ركعات التهجد

 

 

 

قالوا: ما قيام الليل؟ 

قلت: هو ما يصلى بالليل، ويشمل التهجد، والوتر، والتراويح، وسائر النوافل التي تؤدى بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. قالوا: ما عدد ركعات قيام الليل بجميع أنواعه؟ قلت: فسرته في مقال سابق عن عدد ركعات الصلوات المفروضة والمسنونة، ذكرت فيه أن التهجد ثمان ركعات، والوتر ثلاث ركعات، والتروايح عشرون ركعة.

قالوا: زدنا بيانا عن ركعات التهجد، فقد أشكل علينا تأويل الأحاديث المختلفة الواردة فيها، 

قلت: التهجد ثمان ركعات، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها الذي أخرجه الشيخان وغيرها بأسانيد كثيرة صحيحة ثابتة: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا"؟ فالثلاث هي الوتر، والثمان صلاة التهجد.

قالوا: فهل كان يزيد على الثمان ركعات أحيانا؟ 

قلت: لا، فقد نصت عائشة رضي الله عنها في هذا الحديث أنه ما كان يزيد عليها في رمضان ولا في غيره، وتابعها على ذلك غيرها من الصحابة رضي الله عنهم.

قالوا: فما تقول في حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة؟ 

قلت: هو حديث مجمل، بيانه في أحاديث أخرى، منها ما أخرجه الشيخان عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر، وركعتا الفجر. فبين قاسم في هذا الحديث أن التهجد ثمان ركعات، والوتر، ثلاث، ثم ركعتا الفجر، ويشرحه ما أخرجه البخاري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته، يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المنادي للصلاة. وكانت ركعتا الفجر خفيفتين جدا، فقد أخرج الشيخان عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل الصبح حتى إني لأقول: هل قرأ بأم الكتاب؟

قلت: وأبين من ذلك ما أخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء، وهي التي يدعو الناس العتمة، إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة.

قالوا: فما تقول فيما رواه مسلم عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة جميعا عن هشيم - قال أبو بكر: حدثنا هشيم - أخبرنا أبو حرة، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين؟

قلت: هما من الثمان ركعات، فكانت ركعتاه الأوليان أخف من الركعات التالية. قالوا: ولكن أبا جعفر الطحاوي أخرج هذا الحديث في شرح معاني الآثار بما يتبادر إلى أن الركعتين غير الثمان ركعات. قلت: ما هو؟ قالوا: قال: حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا أبو حرة، قال: ثنا الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلمإذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين، ثم صلى ثمان ركعات، ثم أوتر.

قلت: قوله: "ثم صلى ثمان ركعات، ثم أوتر" زيادة معللة شاذة، خالف سعيدَ بن منصور فيها أبو بكر بن أبي شيبة (صحيح مسلم) وهو أجل وأحفظ من سعيد، وخالفه أيضًا أحمد بن حنبل (مسنده) وهو من هو في إمامته وضبطه وإتقانه، وأبو الربيع (سنن البيهقي)، ويحيى بن يحيى (سنن البيهقي) وغيرهم.

قالوا: وهل يجوز حديث سعيد أن يؤول إلى معنى يوافق حديث الصحيحين؟ 

قلت: نعم، وهو أحد الاحتمالين الذين ذكرهما أبو جعفر، إذ قال بعد إخراجه: فكان معنى "ثم يوتر" يحتمل ثم يوتر بثلاث، منهن ركعتان من الثمان، وركعة بعدها، فيكون جميع ما صلى إحدى عشرة ركعة.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين