علم من
أعلام القضاة والعلماء في بلاد الشام
العلامة القاضي الشيخ محمد أديب الأهدلي اليماني رحمه الله تعالى
بقلم: محمد أديب
الأهدلي اليماني
تعاقب على اللاذقية
قضاة من مدن أو بلدان أخرى وكان أكثرهم شهرة العلامة الكبير الشيخ يوسف النبهاني
رحمة الله ورضوانه عليه، وكذلك الأمر مع المترجم له العلامة القاضي الشيخ محمد
أديب الأهدلي رحمه الله، الذي طلب العلم في اللاذقية أيضا وتربى في مجالس العلم
الشرعي عند العلامة الشيخ مصطفى المحمودي رحمه الله، والعلامة الشيخ محمود المصري
رحمه الله، ثم رجع إلى اللاذقية ليستلم كرسي القضاء الشرعي بعد رحلة طويلة في طلب
العلم في بلاد الشام ومصر، ولقد سمعنا علماء اللاذقية يتكلمون عنه وعن فضائله حيث
تتلمذ على يديه ثلة من طلبة العلم في اللاذقية..
لقد كتب رحمه الله
سيرته الذاتية في كتابه: (القول الأعدل في تراجم بني الأهدل) كما كتب ترجمته علماء
آخرون، وهنا ننقل ما كتبه عن نفسه في الكتاب المذكور.
ترجمتي
أنا محمد أديب بن
عزي بن حسن بن القادري بن عمر بن القاسم بن محمد بن الطاهر بن محمد الثاني. ولدت
سنة ١٣١٢هـ موافق سنة ١٨٩٤ م في قرية شغر القديم حيث ختمت القرآن الكريم على الشيخ
محمود صالح، وجودته على الشيخ مصطفى زيني، وتعلمت الكتابة في زاويتنا الأهدلية على
معلم خاص أحضره لي والدي، ثم انتقلت إلى المدرسة الرشدية في قصبة الجسر فهيأ الله
لي أستاذين أحدهما مدير المدرسة المرحوم الشيخ عبد الله أفندي الكردي، والثاني
معلمها الأول الأستاذ يحيى بك الكيالي الذي أصبح فيما بعد مديرا لأوقاف حلب فمديرا
عاما لأوقاف سورية ثم اختار التقاعد وتوطن حلب.
والتخصص الأول بعلم
التوحيد والمنطق والكلام أنقذ عقلي من الخرافات والأوهام، والتخصص الثاني بالعلوم
الكونية صان فكري من جمود الحيوية.
فأنا والحق يقال
مدين لهذين الفاضلين بعد تربية الوالدين. لأن الأول هو الذي لقنني جوهر الدين وبنى
عقيدتي على أساس البرهان، والثاني هو الذي علمني مبدأ الصدق وأفهمني حقوق الإنسان،
وكل منهما مرنني على تطبيق تعاليمه وحرص كل الحرص على أن يكون غرسه مثمرة.
ولبلوغ هذه الغاية
كان الأول يتنزل لمجادلتي ويورد علي الشبهات، ويتحمل الثاني عناء مراقبتي في جميع
الحركات والسكنات، والويل لي إن حاولت التخلص بالسفسطة أو الكذب، فلا زلت حتى
الساعة أتذكر ألم الملام والعتب، وإذا أنا أصبت القول وأحسنت العمل كان سرورهما بي
على قوة الأمل، ولبيان درجة تأثيرهما على نفسي أذكر هذه الحادثة لتكون عبرة لكل
تلميذ.
جرت العادة في الجسر
أن يتمرن الأولاد على السباق عصر أيام الربيع في أرض البيدر هذا قبل السيارات فاشتركت
معهم بإذن من والدي، غير أن استاذي يحيى بك أمرني بعدم ركوب الخيل، فاتفقت مع
الرفقاء على اختيار محل خارج البلدة يغيب عن نظر الأستاذ، وفي مساء يوم بينما كنا
عائدين أتسابق بالجادة مع زميلي آمين آغا ابن المرحوم سليم آغا النجاري الذي كان
من أعز أصدقاء والدي، ولا أدري كيف ظهر الأستاذ يحيى بك أمامنا فلم أشعر إلا وأنا
على ظهر شخص يحملني إلى البيت. أما كيف سقطت عن ظهر الفرس وماذا جرى بها، وأين
وقعت، ذلك لا أعرفه حتى الآن.
بمثل هذه السلطة
الروحية شذَّب أساتذتنا أخلاقنا وانتزعوا من نفوسنا أدران الرذيلة وغرسوا مكانها
بذور الفضيلة، ولذلك أخذنا اليوم نقدر جهودهم ونشكر فضلهم ونسأل الله أن يضاعف أجرهم.
أقول - أنا الناقل
مصطفى حسن فرحات - ما كتبه عن فضل الأستاذين الفاضلين عليه لهو دليل كبير على
الوفاء والمحبة والاحترام والتقدير والشكر الكثير والامتنان رحمهم الله جميعا.
وبعد خروجي من
المدرسة الرشدية انصرفت لطلب العلم الديني حسب رغبة والدي ورحلت في سبيله إلى أريحا،
وإدلب، واللاذقية، وحلب، ومصر، ففي الجسر أخذت عن أبي وعن المحدث الشهير الشيخ
أحمد أفندي العكاوي، وعن القاضي طاهر أفندي الرافعي، والقاضي مظهر أفندي المفتي،
ووالده العلامة محمد ديب أفندي مفتي إدلب، وعن الشيخ محمد أفندي لحلوح السيجيري أمين
الفتوى، والشيخ محمد أفندي النابلسي خريج الأزهر، والمدرسين الشيخ محمود أفندي
الجوهري، والشيخ شفيق أفندي الكيالي، والشيخ محمود أفندي الحميداني.
وفي أريحا أخذت عن
عالمها ومدرسها الشيخ عبد العزيز أفندي الحصروفي، وولده الشيخ فاضل أفندي. وفي إدلب
أخذت عن علامتها ومدرسها ونقيب أشرافها الشيخ طاهر أفندي منلا الكيالي، وعن الشيخ
محمد أفندي ختروان، وفي حلب أخذت عن الشيخ محمد أفندي الزرقا مدرس الشعبانية،
والشيخ أحمد أفندي المكتبي مدرس الدليوتي وجامع الحاج موسى، والشيخ عمر أفندي
المارتيني مدرس البهايئة، والشيخ عبد الله أفندي المعطي مدرس الأسدية، وفي
اللاذقية أخذت عن الشيخ مصطفى أفندي المحمودي مفتيها الحالي، وعن الشيخ محمود
أفندي المصري في مدرسته جامع البازار.
وفي مصر دخلت جامعة
الأزهر الشريف تحت ولاية الشيخ سعيد أفندي الرافعي صاحب المكتبة الأزهرية في السكة
الجديدة لذي ألزم فقيد الإسلام والعرب السيد مصطفى صادق الرافعي بأن يشملني بعطفه
ويرعاني بلطفه ويسقيني جرعة من رحيق عربيته وبيانه.
بعد عودتي من الأزهر
الشريف عينت في نيسان ١٣٢٩ معلما في مدرسة ذكور الجسر الابتدائية.
وبعد إعلان النفير
العام ذهبت للجندية مُتطوعا قبل طلب أمثالي لاعتقادي أن رفع العلم النبوي يوجب
الجهاد على كل مسلم. فانتسبت لرهق البرق التلغراف ثم تحولت إلى قلم الفرقة الثالثة
والعشرين، وفي أثناء ذلك توفى والدي فعدت إلى الجسر مأذونا حيث أديت امتحان مشيخة
التكية وعينت بعد ذلك مأمورا للزراعة.
ثم في ٥ حزيران سنة
١٣٣٤ مالية عينت كاتبا ثانيا للأعشار، وبقيت فيها لنهاية الحرب العظمى. وفي ١
تشرين ثاني ١٩١٨ انتخبت مفتيا لقضاء جسر الشغور مكان والدي وقد أضيف إليها وكالة القاضي
ورياسة البداية.
وفي ١٩٢٥ أبعدتني
الحكومة إلى حلب حيث بقيت مُجبرا على الإقامة مدة سنة وسبعة عشر يوما، ثم لإصرارها
على خروجي من الجسر عينت في ١٦ كانون أول ١٩٢٦ مفتيا لجرابلس.
ثم في ٣١ تموز
١٩٢٨ قاضيا شرعية لقضائي اعزاز وكردضاع
درجة رابعة. وفي ١٤ آذار سنة ١٩٣١ تحولت قاضيا لقضائي الباب ومنبج. وفي ١٤ آب سنة
١٩٣٣ عينت حاكما لصلح قضاء حارم وقاضيا شرعيا من الصنف الثالث.
وفي ١ شباط سنة ١٩٣٥
تحولت قاضيا شرعيا لحلب وفيها ترقيت للصنف الثاني في ١٧ تشرين ثاني سنة ١٩٣٦.
ثم في ٣٠ آب سنة ١٩٣٨ أسندت إلى مديرية أوقاف
حلب، وفي ٢٩ تموز سنة ١٩٣٩ نقلت قاضيا شرعيا لحمص درجة ثانية وفيها رفعت إلى
الدرجة الأولى وهي وظيفتي الحالية حتى المباشرة في طبع هذا الكتاب.
وأختم ترجمتي بإثبات
الوثيقة الشرعية رقم ١٤٤ جريدة ٥ صحيفة ١١٥ لعلاقتنا بالبراءة وأمر نظارة الأوقاف
العثمانية المدرج بصحيفة ٨٨ .
وهنا يذكر نص هذه
الوثيقة باللغة العثمانية بالأحرف العربية. كما قدمها لحكومة الملك فيصل مترجمة
بالعربية.
هذا ما ذكره رحمه
الله في سيرته الذاتية في كتابه: القول الأعدل في تراجم بني الأهدل.
الجدير بالذكر أن
فضيلته استلم القضاء الشرعي في اللاذقية عام ١٩٤٩ رحمه الله تعالى. توفي رحمه الله
في ٢٧ أيار ١٩٧٢م.
ولقد أوردت مجلة
التراث العربي ترجمة كاملة وافية عنه وعن سيرته وهي مرفقة كصور هنا لمن أراد
الاطلاع والقراءة.
جزيل الشكر للأستاذ
خلدون عجان المحترم على تقديمه الوثائق الهامة... شكرا.
قدم لها ونقلها
الراجي عفو مولاه الذي بنعمته تتم الصالحات: مصطفى حسن فرحات عفا الله عنه وعن
والديه.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول