حتى الطيور الوادعة يمكن أن تغضب فتثور فتقتل وتدمر

 

في عالم مثخن بالغباء والتخلف والإصرار على الظلم والقتل واستضعاف البشر وامتهانهم ما أكثر ما تضيع أصوات العقلاء ، ونداءات الشعراء ، ورسائل أصحاب العقول والقلوب .

وبينما ما يزال العالم دائبا على شيطنة هولاكو وتيمورلنك أو هتلر وموسوليني وستالين يتناسى الكثيرون ممن يفعلون ذلك ، وهم يلوكون على ألسنتهم عبارات الإنسانية والسلام والحب ، أنهم في حقيقة أمرهم صور ممسوخة لأولئك الأشرار ...

وحين يتوقف النقاد والمثقفون ورجال الفكر والرأي ليشيدوا بعبقرية مخرج سينمائي ضخم مثل ألفريد هيتشكوك ، وبقدرته الإبداعية على تقديم مشاهد غاية في الروعة وفي الإثارة ثم يتجاهلون فحوى الرسالة التي حملها هذا المبدع إلى العالم أو إلى المتحضرين من أبنائه من قادة الفكر وصناع السياسة فإنهم يضعون أنفسهم في مكانة ( كهنة المعبد ) الذين فضّل السيد المسيح أن يطلق عليهم أبناء الأفاعي ..

 لن يستطيع إنسان يعيش اليوم المأساة تقع على أهل الشام أن يميز كثيرا أو قليلا بين هتلر أو موسوليني أو ستالين وبين البليد أوباما و ومن لف لفه من قادة غرقوا فيما غرق فيه أوائلهم من حيث يدرون أو لايدرون .

 حين اراهم يتذمرون أو يتأففون او يتلومون من الغضب الذي يضرب بجناحيه كل فضاء برسالة المخرج الأمريكي العظيم ألفريد هيتشكوك التي اختصرها لهم في مشاهد فيلم ( الطيور ) أو ثورة الطيور للتنبيه والتعليم وليس للتسلية والإثارة والامتاع .

الرسالة التي تؤكد أنه مع اشتداد الظلم والإذلال وديمومته والإصرار عليه فإنه حتى الطيور الوادعة الهادئة الجميلة يمكن أن تغضب ويمكن أن تثور فتقتل وتدمر على النحو الذي عرضه المخرج المبدع في فيلمه الرهيب والمخيف ...

مضى على مشاهدتي للفيلم أكثر من عشر سنين ولكنني لا أزال أحتفظ في ذكراتي بالمشهد الأول المفتاح للرسالة التي أراد هيتشكوك إرسالها للعالم : محل ( مستعمرة ) لبيع الطيور حيث مئات الأقفاص ومئات الطيور الحبيسة المكبوتة المتألمة المستضعفة مثلها مثل كل الشعوب المغلوبة على أمرها من شعوب عالمنا ( الثالث عشر ) المنكوب بأعدائه وليس بأهله...

سيدة جميلة أنيقة تعمل في المستعمرة ولكنها لم تكن صاحبتها . وإنما كانت مجرد عاملة فيها . يدخل عليها رجل أنيق مثلها من منطقة أخرى أراد أن يشتري طائرا ، أو حاول شراءه . ثم تقوم المرأة ذاتها بحمل الطائر في قفصه على سبيل البيع أو على سبيل الهدية لتذهب به عبر قارب في البحر إلى السيد الأنيق .

وهنا تبدأ القصة بالتعقيد نورس عابر ينقر السيدة الأنيقة على خدها ويسيل دمها كنوع من الانتقام لزميله الذي كان في القفص بيد السيدة .

في ظني أن السيد هيتشكوك كان يريد أن يعيد على العالم شيئا من رسالة القرآن ( أمم أمثالكم ) يريد أن يقول إن هذه الطيور الحبيسة تتألم أيضا ، وأن أمة الطيور على اختلاف اجناسها وألوانها أيضا تتعاطف بعضها مع بعض ويغضب بعضها لبعض . يريد أن يقول للعالم إن البشر جميعا يتألمون ومع أنه انكليزي ولكنه فنان ، وما معنى الفن إذا لم يطلق صاحبه من أسر البلادة القومية والعرقية ، هو يقول للرئيس الأمريكي اليوم ، مع أنه قد توفي منذ 1980 ؛ إن كل قتيل يقتل من البشر يحدث ثغرة ألم في الجسد الإنساني الواحد . ليس فقط قتلى 11 / 9 / من الأمريكيين هم الذين يحدثون هذه الثغرة ، فهؤلاء الذين يقتلون في سورية على يد عميل أمريكا الطبيب الأنيق ( بشار الأسد ) هم أيضا يألمون ويحلمون ويحبون ويكرهون ويرضون ويغضبون ...

مشهد طائر النورس الأول ينقض على خد السيدة الأنيقة نخّاسة الطيور وهي تعتلي المركب يذكرك بالبوعزيزي وبكل المظلومين على يد النخاسين الأمريكيين في عالمنا الثالث عشر ...

وتتطور أحداث الفيلم ويهيج عالم الطيور / الضعيفة المستضعفة / ضد المرأة نخاسة الطيور ، وتكون سببا لهجمات الطيور حيثما حلت . و الجميل أن ألفريد هيتشكوك لم يحشد في معركته تلك ضد ظلم الإنسان الجوارح من الطيور فلا نسور ولا عقبان ولا صقور ، وإنما هي مجرد طيور صغيرة ضعيفة لا يتجاوز حجم واحدها حجم طير الحمام . تساءلت وأنا أتابع الفيلم الذي أتمنى أن أجد وقتا لرؤيته ثانيا أو ثالثا لماذا صبغ ألفريد طيوره بالسواد ؟! ألم تكن الرسالة مع الطيور البيض أبلغ ؟ أليس معنى أن تثور حمائم السلام البيض فتقتل وتدمر أكبر من أن تثور الغربان السود ؟! ثم عدت إلى نفسي فقلت لعل الرجل لا يريد أن يسد باب الأمل أمام البشر ، ولا يريد أن يقطع كل خيوط الرجاء بل لعلي أقول وإن من أسباب ذلك أن الفريد لم يشاهد ما يجري اليوم على شعب سورية وشعب العراق من ظلم وإذلال ؟!

لن أطيل الحديث الذين شاهدوا الفيلم عايشوا الهول الذي تسببت به تلك الزرافات الضخمة من الطيور ( المتنمرة ) . والذين لم يشاهدوه بإمكانهم أن يعايشوا تلك اللحظات حيث تعجز الكلمة عن أداء دور الصور الحية المتحركة في حدث يموج بالعواطف البشرية الممزوجة بالخوف والحزن والألم والتصميم ...

ذكاء الإنسان وعلمه وإرادته في معركة حامية مع مستضعفين اقتحموا العقبة وتجاوزوا القنطرة والتحموا في حالة من الغضب والقسوة والشراسة لا يقف في وجهها شيء ...

ما زالت صور الخوف التي التقطتها أو صنعتها عدسة المخرج في وجوه البشر من الأبرياء العجائز والضعفاء وفي وجه معلمات المدرسة وأطفال المدرسة الهائمين على وجوههم أو المعفرين بدمائهم نتيجة حالة من الجنون والهياج اجتاحت أفراد أمة كرس البشر على مدى قرون عذاباتها وقهرها وإذلالها لإشباع بعض الرغبات والنزوات . رسالة ألفريد هيتشكوك اتقواغضب ( الطيور ) فإن الحمائم عندما تغضب تدمر كل شيء وتقتل حتى الأطفال . كم هو مفزع عنوان مثل ( الحمائم تقتل الأطفال ) . وتسألني هل يمكن للحمامة أن تقتل الطفل . المخرج الانكليزي ألفريد هيتشكوك يقول : نعم فاحذروا لئلا تجعلوها تفعل ذلك .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين