ثلاث آيات باهرات، لشرف الأمة وعزها ضامنات


تحدد عنوان هوية الأمة الإسلامية ، وتبرز معالم شخصيتها
                                                                   بقلم : خلدون عبد العزيز مخلوطة 
أسس القرآن الكريم لأمة الإسلام منهجاً عقدياً فريداً، وشريعة رائدة، ودستوراً أخلاقياً ، نزل بلسان عربي مبين ، فكان شرفا عظيماً لأمة العرب ، الذي كون منهم أمة ذات حضارة ورفعة بين الأمم، بفضل تمسكهم بهديه ، وسيرهم وفق مبادئه وقيمه، بعد أن كانوا خاملين متفرقين، وفي ظلام الهمجية والجاهلية منغمسين، وأمامنا ثلاث آيات تحدد الطريق للمجد الحقيقي ، والسبيل لتحقيق الشرف والسمو ، الأولى في سورة [الأنبياء : 10] : (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون، والثانية في  سورة [المؤمنون : 71]  (بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون)، والثالثة في سورة (الزخرف : 44) : ( وَإِنَّهُۥ لَذِكْرٌۭ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْـَٔلُونَ )، والآيات الثلاث تركز على قضية قرآنية قيِّمة، ناتجة عن اتباع تعاليم هدي القرآن الذي يحقق للعرب الذكر بين الأمم: ذكر كريم بعيد عن العصبية، وشرف عظيم بعيد عن الشعوبية، وصيت حسن بعيد الرياء وحب الظهور، وسمعة جميلة بعيدة عن التباهي والتكبر ، ومن جملة ذلك الشرف العظيم احتياج أمم الأرض لتعلم لغتهم ليفقهوا بها القرآن.
أما الآية الأولى : (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون) فهي معجزة في أسلوبها، بليغة في وجازتها، مدهشة في معانيها، تضمنت لطائف لغوية جميلة: 1- قسَمَاً محذوفا مؤكداً (لقد أنزلنا) فحرفا "الـلام" و "قد" تستعملان للتأكيد في القسم مع الفعل الماضي (أنزلنا) والتقدير (والله لقد أنزلنا) فاستعمل القسم بأقوى مؤكداته لتقرير حقيقة خبرية منزلة من الله تتعلق بالقرآن على وجه الخصوص ،2-  ثم جاء بنون العظمة (أنزلنا) للدلالة على فخامة القرآن المنزل،3- ثم قدم الجار والمجرور "إليكم" على المفعول به (كتابا) ليدل على الاقتصار والخصوصية ففي ذلك اختصاص عظيم من الحكيم سبحانه للعرب، 4- ثم جاء التنكير في قوله (كتاباً) لإظهار عظمة هذا الكتاب فهو عظيم في إعجازه ومعانيه، 5- ثم جاء أسلوب قصر ثان (فيه ذكركم) ليدل على أن الشرف والرفعة لا تكون بغير القرآن، 6- ثم جاء استفهام إنكاري (أفلا تعقلون) للتوبيخ والتنديد بأولئك الذين أعرضوا عن القرآن فكأنهم فقدوا عقولهم ورشدهم.
  أما الآية الثانية : (بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون) فهي تقرر حقيقة وموقفا معيبا من هذه الحقيقة ، بدأت بحرف "بل" التي تفيد الإضراب والانتقال من حال إلى حال، فالذين أعرضوا عن القرآن لم يكتفوا بكراهة الحق وإنما أضافوا إلى ذلك الإعراض عن أروع الحق في مظاهره وهو القرآن (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل)، ثم فوتوا على أنفسهم أعظم الوسائل التي بها فخرهم وعزهم .
أما الآية الثالثة : ( وَإِنَّهُۥ لَذِكْرٌۭ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْـَٔلُونَ ) فزادت على سابقتيها بحقيقتين عظيمتين :
 
 الأولى: أضافت ذكراً رفيعا للنبي صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن الذي عليه أنزل، وكما قال سيد قطب رحمه الله: ( فأما الرسول صلى الله عليه وسلم فإن مئات الملايين من الشفاه تصلي وتسلم عليه، وتذكره ذكر المحب المشتاق آناء الليل وأطراف النهار منذ قرابة ألف وأربع مئة عام . ومئات الملايين من القلوب تخفق بذكره وحبه منذ ذلك التاريخ البعيد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ).
 الثانية: مساءلة ومحاسبة عن هذا الشرف الذي أكرم الله به أمة العرب إذا لم يكونوا على قدر المسؤولية تجاه تحمل القرآن والعمل به ونشره، فقد اختارهم ليكونوا قادة البشرية يعطونها النموذج الأروع هداة متقين، أوفياء مؤتمنين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين