حرب الصيام

 

في العهد المكي من الدعوة الإسلامية فرض مشركو قريش على المسلمين في حصاراً اقتصادياً فيما يعرف بحصار "شعب أبي طالب"، حتى أكلوا أوراق الشجر، والجلود اليابسة كما ورد في كتب السيرة. 

ومرت القرون وتغيرت الأسلحة، وبقي سلاح الحصار الاقتصادي مسلطاً على المسلمين من قبل أعدائهم، فها هي أمريكا تحاصر البلاد الإسلامية كلما وجدت فاعلية لهذا السلاح، وتسلك في ذلك سبيل الحصار الكلي، أو الجزئي. 

إن الإسلام جعل الصيام ركناً من أركانه شهراً كل عام، ثم حبب المسلمين فيما بقي من الأشهر والأيام أن يصوموا يومين كل أسبوع، وثلاثة أيام كل شهر، وأياماً أخرى معلومة ستة أيام من شهر شوال، ويوم عرفة، ويم العاشر من المحرم، ويوما قبله أو بعده، وندب إلى الصيام عامة، وجعل أفضل الصيام صيام داود عليه السلام: (كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً) (البخاري ومسلم)؛ حتى لا تنقطع صلتهم بهذا الركن العظيم، فيكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة حرب الصيام (الحصار) الذي يشنه أعداؤهم عليهم، فضلاً عن معانيه وفوائده الكثيرة الأخرى في الدنيا والآخرة.

 

ولكن أليس من الأجدر أن يبادر المسلمون بهذه الحرب على أعدائهم فيصوموا؛ ليس عن ضروريات الحياة التي هي موجودة في متناول أيديهم، بل يصوموا عن كماليات الزينة للرجال والنساء، ومثل ذلك مما يصنّع للأطفال من بنين وبنات، فيمتنعوا عن استعمال ما لا يدخل في المقومات الأساسية لحياتهم مما تصرف فيها المليارات التي لا تقف عند حدّ من التجميليات، وعن المكروهات والمحرمات مثل السجائر وغيرها الكثير والكثير....؟ 

إن الأمة التي لا يستطيع أفرادها الصيام عن كماليات المستوردات من أعدائها، بل عما يضرها ضرراً مؤكداً مثل (السجائر)؛ فتصرف عليها ما لو صرفت في مشاريعها الحيوية لتغيرت حياتها من بعد ضعف قوة.. إن أمة بلغ الضعف في أفرادها هذا المبلغ حري بها أن تنهزم في معاركها مع أعدائها في ميادين المواجهة؛ لأنها انهزمت قبل ذلك أمام أتفه شهوات نفسها. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين