اليرموك ملحمة تتجدد



هنا، عند مُنْحَدَراتِ التلالِ، أمام الغروبِ وفُوَّهَة الوقت،
قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِّ،
نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ،
وما يفعلُ العاطلونَ عنِ العمَلْ:
نُرَبِّي الأمَلْ.
بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر. صرنا أَقلَّ ذكاءً،
أَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر:
لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة.
أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ
في حلكة الأَقبية.
هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحداً
سيمتدُّ هذا الحصارُ إلى أن نعلِّم أَعداءنا
نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ.

   
  هكذا غنى الدرويش يوما، وهكذا سيغني الفلسطينيون على الدوام، هكذا كتب عليهم أن يعيشوا، بين ظلم الغريب، واضطهاد القريب، وقسوة الحياة، ومرارة العيش، وشظف الأرض، وذل المخيمات.
  خرجوا من دورهم وقراهم ومدنهم يبحثون عن بقايا أمن مفقود، خوفا من شذاذ آفاق، تفننوا في ضروب من إرهاب لم يعرف له العالم مثيلا، وعنف لم يشهد له العالم شبيها.
  لم يدر في خلد أولئك النازحين أنهم يستجيرون من الرمضاء بالنار، وأن جيرانهم من العرب تاجروا بهم، وبقضيتهم وبحقهم المسلوب.
  راودهم كل زعيم عن نفسه، إن هم طاوعوه ولانوا له، ومكنوه من أنفسهم، وجاروه في تنفيذ مخططاته وأهوائه، وضربوا بسيفه، وتترسوا بترسه، وتبايعوا بفلسه. وإلا فهم المتنكرون للمعروف، الكافرون للنعمة، الجاحدون للخير.
  ليس من حقهم مناصرة المظلوم، والجهر بالحق، وهم الذين ذاقوا ألوان الظلم، وتجرعوا أفانين القهر. 
  ليس من حقهم رفع أصواتهم إلا في تمجيد الزعيم، ولا التعبير عن عاطفتهم إلا في حب الزعيم، ولا تصويب بنادقهم إلا في صدور أعداء الزعيم. وإلا فهم الخونة والمجرمون والأعداء والقتلة والمنافقون. وعندها فمن حق الزعيم أن يقتلهم جوعا، ويسحقهم صبرا، ويبيدهم عطشا، ويفنيهم حصارا.
  لكم الله، أيها المحاصرون في اليرموك، خرجتم تبحثون عن الحياة في الجوار، فوجدتم الموت يترصدكم في نواصي الشوارع، ولقمة الخبز، ورشفة الماء، وجرعة الدواء.
  إنه الموت نفسه، والطريقة نفسها، والسلاح نفسه، والعدو نفسه، لكن -ربما - مع اختلاف الأسماء.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين