« كثير من تصوّرات الآباء عن البرّ والعقوق ليست في حقيقة الأمر كذلك .. فلو أنصفوا ، ودقّقوا في موازينهم لاستراحت قلوبهم ، وسمت علاقاتهم مع أولادهم .. » .
طلب منّي بعض الإخوة أن أفصّل في هذا الكلام المجمل أكثر ، وتوضيحاً لذلك أقدّم أهمّ النقاط التي توضّح المراد ، وتضع حدوداً للبرّ والعقوق :
1 ـ إنّ تدخّل الآباء في حياة أولادهم الخاصّة ، وفي اختياراتهم المشروعة ؛ كأمر الزواج والدراسة ، والعمل والمهنة ، لا علاقة له بالبرّ والعقوق ، وهو لا يعدو أن يكون من باب النصح والتوجيه ، والإرشاد وتقديم الرأي .
2 ـ إنّ أولادنا هم أولى الناس بحسن الظنّ والتماس العذر ، والغضّ عن الهفوات . فلا ينبغي لأحد من الوالدين أن يحكم ببرّ ولده أو عقوقه بناء على هفوة ، أو سوء ظنّ في موقف ، ممّا لا تخلو منه أحوال الناس . اللهمّ إلاّ إذا أصبح الخطأ والهفوة العابرة سلوكاً معتاداً ، ومنهجاً وسيرة للتعامل مع الوالدين .
3 ـ لو دقّق كثير من الآباء في موازين تعاملهم مع أبنائهم وبناتهم لرأوا خللاً بيّناً ، وتعاملاً بموازين متفاوتة ، ومكاييل متناقضة .. ممّا يؤثّر في سلوك الأولاد نحوهم ، وإن كانوا لا يعذرون بأيّ ردّة فعل فيها تقصير نحو الوالدين أو عقوق .
ولكن على كثير من الآباء أن يعيدوا النظر في مواقفهم ، ليكونوا عوناً لأبنائهم على برّهم : « ورحم الله والداً أعان ولده على برّه » .
4 ـ ليس من حقّ الآباء التدخّل في تربية أحفادهم بصورة تناقض منهج الوالدين وتعاكسها ، وتتجاوز حقّ الوالدين في المنهج والأسلوب الذي يختارونه في تربية أولادهم ، ولا حقّ للآباء في ذلك عمّا ذكر في النقطة الأولى من النصح والتوجيه ، والإرشاد وتقديم الرأي ، بما يعضد منهج الوالدين في التربية ، ويؤيّده ويناقضه .. إلاّ إذا كان الوالدان مهملين ، أو مقصّرين تقصيراً بيّناً ، شرعيّاً أو تربويّاً .
ولا بدّ من الإشارة والتنويه إلى أنّ الحديث هنا عن البرّ في حدوده المطلوبة وجوباً ، التي يعدّ الخروج عنها من العقوق المحرّم .. وللبرّ بعد ذلك آفاق واسعة ، وأذواق عالية ، لا يتسنّم ذراها إلاّ أهل التوفيق الإلهيّ والعناية .
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول