جدل واسع في الحسكة بعد منع مليشيا الاتحاد تعدد الزوجات وإلغائهم المهر

 

القانون يساوي بين الرجل والمرأة في الميراث والشهادة من حيث القيمة القانونية

 

بعد إعلان مليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي عن إدارتها الذاتية في مناطق سيطرتها في الحسكة وعفرين بريف حلب مطلع العام الحالي، بدأت المليشيا مؤخرا بمرحلة جديدة عبر سن مجموعة من القوانين والتشريعات في تلك المناطق.

فقد أصدرت “الحاكمية المشتركة لمقاطعة الجزيرة” في 1/11/2014 مرسوما تشريعيا يتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة، وتضمن القانون 30 بندا من أهمها؛ إعطاء المرأة الحق في التـرشح والترشيح وتولي كافة المناصب، وكذلك تشكيل تنظيمات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وتنظيمات الدفاع المشروع وغيرها من التنظيمات الخاصة بها بما لا يخالف العقد الاجتماعي.

وشمل القانون المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، والمساواة بين شهادة المرأة وشهادة الرجل من حيث القيمة القانونية، وإلغاء المهر باعتباره قيمة مادية هدفها استملاك المرأة، ويحل محله مشاركة الطرفين في تأمين الحياة التشاركية.

كما تضمن تنظيم صكوك الـزواج مدنيا ومنع تعدد الزوجات، وأعطى الحق لكلا الطرفين بطلب التفريق وعدم جواز الطلاق بالإرادة المنفردة وتجريم القتل بذريعة الشرف واعتباره جريمة مكتملة الأركان المادية والمعنوية والقانونية ويعاقب مرتكبها بالعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات كجريمة قتل قصد أو عمد.

كما فرض القانون أيضا عقوبة مشددة ومتساوية على مرتكب الخيانة الزوجية مـن الطرفين.

ويمنع القانون تـزويج الفتاة قبل إتمامها 18 مـن عمرها، وللمرأة الحق فـي حضانة أطفالها حتى إتمامهم سن الـ15 سواء تـزوجت أم لم تتزوج، ويكون بعدها حق الاختيار للأولاد، ومن واجب الطرفين تأمين السكن والنفقة للأطفال طيلة فـترة الحضانة.

وقد أحدث هذا القانون الصادر من قبل مليشيا حزب الاتحاد جدلا واسعا في الوسط الكردي في منطقة الجزيرة السورية، فأنصار مليشيا حزب الاتحاد اعتبروه خطوة جيدة على الصعيد الاجتماعي، وأنها تأتي في إطار الإصلاحات التي وعد الحزب بتنفيذها في المناطق الكردية، كما عدوه جزءا من فكر “القائد عبد الله اوجلان” زعيم حزب العمال الكردستاني في تركيا، الذي أعطى للمرأة دورا هاما في الحزب، ولا سيما على الصعيد العسكري.

وقال الناطق الرسمي باسم “اللجنة القانونية في المجلس التشريعي لمقاطعة الجزيرة” إبراهيم عيسى في تصريح صحفي في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي إن “هذه المبادئ جاءت للتأكيد على المساواة بين الرجل والمرأة، وإقرار الزواج المدني”، مشيرا إلى أن المجلس يمضي بإلغاء كل ما “لا يتطابق مع المجتمع المتمدن بغض النظر عن التعاليم الدينية والعشائرية”.

أما على الطرف الآخر فقد أثار القرار احتجاجا لدى مخالفي الحزب من مختلف التيارات السياسية والأوساط الدينية.

فقد اعتبر الأمين العام لجمعية علماء الكرد في سورية الدكتور حسين عبد الهادي أن القانون الذي سنته مليشيا حزب الاتحاد هو تقليد للآخر ولا علاقة لها بالإسلام أو الدين ولا حتى بالأكراد وهو يمثل رأي حزب فقط، مضيفا أن سن مثل هذه القوانين نابع عن فهم مختلف لحياة الناس وواقعهم.

وتوقع عبد الهادي، في حديث خاص لـ”مسار برس”، أن “الفشل سيكون نهاية القانون ولن يلتزم أحد به”، مشيرا إلى أن الشيوعية في روسيا أرادت سابقا أن تفرض الإلحاد على كل المجتمع ثم ذهبت الشيوعية ورجع الناس إلى دينهم وعقائدهم.

وقال عبد الهادي إن “الله سبحانه وتعالى ترك الحرية للإنسان في التعدد أو عدمه، من أجل مصلحة المجتمعات حتى تكون مجتمعات نظيفة، ولو سلمنا بأن لكل رجل امرأة واحدة فقط، فماذا عن المرأة التي من حقها أن يكون لديها رجل أيضا، ونحن نعلم أن عدد النساء أكثر من عدد الرجال عموما، ثم أن الرجل قد يكون مضطرا للتعدد في حالات كثيرة، مثلا عندما تكون الزوجة مريضة أو لا تنجب فهل يطلقها حتى يتزوج من امرأة أخرى؟”.

وحول رأي أئمة وعلماء الدين في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي في الحسكة والقامشلي بشأن القانون أكد مراسل “مسار برس” أن معظم من التقى بهم امتنع عن الحديث خشية الملاحقة، باستثناء شيخ طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي ولقب نفسه بأبو عبد العزيز اليعربي.

وأكد الشيخ أبو عبد العزيز لـ”مسار برس” أن القرار “يمس مساسا حقيقيا بالشريعة الإسلامية كما أنه باطل تماما ولا يجوز شرعا أن يطبق هذا القرار في سورية المستقبل”.

بدوره؛ اعتبر الناشط السياسي سيبان سيدا أن للقرار بُعدا آخر غير ما تعلنه مليشيا الحزب فهو “يهدف إلى استقطاب المزيد من التعاطف من قبل شريحة هامة في المجتمع الكردي وهي شريحة المرأة، لزيادة شعبية الحزب والزج بالمزيد من الفتيات في المعارك المقبلة ولا أعتقد أنه صادر لأسباب اجتماعية”، مشيرا إلى أن القانون لا يتمتع بالواقعية في الظروف الراهنة.

وأبدى الناشط الإعلامي أسيان مراد تحفظه على القرار لمخالفته الشريعة الإسلامية التي تسمح للرجل بالزواج من 4 نساء، و”هذه الرخص التي شرعها الله عز وجل تنحصر ضمن إطارات ضئيلة جدا وقليلة الحدوث، حيث إن لها شروطا معينة ومشاكل تدفع الرجل بالزواج مرة أخرى، ومن أهم شروط التعدد العدل الذي أراه مستحيلا لأن الرجل سيميز زوجة عن أخرى وذلك حسب رغباته وهنا ستسقط تلك العدالة”، على حد قوله.

ويرى مراد أن القرار صادر عن حزب سيطر على عدة مناطق بصورة قسرية وبقوة السلاح، كما أنه لن يكون له أي وجود، برأيه، بعد سقوط نظام الأسد وسيزول معه، فـ”لا مكان لمثل هذه القرارات في دستور سورية الحديثة لأن سورية دولة إسلامية في النهاية”.

ويشير الناشط الكردي حمو العفريني إلى أن “نظام الأسد وبكل دكتاتوريته وكل ظلمه لم يجرأ على الاقتراب من هذه المسائل لحساسيتها عند الشعب السوري المسلم، فعلى الرغم من أن الدستور في سورية حاليا هو دستور وضعي إلا أن قانون الأحوال الشخصية يستند إلى الشريعة الإسلامية والفقه الحنفي، إلى جانب مجموعة مصادر إسلامية أخرى”.

واعتبر العفريني أن الهدف من هذا القانون سياسي بحت يتمثل في إرضاء الغرب واكتساب مزيد من التأييد والدعم لإدراته الذاتية عبر إظهار نفسه بالمظهر “المدني”.

ويقول الأمين العام لجمعية علماء الكرد حسين عبد الهادي إن “الأكراد هم في النهاية شعب مسلم، وهم في واد والأحزاب وإديولوجياتها في واد آخر”، مؤكدا أنه من حق الجميع أن يطالب بحقوق الأكراد ولكن ليس من حقهم أن يبعدوا الشعب عن دينه، “الحق شيء والإديولوجيات شيء آخر، وتطبيق إديولوجيات غريبة ومستوردة لا علاقة له بالحقوق ولا بالشعب الكردي وهو أمر غير مقبول”.

وتسيطر مليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي الموالية لقوات الأسد على المناطق الكردية الواقعة على الحدود السورية التركية منذ منتصف عام 2012، وأعلنت في آذار مارس من العام الحالي عن “الإدارة الذاتية المؤقتة” في 3 مقاطعات هي القامشلي في الحسكة، وعين العرب “كوباني” وعفرين في محافظة حلب.

ويرأس حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني التركي) منذ عام 2012 رئيسان مشتركان هما آسيا عبد الله وصالح مسلم، ويرأس “مقاطعة الجزيرة” حاكمان مشتركان هما حميدي الهادي زعيم مليشيا جيش الكرامة الموالية للأسد، وهدية عباس.

وأصدرت “الحاكمية المشتركة لمقاطعة الجزيرة” سلسلة من القوانين والإجراءات بعد إقرارها من “المجلس التشريعي للمقاطعة” أهمها؛ تعديل المناهج المدرسية، وقانون واجب الدفاع الذاتي الذي يجبر الأهالي على تقديم أحد أبنائهم للخدمة الإلزامية في صفوف المليشيا، وقانون ترخيص السلاح وآخر لمكافحة الإرهاب.

وشنت مليشيا حزب الاتحاد أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي عبر قوة “الأسايش” (الشرطة) ووحدات حماية الشعب YPG”" أكبر حملة اعتقالات واسعة بحق الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين سن 18 و30 بهدف إلحاقهم بالخدمة الإلزامية تطبيقا لقانون “واجب الدفاع الذاتي

المصدر : مسار برس

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين