كتب "الليبرالي " لعفيف لخضر  رسالة للقضاة يقول لهم فيها "ليكن شعاركم الشارع ينبح"! , فيصطفّ بكلّ قوة ووقاحة مع رموز الدكتاتورية لسبب واضح هو هَوَسُه من البديل الإسلامي الذي جعله يتنكّر لمبادئ العلمانية ذاتها المنادية باستقلال القضاء و الاقتصاص من الظلمة والطغاة.

·        الموقف من أحكام الإسلام وقيمه وأخلاقه: النقول التالية من كتابات منظري العلمانية العربية موجّهة بالأساس لأؤلئك الإسلاميين الذين سار بهم "شيوخهم" في أودية التحالف مع العسكر والعلمانيين في مصر ضدّ الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين:

يقول شاكر النابلسي عن صحيح البخاري :" كَذَب في معظم ما رواه"  , ثم يتّهم الإمام البخاري بأنه شعوبي حاقد يكذب في الحديث .

فانظروا أيها السلفيون مع من تحالفتم وضدّ من...؟

ويسخر لعفيف لخضر من اليوم الآخر ويشير إلى  " رمزية النار التي يمكن تأويلها في نظري بأنها ذكرى صدمة الولادة وصدمة الفطام" ،

ويؤكّد  على" ضرورة نسخ جميع الآيات والأحاديث والفتاوى المتعارضة مع تبني المسلمين لمؤسسات وعلوم وقيم الحداثة", كما نشر مقالاً يغني عنوانه عن كلّ تعليق بل حتى عن قراءته لشدّة وضوحه ومنتهى صراحته  هو " نداء لإلغاء الشريعة " .

ويقو في مقال بعنوان " هل لأقصى اليمين الإسلامي مستقبل ؟ " : " إذا أقحم الله نفسه في الدستور فذلك قد يقود إلى كارثة" .

ويقول :" المحرمات الشرعية تعارض حق الفرد الحديث في التصرف الحر في رأسه وفرجه".

ويقول النابلسي عن " الفنون "  كالغناء والرقص:" أدت خدمة جيدة عندما صرفت بعض الشباب العربي عن الانتحار الإرهابي, وصرفتهم عن الجنس الأخروي المتخيّل إلى الجنس الدنيوي الأرضي, ومِن وَهْم مضاجعة الحور العين إلى واقع حسناوات الدنيا"

ونقل عن أحد زملائه في الفكر والإنتماء ضرورة تشجيع التعليم والإعلام لكل المناشط التي تشجع غرائز الحياة, مثل تنظيم الحفلات والمهرجانات الموسيقية السنوية والإكثار من المسلسلات الخاصة بنجوم الغناء والموسيقى وتدريس الموسيقى والفنون التشكيلية من رسم ونحت ونحوهما في كافة المراحل التعليمية ...كأنه يريد تحويل المنشآت التعليمية  إلى نوادٍ ليلية.

·        وهل هذا سوى العمالة؟ : لا يتورّع أقطاب العلمانية عن الإستجداء بالقوى العالمية لمساعدتهم في محاربة المشروع الإسلامي, فضلا  عن تحريض الحكّام المستبدين على العلماء والدعاة وأنصار الإتجاه الإسلامي, يقول شاكر النابلسي :"الليبراليون هم فدائيو الحرية ,فهم الذين أيدوا غزو العراق منذ اللحظة الأولى"... هل يحتاج هذا الكلام إلى تعليق؟

أما لعفيف لخضر فيقول : "في نظري استراتيجياً أنصار المشروع الحداثي الديمقراطي يجب أن تركز بالتعاون بين المجتمع المدني العالمي ومع الإعلام العالمي وأيضاً مع الدبلوماسية الدولية على منع النخب العربية والإسلامية من ممارسة الإسلاموية بدون إسلاميين ؛ أي من سرقة مشروع الأصولية لتطبيقه بالنيابة عنها لمجرد أن تبقى في الحكم"...

ويضيف النابلسي:  " ولماذا لم تحفل ولم تستمع الإدارة الأمريكية لدعوة بعض المثقفين العرب الشجعان في ضرورة تدخلها في إعلام الدولة العربية الرسمي,؟ومن هؤلاء المثقفين المفكر لعفيف الخضر".

ليس هذا فحسب, بل يُشيد النابلسي بالإستعمار الغربي منذ فجره الأول فيقول: " الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798 كانت هي الحادي والمنادي الذي نفخ في رماد العرب آنذاك" . فهو يتأسف على عدم استمرار الحملة الفرنسية على مصر لأنها كانت كفيلة باستئصال عدوّه الذي ملك عليه عقله وقلبه: الإسلام.

وفي التحريض الأمني على الحركة الإسلامية وعموم دعاة المشروع الإسلامي يقول النابلسي :" لقد تكاثفت وتضامنت منابر الدعوة إلى الإرهاب ونحن عنها غافلون, واستغل بعض رجال الدين المنابر الدينية والإعلامية لنشر أفكار الإرهاب استغلالاً سيئاً, فنرى هذا الفكر منتشراً في كلام خطباء المساجد وفي المدارس وفي المناهج وفي خطب الدعوة والإرشاد وفي المخيمات الكشفية وفي البرامج التلفزيونية الحوارية في قنوات مشهورة ومعروفة تخصصت في نشر فكر الإرهاب باسم الدين" .

 

وها هو التحالف العلماني العسكري الإنقلاني يطبق توصيات أقطاب العلمانية المتطرفة, فيحارب كلّ ما هو إسلامي ويفسح المجال لكلّ ما يضادّه بمباركة من ...حزب النور والفصيل " الإسلامي " الذي يرعاه شيوخ وعمائم نصّبوا أنفسهم ناطقا رسميا باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين