أسئلة بيانية (17) حذف الباء في الفعل: (شَهِدَ)

قال الله تعالى في سورة آل عمران: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64].

وقال في سورة هود: ﴿قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ﴾ [هود: 54-55].

سؤال:

لماذا قال في آية سورة عمران: ﴿اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾، فجاء بالباء مع (أنَّا) ولم يذكرها في قوله: ﴿وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ، والمصدر المؤول منصوب على نزع الخافض؛ لأنَّ (شهد) بهذا المعنى يتعدى بالباء، وذلك نحو قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ﴾ [الزخرف: 86]، وقوله:﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا﴾ [يوسف: 81].

ومعلوم أن الذكر أقوى وآكد من الحذف، فقوله: ﴿اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، أقوى وآكد من قوله: ﴿وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.

وسياق كل من الآيتين يوضح ذلك.

قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64].

وقال في سورة هود: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ﴾ [هود: 54-55].

ومن النظر في كل من الموضعين يتَّضح أن ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سورة آل عمران أكثر مما قاله نبي الله هود عليه السلام في سورة هود.

فقد قال في آل عمران:

1 – ﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ

2 - ﴿وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا

3 - ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ.

وأما في سورة هود فقد ذكر البراءة من الشرك فقط فقال: ﴿أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ﴾، وهو واحد مما جاء في سورة آل عمران.

ثم لو نظرنا فيما جاء عن الشرك في كل الموضعين لوجدنا أنَّ ما في سورة آل عمران أقوى وأعمّ فقد قال فيها: ﴿وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا أي: أيّ شيء كان، وهذا تعبير يحتمل معنيين: لا نشرك به شيئاً من الشرك؛ ولا نشرك به شيئاً من الأشياء.

في حين قال في سورة هود: ﴿أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ، فإنَّه ذكر البراءة مما يشرك قومه. فكان ما في سورة آل عمران أعمّ وأشمل لأنَّه نفى كل أنواع الشرك ويدخل فيهما ذكره في سورة هود.

فكان ما في سورة آل عمران أقوى وآكد وأعمّ فناسب ذكر الباء فيه، ولمّا كان ما في سورة هود جزءاً مما ذكره في آل عمران ناسب الحذف، والحذف في نحو هذا قياس كما هو معلوم.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين