رسالة إلى فرنسا ... والغرب !

 

 

 

يكفي الإنسان أحيانا لمسةٌ حانيةٌ يُغيّر بها طريقة تفكيره تجاه شيء ما.... وأحيانًا لا يفيد لإخراجه من حالته إلا الصعقة الكهربائيّة.

 

في واقعنا سيطر الإعلام على عقول كثيرٍ من الناس وقولب تفكيرهم على نحو ما يريده.

 

المشكلة ليست في الإعلام ... لكنّها فيمن يوجّه لتلك الشاشات سياساتها، ويرسم لها خططها.

 

صُوّرَ المسلمون في تلك الوسائل على أنّهم آلات للتدمير.

 

لا تُذكر حضارةُ المسلمين وقيمُهُم على تلك الشاشات أبدًا ...

 

لا يُناقشون دعوة الإسلام إلى العلم واهتمامه بالعلماء، ولا دعوته إلى القيم والأخلاق ونزاهة المجتمع المسلم.

 

لم نسمع منهم يومًا حديثًا عن كُتّاب العلوم من الطبّ والهندسة والجبر والفيزياء والكيمياء!

 

لا يتحدّثون عن إنارة الطرق ورصفها في بلاد المسلمين منذ أكثر من ألف سنة.

 

لم نر برامج تُناقش حاجة الإنسانيّة إلى مبادئ الإسلام العظيم، وانقلاب حالها بعد سطوع نوره في البشريّة.

 

كنتم تتقلّبون في ظلمات القرون الوسطى حين كانت مئات المستشفيات في بلادنا.

 

قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة غيّرنا نظرتنا إلى المرأة فصارت متّصلةً بالله من أكرمها أكرمَهُ الله ...

 

حين كانت بلادكم تتقلّب في ظلم حكّامها الثيروقراطيين باسم الربّ كنّا نرفل في أفضل حياةٍ مبنيّة على الشورى وسعة الفكر وقبول المخالف ... كان فينا الخارجيّ والمعتزليّ والظاهريّ ... مع الوسطيين المعتدلين !

 

قبل أقلّ من مائة عامٍ كنتم تميّزون جميعَكُم بين الأبيض والأسود ... علّمنا نبيُّنا منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة أنهما متساويان !

 

لسنا نريد من هذه الكلمات انتقادكم ... ولا النيل من حضارتكم وقيمكم فنحن نعلم قطعا أنّ أصول حضارتكم مستقاة من ديننا ... ومستفادة من منهج نبيّنا.

 

لكننا نريد أن تلاحظوا معنا تنكّبكم عن تلك الأصول والقيم!

 

أليس من مبادئكم احترام الوافدين إليكم، ذلكم ممّا علّمنا إيّاه نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم حين نسب إلى أهل بيته وأسرته القريبة (سلمان) الفارسيّ، من بلاد إيران اليوم.

 

أليس من مبادئكم تقدير حريّة الإنسان في التعبير، ذلكم ما علّمنا إيّاه ديننا حين أمرنا فقط ألاّ نقعد مع المستهزئين بالله وآياته ورسوله (فلا تقعد معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره) (فلا تقعد بعد الذكرى ...)

 

أليس من القيم التي بُنيت عليها حضارتكم المعاصرة أن تحترموا العلماء أكثر من النُّسّاك والزّهاد ! إنّه حرفيًّا ما قاله لنا نبيُّنا الذي تزعمون أنّه يسعى لزجّ الإنسانيّة في معارك وحروب !! لقد قال لنا صلّى الله عليه وسلّم: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ....)

 

المقاتلون منّا يحملون شرف الأمّة ويُدافعون عن كيانها ... وأيّ أمّةٍ تترك العسكريّة (الجهاد) فهي أمّة ذليلة !

 

في إنجيلكم (المحرّف) الأنشودة 147 منه سيجد قارئُه نصوصًا غايةً في القسوة والبشاعة ! تدعو إلى أقسى أنواع العنف مع المقابل لكم !

 

هل من مبادئكم أن تنحصر نظرتكم إلى الأمور في المساوئ المزعومة والمفتراة مع التغاضي عن المحاسن الجمّة المتيقّنة في دينٍ أو مبدأ أو فكرٍ؟

 

ألستم تزعمون أنّ حريّة التعبير مكفولة لا حريّة التفكير فحسب !

 

حريّة التعبير أن يُعبّر المسلمُ عمّا يعتقدُهُ دون إملاءٍ أو ضغطٍ من أحد !

 

أم أنّ حريّة التعبير لكم تنال بالاستهزاءِ قيمًا عُليا للآخرين، ورموزًا وقاماتٍ سامقةً عندهم؛ فإذا وصل الأمر إلى الحديث عن يهوديّة اليوم المجتزأة المحرّفة أو مسيحيّة اليوم المحرّفة في نظر المسلم كمّمتم أفواه مخالفيكم ؟

 

ما بال قيمكم تُهدمُ جملةً وتفصيلاً على أعتاب الموقف من الآخر .. حين يكون الآخر مسلمًا ؟

 

ألا تعلمون أنّ من سنن الحياة أنّ الإساءة تُقابل بالإساءة ... لكنّ إساءتكم إلينا في نبيّنا وديننا ... ونبيُّكم سيّدنا ... ودينُكم نعتقدُ صدق أصلِهِ وصحّة رسالته ... لا نُفرّق بين أحدٍ من رُسلِه !! ... ولولا هذا لرأيتم منّا ما تعجزون عن صدّه !

 

لسنا أقلّ منكم تفكيرًا ولا إمكانات ... كثيرٌ من أجدادكم تعلّموا في بلادنا ... الأندلس حاضرةٌ في تاريخكم ... بل كثيرٌ من المبدعين في عالمكم اليوم أتوا من بلادنا ...

 

نحنُ أسياد العالم بأخلاقنا ومبادئنا ... ولن تكونوا أسياد العالم بتزويركم لحقيقة ديننا ...

 

لن تكونوا أسيادًا حين تُشوّهون الإسلام بتضخيم مجموعة تُخالف عامّة أهله وعلمائه ... مجموعة أجبرتموها على العنف ومقابلة إساءاتكم المتكرّرة بالقوّة ... وردّ اعتداءاتكم باعتداءاتٍ مثلِها ...

 

نعم ... بيننا مجموعات حملت عليكم وعلى أتباع مناهجكم الفكريّة السلاح حين أردتم فرض رؤيتكم للحياة على بلادنا بالقوّة والسلاح !

 

نعم بيننا - مثل ما هو بينكم - مجموعات تُناهضُ الدول وتعاديها ... وتُقيم لنفسها كيانات معاديةً للمجتمع .. لكنّنا نشهد أنّ وجوده فيكم ليس من دينكم ... كما أنّ وجودهم بيننا ليس من ديننا .. وإن زعموا أنّهم يطبّقونه ... تلك وجهة نظرهم ... هذا رأيُهم ... الذي نحترمُهُ ولا نعتنقُهُ !

 

نعم بيننا من جعلَهُ حُكّامٌ - صنعتموهم في دوائركم السريّة، ودعمتموهم في سياساتكم العلنيّة - ينتهج العنف والقوّة سبيلاً للتعبير عن رأيه.

 

نعم بيننا من جعلَهُ تمييزُكم في سياساتكم بين إسرائيل والمسلمين سببًا في تشويه صورة الإسلام عند أبنائكم.

 

من منكم لم يشهد إراقة دماء آلاف الأشخاص في غزّة وقتل مئات الألوف في بلاد الشام؟

 

أقُتِلَ أولئك إلاّ لأنّهم أرادوا التعبير عن حقّهم في الحياة الكريمة؟ هل سُفكت دماؤهم إلاّ لأنّهم طالبوا بحريّة؟

 

لماذا لم تتحرّك جيوش مظاهراتكم إلاّ عند قتل عشرةٍ من مواطنيكم؟

 

أين إنسانيّتكم المزعومة في مبادئكم؟

نعم ...  أيّها العالم المتحضّر!! ... منّا من تربّى على ألعاب الأكشن وأفلام الأكشن فلم يرَ في الحياة إلاّ البطل الذي يحمل سلاحَهُ ويُدافع عمّا يعتقدُهُ حقًا !

منّا من تربّى على أفلام كرتون لا تُقيم وزنًا لحياة الآلاف من البشر ... تدمّر باسم الإله ... وتُبيدُ البشريّة باسم القوّة وإثبات الذات!

 

صدّرتُم إلينا الإرهاب ... طبّقتم علينا الإرهاب ... بأيديكم وأيدي عملائكم من الحكّام ... ثمّ استنكرتموه علينا.

 

لا تستغربوا بعد حروبكم التي تخوضونها ضدّنا في كلّ الميادين أن ينشأ جيلٌ ينزعُ إلى الانتقام.

 

لا تلومونا إن نبتت فينا نابتُةُ سوءٍ رعيتموها بأيديكم الملوّثة بدمائنا من أيّام استعماركم لنا.

 

نحنُ قومٌ نحاربُ ألفَ جبهةٍ وجبهةٍ ... فحسنٌ أن يبقى منّا من ينتهج منهج الحقّ والوسطيّة ... وما أكثرهم، لكنّكم تُغطّون أبصاركم عنهم.

 

ومنكم أقوامٌ سمعنا قولَهُم في هذه الأزمة التي تمرّ بها بلادكُم.

 

ينصحون لكم ... مثلي اليوم ... وكلّنا أملٌ أن تثمر نصائحُنا في ربوع قلوبكم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين