تحريم الزواج بالمحصنات.. وما حدث في أوطاس

حرم الله تعالى الزواج من (15) نوع من النساء، وهن: 1- زوجة الأب، 2- الأمهات، 3- البنات، 4- الأخوات، 5- العمات، 6- الخالات، 7- بنات الأخ، 8- بنات الأخت، 9- أمهات الرضاعة، 10- أخوات الرضاعة، 11- أمهات المرأة، 13- الربيبة وهي بنت الزوجة إذا تزوج الرجل أمها ودخل بها بعد العرس، 14- وزوجات الأبناء، 15- والجمع بين الأختين، 16- المحصنات من النساء. وذلك وفقاً لما ورد في سورة النساء، الآيات [22-24].

فكل امرأة محصنة (متزوجة)، يحرم الزواج بها إن كان زوجها حياً، إلا في حالة خاصة جداً تتعلق بالحرب، وذلك إذا أصبحت المرأة سبية في الحرب، وملكاً لليمين، فعندما تكون من سبايا الحرب، فيحق لسيدها أن يتزوجها بعد انقضاء عدتها، ولذلك قصة تتعلق بما حدث في أوطاس، وأوطاس هي: "وادٍ يقع في المملكة العربية السعودية بين مكة والطائف. وقعت في الوادي غزوة حنين وسرية أوطاس في السنة الثامنة للهجرة".

وكنت قد شاهدت فيديو لملحد يشنع على الإسلام بسبب ما حدث في أوطاس، بل ويذهب ليس فقط لإنكار دين الله عز وجل، بل لإنكار الخالق عز وجل، فلا دين ولا رسالة ولا إله بزعمه، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وقد استند في إلحاده إلى ما حدث في أوطاس، وقبل أن نفند شبهة الإلحاد والملحدين حول الموقف من أوطاس، نريد أن نعرف ما جرى، وبعض ما قيل في الرد على المشنعين، ثم نعقب على ذلك:

جاء في موقع الإسلام ويب: "(والمحصنات من النساء): من أصناف النساء المحرمات على الرجال الزواج بهن ما جاء في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما) (النساء:24)، نقف مع سبب نزول هذه الآية. روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، بعث جيشاً إلى أوطاس؛ فلقوا عدواً فقاتلوهم، فظهروا عليهم، وأصابوا لهم سبايا، فكأن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيناهن من أجل أزواجهن من المشركين؛ فأنزل الله عز وجل في ذلك: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم)؛ أي: فهن لكم حلال، إذا انقضت عدتهن". 

هـــنا:

وجاء في الموقع ذاته تحت عنوان: الجواب عن شبهة سبايا أوطاس: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فكثير من المغالطات التي تذكر في موضوع الرق، والسبايا تكون بسبب عدم إدراك طبيعة المجتمعات البشرية قديًما أيام وجود الرق، ثم لعدم العلم بأحكام الشريعة الإسلامية وهديها في معالجة قضية الرق، وقد سبق لنا التنبيه على هذا, وبيان الحكمة من عدم منع الإسلام مسألة السبي في الحروب، وذلك في الفتوى رقم: 184849, كما سبق لنا بيان ما وقع بخصوص سبايا أوطاس في الفتوى رقم: 154619, وراجع لمزيد الفائدة حول هذا الموضوع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 2372، 4341، 8720.

ومنها يعرف أن تسمية إباحة وطء السبايا بملك اليمين اغتصابًا، جهل بالتاريخ والواقع، وبضوابط الحكم الشرعي؛ وراجع في الفرق بين الوطء بملك اليمين والزنا، الفتوى رقم: 47344. 

وننبه هنا على أن السبية إذا وطئها سيدها فحملت منه، فإنها تصبح أم ولد تعتق بموت سيدها, وإذا أراد أن يتزوجها فلا بد أن يعتقها قبل أن يتزوجها؛ وراجع في ذلك الفتوى رقم: 3272.

كما ننبه على أن السبية الكافرة يحرم وطؤها بملك اليمين عند أكثر أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة؛ وراجع في ذلك الفتوى رقم: 50902.

وهذا يدل على أن المسألة ليست مجرد شهوات تُنال، ولا أعراض تنتهك، فإن هذا لو كان انتهاكًا للعرض لكانت الكافرة أولى به من المسلمة، فتأمل!! 

وأما مسألة وطء المتزوجات من السبايا، فله أحوال متعددة، تختلف بحسبها الأحكام.

قال ابن قدامة في المغني: إذا سبي المتزوج من الكفار، لم يخل من ثلاثة أحوال:

ـ أحدها: أن يسبى الزوجان معًا، فلا ينفسخ نكاحهما, وبهذا قال أبو حنيفة، والأوزاعي, وقال مالك، والثوري، والليث، والشافعي، وأبو ثور: ينفسخ نكاحهما؛ لقوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24] والمحصنات المتزوجات إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي, قال أبو سعيد الخدري: نزلت هذه الآية في سبي أوطاس, وقال ابن عباس: إلا ذوات الأزواج من المسبيات, ولأنه استولى على محل حق الكافر، فزال ملكه، كما لو سباها وحدها, ولنا أن الرق معنى لا يمنع ابتداء النكاح، فلا يقطع استدامته، كالعتق، والآية نزلت في سبايا أوطاس، وكانوا أخذوا النساء دون أزواجهن، وعموم الآية مخصوص بالمملوكة المزوجة في دار الإسلام، فيخص منه محل النزاع بالقياس عليه.

ـ الحال الثاني: أن تسبى المرأة وحدها، فينفسخ النكاح، بلا خلاف علمناه, والآية دالة عليه، وقد روى أبو سعيد الخدري، قال: أصبنا سبايا يوم أوطاس، ولهن أزواج في قومهن، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24]. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن. إلا أن أبا حنيفة قال: إذا سبيت المرأة وحدها، ثم سبي زوجها بعدها بيوم، لم ينفسخ النكاح.

ـ الحال الثالث: سبي الرجل وحده، فلا ينفسخ النكاح؛ لأنه لا نص فيه، ولا القياس يقتضيه، وقد سبى النبي صلى الله عليه وسلم سبعين من الكفار يوم بدر، فمنَّ على بعضهم، وفادى بعضًا، فلم يحكم عليهم بفسخ أنكحتهم .. وقال أبو الخطاب: إذا سبي أحد الزوجين انفسخ النكاح، ولم يفرق, وبه قال أبو حنيفة. اهـ".

انظر هنـــا 

تعقيب ومناقشة:

أولاً: إن الإسلام دين مكارم الأخلاق، ولا يمكن المزايدة على الإسلام في هذا الباب.

ثانياً: ومن مقاصد الإسلام حفظ الضرورياتِ الخمس، وهي مقاصدُ التشريع الإسلامي، وأكثرُ الأشياء أهميةً في في حياةِ الإنسان، وهذه هي:(الدينُ والعقلُ والنفسُ والعرضُ والمالُ)(1).

وحفظُ الدين يكون بحراستهِ من الشركِ والبدع والخرافات..

وحفظُ العقلِ بحمايته من الخمرِ والمخدرات..

وحفظُ النفسِ بتحريم القتلِ والانتحار والإجهاضِ..

وحفظ العرض بتحريم الزنا والشذوذِ الجنسي ونكاحِ المحارم، ونكاحِ البهائم، وما يفضي إلى ذلك..

وحفظ المال بصونهِ من طرقِ الكسب غير المشروع، والإنفاقِ في المعاصي... 

ولو لم تأتِ الشريعةُ إلا لحفظِ هذه المقاصدِ الخمسة لكفى بذلك مبرراً لاتباعها.

ثالثاً: الإسلام نظم العرب وطورهم وأقام حضارتهم، وفي هذا الصدد يقول غوستاف لوبون موضحاً فضل الإسلام عليهم أفراداً وجاعات: "ولقد أصاب مسيو ج. دو حيث قال: من فضل الإسلام زوالُ الأصنام والأنصاب من الدنيا، وتحريمُ القرابين البشرية، وأكلِ لحوم الإنسان، وحفظُ حقوق المرأة، وتقييدُ مبدأ تعدد الزوجات، وتنظيمُه مع عدم الوصول إلى الحق المطلق، وتوطيدُ أواصر الأسرة، وجعلُ الرقيق عضواً فيها، وفتحُ أبوابٍ كثيرة لتحريره، وتهذيبُ الطبائعِ العامة، ورفعُ مستواها بالصلاة والزكاة، وإيواءُ الغرباء، وتثقيفُ المشاعرِ بالعدلِ والإحسان، وتعليمُ أولياءِ الأمورِ أن عليهم من الواجبات ما على الرعية، وإقامةُ المجتمع على أسس منظمة، وإذا حدث أن وُجدَ جوْرٌ في الغالب، كما في أي مكانٍ آخر، وُجدَ في العدل الإلهي ما يخفف وطأتَه، وذلك أن في رجاء الحياة الآخرة، حيثُ السعادةُ وحسن الثواب، سنداً لضحايا الدهر أو الظلم، وتلك هي بعض المحاسن التي تدلُّ في كل مكان على انتشار الإسلام في المجتمعات غير المتمدنة".(2)

رابعاً: إن نعمة الحرية من أثمن ما أهداه هذا الدين إلى البشرية، فلا صدقية لمن يدعي بأنه انتشر بالسيف، فأمة الأحرار لا تسوق للناس القهر والعبودية، وإنما تهدي لهم تجاربها على طبق من ذهب، باذلة النفس والنفيس من أجل هداية الناس وتحريرهم، والمسلمون نشروا الحرية في هذا العالم، وهم أكثر الفاتحين رحمة، وفي هذا الصدد يحسن أن نذكر ما قرره غوستاف لوبون حيث قال: "وسيرى القارئ حين نبحث في فتوح العرب وأسباب انتصارهم، أن القوة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن، فقد ترك العربُ المغلوبينَ أحراراً في أديانهم، فإذا حدث أن اعتنق بعضُ الأقوامِ النصرانيةِ الإسلامَ، واتخذوا العربيةَ لغةً لهم؛ فذلك لما رأوا من عدل العرب الغالبين ما لم يروا مثله من سادتهم السابقين، ولما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم يعرفوها من قبل. وقد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة، فلما قهر النصارى عربَ الأندلس فضَّلَ هؤلاء القتلَ والطرد عن آخرهم على ترك الإسلام. ولم ينتشر القرآن بالسيف إذن، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوبُ التي قهرت العرب مؤخراً، كالترك والمغول"(3)

خامساً: وعن الحضارة العربية الإسلامية أخذ الأوروبيون مبادئ احترام المرأة وتكريمها، وإعطائها حقوقها، فالعرب المسلمون هم من حرروا المرأة من قيود الرق والعبودية والأهواء، وأعادوا لها اعتبارها في الحياة، وفي هذا السياق بقول غوستاف لوبون: "إن الأوربيين أخذوا عن العرب مبادئ الفروسية وما اقتضته من احترام المرأة، والإسلام إذن، لا النصرانية، هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، وذلك خلافاً للاعتقاد الشائع، وإذا نظرت إلى سنيورات نصارى الدور الأول من القرون الوسطى، رأيتهم لم يحملوا شيئاً من الحرمة للنساء، وإذا تصفحت كتب تاريخ ذلك الزمن وجدتَ ما يُزيل كل شكٍ في هذا الأمر، وعلمتَ أن رجال عصر الإقطاع كانوا غلاظاً نحو النساء قبل أن يتعلم النصارى من العرب أمر معاملتهن بالحسنى... وهنا نستطيع أن نكرر، إذن، قولنا إن الإسلام الذي رفع شأن المرأة، بل نضيف إلى هذا: أنه أول دينٍ فعل ذلك، ويسهل إثبات هذا ببياننا أن جميع الأديان والأمم التي جاءت قبل العرب أساءت إلى المرأة، وهذا ما أوضحناه في كتابنا الأخير.. ".(4)

سادساً: من أبسط البديهيات معرفة أن قوانين الحرب غير قوانين السلم، وما لا يحل فعله في السلم قد يحل فعل بعضه في الحرب، لأن الحرب عكس السلم، وقوانينها غالباً ماتكون عكس قوانين السلم، وما بعد الحرب ليس كما قبلها، فالحرب حياة تغشاها الموت، أو موت تغشاه الحياة، وبالحرب تتغير الجغرافيا والخرائط والمجتمعات، ويحدث زلزال في البنى والعلاقات الاجتماعية، فيكثر الأرامل والأيتام، وتسفك الدماء، ويكثر السبي، حيث كانت الرجال تُقتل أو تؤسر أو تهرب، وتُساق النساء والذراري سبايا، لا فرق بين بنات الملوك وبنات العمال الفلاحين، وفي هذا الصدد تقول حُرَقَة بنت النعمان بن المنذر (وهي من بني لخم ملوك الحيرة):

فَبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالْأَمْرُ أَمْرُنَا=إِذَا نَحْنُ فِيهِــــــمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُ

فَأُفٍّ لِدُنْيَا لَا يَدُومُ نَعِيمُهـَــــــــــا=تَقَلُّبَ تَارَاتٌ بِــــــــــــنَا وَتَصَرَّفُ

وهذا الأثر للحرب سار في كل قوانين البشرية ومجتمعاتها، ولذلك وجدت قوانين الطوارئ، والمحاكم العسكرية، ووزارة الدفاع؛ لتنظيم أمور الحرب ونتائجها وما يتبع ذلك، وقديماً قال المتنبي يذكر إحدى وقائع سيف الدولة وفيها يشير إلى أحكام الحرب ونتائجها(5):

حتى أقامَ على أرباضِ خرشــــــــنةٍ

تشقى بها الرومُ والصلـــبانُ والــبيعُ

للسبيِ ما نكحوا والقتلِ مــــــا ولـدوا

والنهبِ ما جمـــعوا والنارِ ما زرعوا

وباختصار: الحرب فتح للمنتصر، وكارثة على المهزوم، وهي في أغلب أحوالها كريهة، تدمر الحضارات، وتذهب بالإنجازات، ويكرهها الله عز وجل؛ رغم أنها قد تكون مشروعة وضرورة أحياناً، وحالها هنا تشبه حال الطلاق، فهو مباح ولكنه أبغض الحلال، والدليل على كراهية الرب عز وجل للحرب وتوابعها أنه سبحانه هو يطفئ نيران الحروب التي يشعلها الإنسان لأسباب كثيرة، قال تعالى: (كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) [المائدة: 64]. 

والله تعالى يريد من عباده أن يذكروه ويشكروه ويوحدوه، لا أن يتقاتلوا فيما بينهم، وفي الحديث الشريف الذي رواه أبو الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئِكُم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِق(6)؟ وخير لكم مِنْ أَنْ تلقَوْا عدوَّكُمْ فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟) قالوا: "بلى يا رسول الله"! قال: (ذكر الله). رواه مالك، وأحمد، والترمذي، وابن ماجة(7).

سابعاً: وبناء على ما تقدم: كان من شرائع الحرب قديماً قتل الأسرى أو فكاكهم بالفدية، وأخذ الغنائم والسبايا، والإسلام جاء في ذلك الواقع، فلا يمكن أن يسمح للآخرين بسبي المسلمين ولا يسمح للمسلمين بفعل ذلك مع عدوهم، لأن المعاملة تكون بالمثل، وإذا لم تعامل عدوك بالحزم استباحك وقضى عليك، فمن ثم كان لا بد من إقرار أحكام تناسب الواقع البشري، ولكنه أمر بحسن المعاملة للعبيد، وهذب الغرائز المتوحشة من قتل وإجرام وتدمير في نفوس الناس. 

ومثل هذه الأحكام كانت في فترة تاريخية مرت وانتهت، وإعادة إثارتها من قبل الملاحدة هو للتشويش على الدين الحنيف والمؤمنين به!

وبحمد الله تعالى فقد تم الانتهاء من ظاهرة الرق في العصر الحديث، وجاء إعلان الأمم المتحدة الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وذلك سنة 1948م، وهو يحدد، وللمرة الأولى، حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميا، وقد ترجم إلى 500 لغة. انظر لمزيد من التفاصيل موقع الأمم المتحدة هـــنا:

ثامناً: وما جرى في أو طاس هو معركة من معارك التاريخ، والفريق المنتصر يسبي الفريق المهزوم، وقد أخذ المسلمون الغنائم، ووزعوا السبايا، والمرأة حين تصبح سبية أو رقيقاً يُفسخ عقدها، ويحق لمن كانت ملك يمينه أن يتزوجها عند طهرها، ولا يحق له زواجها قبل أن يعتقها، فإذا أعتقها وتزوجها صارت زوجته، وأما زوجها الأول فقد طلقت منه مجرد أن صارت في السبي، والله قد أحل للمسلمين ذلك. ونضيف هنا شيئاً مما ذكر في موقع إلإسلام ويب تحت عنوان: ( لماذا لم ينهَ الإسلام عن سبي النساء؟ وما الحكمة منه؟): وهو الآتي: "جاء في كتاب: شبهات حول الإسلام ـ للأستاذ محمد قطب في الجزء الخاص بهذه الشبهة تحت عنوان: الإسلام والرق ـ وقد تناول مؤلفه جواب ما استفسر عنه السائل، فكان مما قال: لقد جفف الإسلام منابع الرق القديمة كلها، فيما عدا منبعاً واحداً لم يكن يمكن أن يجففه، وهو رق الحرب، ولنأخذ في شيء من التفصيل: كان العرف السائد يومئذ هو استرقاق أسرى الحرب أو قتلهم، وكان هذا العرف قديماً جداً، موغلاً في ظلمات التاريخ، يكاد يرجع إلى الإنسان الأول، ولكنه ظل ملازماً للإنسانية في شتى أطوارها، وجاء الإسلام والناس على هذا الحال، ووقعت بينه وبين أعدائه الحروب، فكان الأسرى المسلمون يسترقون عند أعداء الإسلام، فتسلب حرياتهم، ويعامل الرجال منهم بالعسف والظلم الذي كان يجري يومئذ على الرقيق، وتنتهك أعراض النساء لكل طالب، يشترك في المرأة الواحدة الرجل، وأولاده، وأصدقاؤه من يبغي الاستمتاع منهم، بلا ضابط ولا نظام، ولا احترام لإنسانية أولئك النساء أبكاراً كن أم غير أبكار، أما الأطفال ـ إن وقعوا أسرى ـ فكانوا ينشؤون في ذل العبودية البغيض، عندئذ لم يكن جديراً بالمسلمين أن يطلقوا سراح من يقع في أيديهم من أسرى الأعداء، فليس من حسن السياسة أن تشجع عدوك عليك بإطلاق أسراه، بينما أهلك وعشيرتك، وأتباع دينك يسامون الخسف والعذاب عند هؤلاء الأعداء، والمعاملة بالمثل هنا هي أعدل قانون تستطيع استخدامه، أو هي القانون الوحيد، ومع ذلك فينبغي أن نلاحظ فروقاً عميقة بين الإسلام وغيره من النظم في شأن الحرب وأسرى الحرب ... اهـ. وأما الاستمتاع بالمسبية فليس فيه اغتصاب، ولا عدوان على المرأة المسبية، ولا انتهاك لحقوقها، بل هو تكريم لها ورفع لقدرها؛ لأن المسبية إذا دخلت في ملك الرجل بحكم السبي فإنها غالبا ستنضم إلى عياله وأهله، وهي امرأة لها حاجاتها ومتطلباتها النفسية، والجنسية، فلو منعنا الرجل من وطئها ففي هذا فتنة له؛ لأنها امرأة أجنبية مقيمة معه في بيته، تقوم على خدمته وتشاركه خصوصياته فهي أمام عينيه صباح مساء، وفيه أيضا فتنة لها نظرا لاحتياجها لما تحتاجه النساء، فاقتضت حكمة اللطيف الخبير أن يبيحها لسيدها ليحصل الإعفاف لكل منهما بدلا أن يقعا في الحرام، أو تلجأ الجارية إلى فعل الفواحش والمنكرات فينبت في المجتمع نابتة من ملك اليمين تشيع فيه الفاحشة والرذيلة، وفي هذا معاملة كريمة للمرأة المسبية، إضافة إلى أن هذا سيفتح لها باب العتق؛ لأنها إذا حملت من سيدها وأنجبت فقد صارت أم ولد، وأم الولد تخرج من الرق الكامل خروجًا جزئيًا بمجرد الوضع للمولود، وتعتق عتاقا كاملا بمجرد موت سيدها".

انظر هنـــا

تاسعاً: وإذا أسقطنا الدين كما يعمل الملاحدة؛ فنكون قد وقعنا بالإباحة، فلا يوجد محرم إلا ما حرمه القانون، والقانون يتغير من زمن لآخر، ومن مكان لآخر، وعليه لا يجد محرمات ثابتة ولا مقدسات دائمة، وإنما حسب المصلحة وأهواء المشرعين، وهكذا لم نعالج المشاكل الإنسانية بشكل صحيح.

عاشراً: ولا يمكن منهجياً لمن يُسقط الدين أن يُتبع ذلك بقضية إسقاط وجود الله، وهي مسألة متفق عليها بين الأديان جميعاً، وكذلك بين الفلاسفة ومعظم العلماء القدامى والمعاصرين، وقد نجد من يؤمن بالله ولكنه لا يؤمن بالدين، فليس إنكار الدين يستلزم إنكار الخالق عز وجل، فالقضيتان منفصلتان، وكفار قريش مثلاً لم يؤمنوا بالإسلام، ولكنهم لم ينكروا وجود الله، وإنما أشركوا معه غيره. 

أحد عشر: إن الملاحدة إذا أسقطوا الدين لا بديل لديهم، فالعقول تتفاوت في الأحكام والرؤى والإدراك ولا يمكن أن تتفق على مرجعية ثابتة، أو شيء مقدس لوحدها بدون مساعدة الوحي.

اثنا عشر: لا ينبغي للملاحدة أن يثيروا الشبهات الصغيرة حول الدين الحق، ويشغلونا عن الأسئلة الحقيقية التي نوجهها لهم. وليثبتوا لنا: كيف قام هذا العالم، وما الغرض من الحياة، فإنهم لا شيء لديهم في هذا الصدد سوى كلمات فارغة: الطبيعة، صدفة، لا ندري...

ثلاثة عشر: نبوة محمد فوق الشبهات، ومعجزته مُتحدى بها وقائمة إلى قيام الساعة، فليثبتوا لنا كيف لرجلٍ أميًّ أن يعلم العلماء دون أن يكون نبياً... ولله شوقي حين قال:

يا أيها الأميُّ حســـــبكَ رتبةً=في العلمِ أنْ دانت لك العلماءُ

أربعة عشر: نحن نعتقد بوجود إله حكيم لهذا الكون، ونعترف بالنبوة والأنبياء، ومليارات من البشر مثلنا يقرون بذلك، وما أمر به أو نهى عنه نأخذه بالرضاء والتسليم، وليس لملحدٍ أن يقول: كيف لله أن يتدخل في كل شأن؟، وينزل قرآناً يبيح للصحابة أن يتزوجوا نساء غيرهم المسبيات بعد الحرب؟، ولا يتدخل في إنقاذ أطفال العالم والمحاصرين في الحروب اليوم!... فالقرآن كان تشريعاً للأمة إلى يوم القيامة، ومن الطبيعي أن يحتوي القرآن وهو دستور الأمة مجمل الأحكام التي تخص الأفراد والمجتمعات في شئون دينها ودنياها، وقد توقف نزوله اليوم، فلا يُطالب رب العزة جل وعلا أن ينزل قرآناً اليوم في كل شأن يحدث في العالم، وإنما يتدخل بأمره وقدره، وله في ذلك حكمة وقضاء، والسبيل إلى طلب تدخله هو التوسل والدعاء، وينصر ربك من يشاء.

وعلى المنكرين لوجود الله تعالى إثبات ادعاءاتهم بالمنطق الصحيح، وأن هذا الكون قام بنفسه، وأن المادة أزلية كما يزعمون... ولكن أنى لهم ذلك! ودونه خرط القتاد!

خمسة عشر: إذا كان للمرء شبهة ما حول نص أو موضوع في الدين، فعليه أن يراجع أهل العلم لحل إشكاله، أما أن يكون هو صاحب الشبهة، وهو الحكم في الموضوع؛ فهذا لا يمكن قبوله، والأديان لا تسقط بمجرد شبهة واحدة أو موقف واحد لم يتقبله إنسان ما، ولو أنها تسقط بمثل هذا؛ لما رأيت ديناً على وجه الأرض، والواقع عكس ذلك، فقد وجدت أمم وشعوب بدائية بلا فنون ولا صناعات ولا علوم ولكن لم توجد أمة واحدة بلا دين، يقول الباحث ول. ديورانت في كتابه: (قصة الحضارة، ترجمة الدكتور زكي نجيب محمود): (1/99): "ولا يزال الاعتقاد القديم بأن الدين ظاهرة تعم البشر جميعاً اعتقاداً سليماً، وهذه في رأي الفيلسوف: حقيقة من الحقائق التاريخية والنفسية".

ستة عشر: أنكرت بعض الفرق كالمعتزلة مثلاً عذاب القبر، وإنكار بعض النصوص، أو تأويلها بغير معناها المباشر، لا يستلزم إنكار الدين كله، لأنه لأنه لو لزم في كل علم ودين إنكار جميع المسائل اعتماداً على إنكار مسألة منها؛ للزم هذا إنكار العلوم والأديان جميعاً، ولما كانت هنالك حقيقة ثابتة في هذا الوجود.

سبعة عشر: إن منهج الملاحدة في التفتيش عما يظنونه مآخذ وثغرات حول الدين، هو لا يوقع صرح الدين الحق المتين، وإنما يفضح جهلهم وطريقتهم في التعامل مع الدين بطريقة مزاجية ليست من الموضوعية في شيء، فالنقد في أي موضوع يجب أن ينصب على الجوهر أولاً، لا على أمور ثانوية، أو ثانوية الثانوية.

ثمانية عشر: الملاحدة أبعد الناس عن الأخلاق، وقد شهد التاريخ حين حكموا نصف الكرة الأرضية تقريباً قبل انهيار الشيوعية بأنهم ارهابيون سفاحون من طراز فريد، وفي رواية (عائد من الجحيم) لأنطوان دومازه، وكتاب (الصنم الذي هوى) لستة من كبار كتاب أوروبا ما يؤكد ذلك، ومثل هؤلاء ليسوا أهلاً للتباكي على حقوق الإنسان، ولا لإعطاء شهادة حسن سيرة وسلوك للأديان، والله ولي التوفيق.

1- قسم الإمام الشاطبي مقاصد الشريعة إلى: 1- ضروريات لابد منها لقيام مصالح الدين والدنيا وهي خمسة (حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، ... قالوا: إنها مراعاة في كل ملة). 2- حاجيات، يحتاجها الناس للتوسعة ورفع الضيق المؤدي إلى الحرج والمشقة، مثل الرخص في العبادات، وهي داخلة أيضاً في العادات، والمعاملات، والجنايات. 3- تحسينات، وهي الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق. انظر: الموافقات، شرح عبد الله دراز، ص (222-223)، دار الكتب العلمية، بيرؤوت، 2009م.

2 - حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، ص (617).

3 - حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، ص (127-128).

4 - حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، ص (403-406).

5- انظر: مختارات البارودي، (2/30).

6- أي: الفضة.

7- انظر: مشكاة المصابيح، للتبريزي، بتحقيق الألباني، (2/702).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين