خواطر في سبيل الله -75-

 

كنتُ أعجبُ كيف يُقَلَّدُ الغربُ حتى في أمورٍ صغيرةٍ ليست في الحسبان،

مثلِ تزيينِ الحدائقِ والمجسَّماتِ الجماليةِ والإعلاناتِ في الشوارعِ وفنونِ لوحاتها،

وبعضِ الشؤونِ الإداريةِ والتعليمية،

وما إلى ذلك،

وهل حقًّا لا يوجدُ في بلادنا من يبدعُ حتى في مثلِ هذه الأمورِ الصغيرة؟

لقد أخذَ بي التفكيرُ إلى أن السببَ هو الجوُّ العامُّ الذي تفرضهُ الحكوماتُ على المواطنين،

من التسلطِ والمراقبةِ وسوءِ التعاملِ وعدمِ تكافؤ الفرص،

ومن الخللِ في استحقاقِ المناصب،

وإهمالِ المواهب،

وعدمِ تشجيع الإبداع،

والتضييق على المفكرين والفنانين التشكيليين البارعين والإداريين المتفوقين،

فيضطرون للانصياعِ للأوامر،

ويعملون في حدودِ ما يُسمَحُ لهم وما يُكلَّفون به فقط،

ولا يشجعونهم على ما وراءه،

ولا يقبلونَهُ منهم أو لا يهتمون به،

فيتحولون إلى (لوحات)، 

وإلى حالاتِ (عدمِ الرضا وعدمِ الثقةِ) بدلَ الإبداعِ والتفنن،

فتكلُّ أذهانهم،

وتبقَى إبداعاتهم محدودة،

بحسبِ ما ضُيِّقَ عليهم.

 

×××     ×××     ×××

 

الطفلُ كائنٌ لطيفٌ محبوب،

ولكنهُ ضعيف،

لا يقدرُ على الدفاعِ عن نفسه،

ولا يعرفُ حججَ الكلامِ ليثبتَ رأيه،

وقد أُوتيَ سلاحًا قويًّا يعوِّضهُ عن كلِّ ذلك،

وهو البكاء،

الذي ما إن يبكي حتى يهرعَ إليه أحدُ أفرادِ الأسرةِ ليسكت،

فإذا لم يُسعَفْ ظلَّ يبكي حتى يُلبَّى طلبه!

والبكاءُ مزعجٌ جدًّا،

تتردَّدُ نبراتهُ الحادَّةُ في قناةِ الأذنِ حتى تصلَ إلى الدماغ!

ولا تتحمَّلهُ سوى الأمّ،

التي تتركهُ يبكي أحيانًا لقيامها بأعمالٍ أخرى،

وتكونُ قد تخرَّجتْ على هذا الصوت،

وصارَ عندها كالنشيدِ اليومي!

وقلتُ إنه سلاحٌ (قويّ)،

فإن الكبارَ لا يقدرون على مثله،

وليجرِّبْ ذلك من يريد، 

ولْيَبكِ بأعلى صوتهِ مدَّةَ خمسِ دقائقَ أو أكثر،

ولينظرْ في حالهِ كيف تصير،

وقد بُحَّ صوته،

وترهَّلَ لسانُ مزماره،

وتعطَّلَ حَلقه،

واحمرَّتْ عيناه،

وبرزتْ أوداجه..

كما لن يجدَ حولَهُ أحدًا من الحضور!

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين