العقيدة الصحيحة  (1)

 

 

 1 – العقيدةُ الصحيحة هي الدين، أو هي عِمَادُه، وهي مُشتركة بين الأديان السماوية جميعاً، لوحدة المعبود فيها، كما قال تعالى: [شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ] {الشُّورى:13}.

فهذه الأديانُ السماويَّة لها خاصَّتان سامِيَتَان: إحداهما: أنَّها العقيدة الواحدة التي تسمو بها النَّفْسُ البشريَّة، والعقل المدرك. والثانية: أنَّ ما يدعون إليه يَكْبُر على المشركين عبدة الأوثان، أو بعبارة أعم عُبَّاد غيرِ الله تعالى من حَجَرٍ، أو بشرٍ، أو أوهامٍ وأساطير، أو تخيلات يُزيِّنُها الشيطان ويوسوس بها في النفوس كما كان يقول المشركون في أوثانهم: [مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى] {الزُّمر:3}، وأنَّ العقيدة الجامعة التي تَكبُر على المشركين هي التوحيد.

فالتوحيد خاصَّة الرسالة الإلهيَّة الأولى، وهي دعوة رُسُلِه أجمعين من نوحٍ وإبراهيم، إلى موسى وعيسى ومحمدٍ عليهم الصلاة والسلام، وهو فيصلُ التفرقة بين الدين الحق، والدين الباطل، وهو الفارقُ المميز بين العقيدة الصادقة السليمة، والعقيدة التي تَحُوطها الأساطير، وتَحُفُّها الأخيلة والأوهام، والتي تتخيَّل فيها النفوس ثم تَخَال، ثم تعتقد وتجزم من غير حجَّة ولا بُرهان.

2 – وأنَّ العقيدة الإسلاميَّة هي هذا التوحيد، فالإسلام يؤمن بالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لمْ يلدْ ولم يولدْ، بديع السموات والأرض أنَّى يكون له ولد، ولم تكن له صاحبةٌ، هو خالق الكون ومُنشئه تعالى لما يُريد، كلُّ ما في الوجود يدلُّ عليه، ويثبت وُحدة وجوده المنفرد بالإنشاء والإيجاد، فهو مالك السموات والأرض وما فيهما، وهو ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، وهو خالقُ الأسباب والمسبَّبات، لا يُقيِّده في إرادته شَيءٌ، إن شاء خلقَ بالأسباب العاديَّة، وإن شاء خلقَ من غير سَبب، كما خلقَ آدم من تراب من غير أب ولا أم، وكما خلق عيسى عليه السلام من غير أب، كما قال سبحانه وتعالى: [إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ المُمْتَرِينَ. فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالمُفْسِدِينَ. قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ] {آل عمران:59-64}.

وإذا كان المنشئ للوجود هو الواحد الأحد، الذي لا يُشبهُ شيئاً من خَلقه فهو المتفرِّد وحده بحق العبادة، فلا يُعبد سواه؛ لأنَّه ما من إله غيره، وكل عبادة لغير الله تعالى باطلة، وأنَّه هو الغفور الرحيم، وهو يَقبلُ التوبةَ من عباده، ولا تزرُ وازرةٌ وزرَ أخرى، فلا تتحمَّل الذريَّة خَطيئة أبيها، ولا الأبناء وزرَ الآباء، ولا يُكَفِّر الخطيئةَ إلا صاحبُها الذي ارتكبها، ولا يُكَفِّر الخطايا عن أحد تعذيب غيره بضرب أو أذى أو قتل على أيِّ صورة كان القتل، ولا يَحُلُّ الله في جسدٍ كائناً ما كانَ ذلك الجسد.

3 – فالعقيدة المُستقيمة حقاً وصدقاً هي هذه الوحدانية الطاهرة المجرَّدة التي لا تُخالطُها وثنيَّة كيفما كانت صورتُها، والتي تحاربُ الأوهام أنَّى كانت، وأين تكون.

ولأنَّ الإسلام جاءَ بالوحدانيَّة التي يُثبتها العقل، ويؤيِّدها التفكير السليم في الخلق، وفي الأشياء ظاهرِها وباطنِها، وفي الكونِ صغيرِه وكبيرِه، وفي النفوسِ وما يُدَسِّيها وما يهديها، لهذا كله كان ذلك الدين الحكيم قائماً على العقل، ما من قضية أتى بها إلا كان العقلُ يؤيِّدها، وما من قضية ردَّها إلا كان العقلُ يَرفضها، فهو دينٌ لا تَلتوي العقول في إدراكه، وهو دين الفطرة يتَّفق مع مُقْتضياتها، ويَستجيب لها، وتُدركه الفِطَرُ المستقيمة كما قال سبحانه وتعالى: [فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] {الرُّوم:30}.

ولهذا المعنى العقلي الفطري في الإسلام، ولبعده عن الوثنيَّة، ولأنه عقليٌّ مَعنوي، وليس حسياً مادياً كانت معجزته الكبرى من نوع المعقول الذي تتسامى إلى إدراكه العقول، وهو باقٍ يُخاطب العقول في كل الأجيال، وكلِّ العصور، وكلِّ الأجناس والشعوب ولذا قال سبحانه: [شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلَائِكَةُ وَأُولُو العِلْمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ] {آل عمران:19}.

4 – لقد كانت المعجزةُ التي تحدَّى بها العربَ أن يأتوا بمثلها، القرآن تحدَّاهم أن يأتوا بمثله، أو بسورةٍ منه، فلما عَجَزُوا أن يأتوا بمثل علمه، تحدَّاهم أن يأتوا بعشر سور من مثله ولو مفتريات، فعجزوا، ولا يزال يتحدى المُخَالفين أن يَأتوا بمثل بلاغته وأسلوبه في أي لغة من اللغات، فهو معجزة الوجودِ كلِّه، وهو كلامٌ يتَّجه إلى المعنى والفكرِ والعقل.

وقد جاءَ على يدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم خوارقُ للعادة، منها ما أعلنه ومنها ما لم يُعلنه، وإن لم يكن مَجْهولاً بل كان مَعْلوماً، فقد ساخ الحجرُ تحتَ قدمه، وكانت خطواته لا تؤثِّر في الرمال، وتؤثِّر في الأحجار، وبكى له البعير، وحنَّ إليه الجذع، وكان الخارق الأكبر للعادات الإسراء والمعراج.

ومع كل هذه الخوارق ما تحدَّى عليه السلام إلا بالقرآن، وما اعتبرَه معجزة دالَّة على الرسالة إلا القرآن؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدِ اُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [أخرجه البخاري ومسلم].

وإنَّه حقاً أكثرهم تابعاً؛ لأنَّ شريعته قائمة ثابتة فالذين يتَّبعونه عن بيِّنة، و كتابه قائم يَهدي للتي هي أقوم، وأما غير الإسلام من الأديان السماوية في أصلها، فقد انحرفوا عن أصلها، فالذين يدَّعونها ليسوا هم أتباع نبيها؛ لأنَّه كان مُوحِّداً، واليهود غيَّروا وبدَّلوا في شريعتها.

ولماذا لم يحتجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالخوارق الحسيَّة، وقد جرتْ على يديه؛ لأنَّه لا يريد أن يحتجَّ بخوارق تُذكر ولا تَبقى، ولأنَّه لا يريد أن يفتحَ باب الخوارق الحسيَّة التي قد تُدَّعى في الأوساط من بَعْده، والحسُّ قد يَضِل، والعقلُ السليم لا يضل، والقرآنُ بَاقٍ خالدٌ لا يَضِلُّ من يُحاولُ فَهمَه، وهو مُبينٌ لا يَأتيه الباطلُ من بين يديه، ولا من خَلفه. 

والأمور الحسيَّة قد تكونُ الأوهامُ هي التي تُصوِّرها، والخيالُ هو الذي يُجَسِّمُها، وتكون ذريعةً لإفكِ الأفَّاكين، وكذب الكذَّابين.

ألم يأتكَ النبأ بما أذيعَ عن شخص فيه عته قد أُسندَ إليه أنَّه يَشفي المرض، ويزيل كلَّ داء، وكان معه داعٍ يدعو، ومفترٍ يُرَوِّج، ثم تبيَّن كَذِبُه، ثم ذهبَ إلى أمريكا يتمنَّى أن يجدَ رَوَاجاً بين الخُرافيين، وقد راجَ حتى بدا الصريحُ عن الرَّغوة، وعاد إلى بلده مَذْءوماً مَدْحوراً هو ومن معه.

5 – ولحرصِ النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يَتركَ أُمَّته لأوهامِ الحسِّ وما يُحدِثُه من ضلال كان يَنْهى عن أن تُفسَّر الأحداث الحسيَّة، بغير تفسيرها العلميِّ، وما تنبئ عنه من قدرة الله تعالى، ولا تدع العقول المشدوهة فيها تتوهَّم، وتظنُّ ثم تعتقد.

يُروى أنَّه لما مات إبراهيم بن محمد صلى الله عليه وسلم، بكى صلى الله عليه وسلم ووقفَ على قَبره يَبْكيه، ويقول: إنَّ الموت حق، ولكن القلب يَحزن والعينَ تدمع، وإنَّا لفراقك يا إبراهيمُ لمحزونون، وعاد بعد أن وسَّده التراب مُتحاملاً على أصحابه، والتفت إلى أُحدٍ، وقال: يا جبلُ إنَّك لا تحملُ ما أَحمل (هذه الجملة الأخيرة لم نجدها في روايات الحديث). وفي هذا الوقت، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحال كُسِفت الشمس، فظنَّ بعض الأصحاب أنَّ كسوفَ الشمس لموتِ إبراهيم وحُزْن النبي صلى الله عليه وسلم على ولده، فتقدَّم، وصلَّى بالقوم صلاةَ الكسوف، ثم أزالَ الوهم الذي سَيطر، فوقفَ خَطيباً وقال: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ،...» [أخرجه البخاري ومسلم]. أي: أنَّ الكسوف والخسوف ظواهرُ من آيات الله سبحانه، وسنن كونية تتعرف أسبابها، ولا تضلُّ العقول في فهمها، ولا صلةَ لها بمنازل الأشخاص، وحياتهم، ولكنها ظواهرُ تُدْرَس، وتُعرفُ أسرارُ الكون منها.

وإنَّ الأوهامَ الحسيَّة هي التي أضلَّت العقول، ألم ترَ الذين توهَّموا أنَّ الله تعالى يَحُلُّ في الأشخاص، والأشجارِ، أو الأحجار، وما ذلك إلا لأنَّ أحداثاً حسيَّة ظهرت مُقارِنةً لعمل شخص أو في نحو حجر، ألم تروا أنَّ المصريين القُدَماء اعتقدوا حلولَ الله في فرعون: [فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى] {النَّازعات:24}، وقال: [مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي] {القصص:38}، وقال الله في شأنه: [فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ] {الزُّخرف:54}.

من أجل هذا جاء الإسلام بمنعِ الأوهام حول الأحداث الحسيَّة، حتى لا تضلَّ العقول، وتطمسَ المدارك كما كان في عصور الظلام عند الأوربيين.

6 – ولقد اقتدى أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم به فكانوا حَريصين على ألا يقدسوا حجراً أو شجراً وما كان ثمَّة إلا تقديس للبيت الحرام، وكان فيه الحجرُ الأسود يُستحسنُ استلامُه، لتعرفَ ابتداء المرَّة من الطواف وانتهاؤه.

وهناك شجرة ذُكرت في القرآن الكريم كانت تحت ظلها بيعة الرضوان التي بايعَ فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابَها، وقد قال تعالى فيها: [لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا] {الفتح:18}. كانت هذه الشجرة مُذكِّرةً بواقعة تاريخيَّة، وفيها رضي الله تعالى عن أصحابها، وقال فيها: إنَّ المبايعة كانت مُبايعة لله تعالى، فقد قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا] {الفتح:10}.

هذه الشجرة خَشي عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه الذي كتب اللهُ تعالى الحقَّ على لسانه وقلبه أن يجيء زمنٌ يُقَدِّسها الناس، فجاء وقَطَعها، حتى لا تكون أوهامٌ حولها، وفساد تفكير فيها، كما رأى في غيرها مما ضلَّت فيه الأفهام.

وازنوا بين هذا وبين تقديس التماثيل والأحجار والأشجار، إنَّ فيصل التفرقة أنَّ الإسلام دين التنزيه وغيره من الأديان لا يَلتزم ذلك، ولذلك عششت في رؤوس أهله الأوهام.

7 – في مصرَ كاتبٌ ليس بمسلمٍ يكتبُ في صحيفةِ الأهرام، ويكتبُ كلاماً غير بَيِّنٍ، لا يتَّضحُ فيه مقصدُه ولكن يحومُ حولَ مصطلحات إفرنجيَّة، وعبارات لا يتحدَّد مدلولها، ولا يتميَّز مَوضوعها، وأوضحها ما يلمزُ فيه الإسلام، ويوهنُ شأنَه، ولا نجاريه فنردَّ الحجرَ من حيث جاء؛ لأنَّنا نَخشى على زجاجه، والحقائق عندنا لا تَضيرها الأحجار، وراميها كناطح الصخر يوهنُ قَرنَه ولا يُوهنها. لقد تعرَّض بفضول لأمرين:

أولهما: أنَّه قال في لغة ساخرة: ويتمسَّك أهلُ القرى بأنَّهم خيرُ أمَّة أُخرجت للناس، ويشير بذلك إلى قوله تعالى: [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ] {آل عمران:110}، ولسنا نطلبُ منه أدب القول، ولباقته فإنَّ فاسدَ الأدبِ لا يُلقَّنُه، وفاسدَ الذوقِ لا يُعَلَّمُه، ولكن نقول: إنَّ أمَّة الإيمان خيرُ أمَّةٍ أخرجت للناس؛ لأنَّها تأمرُ بما هو معروفٌ غيرُ مُستنكر عند أهل العقول، وتنهى عما تُنكره العقول وعن الانحراف وعن تقليد الفاسدين والمفسدين، ونعلم أنَّ كل تغيير ينتهي إلى غير الأخلاق فاسد، لأنَّها تدعو إلى الخير والإيمان لا إلى الانحراف والشذوذ والكذب، والفساد، أو تريدها كأمريكا التي تُمِدُّ الخائنين، أو تريدها كالانحلال الخُلُقي في انجلترا وغيرها.

إن كنتَ تريدها كذلك فقد رُمتَ صَعباً، وأردتَ أمراً إدَّاً فاخسأوا فيها ولا تتكلموا.

الأمر الثاني: أنَّه يُنادي بضرورة الإصلاح الديني في الإسلام، فإذا كان كلامُه في الأمر الأول فساد أدب وذوق، فكلامه في الثاني فسادُ ذوقٍ وفضول وافتراء.

ونسأله ما الباعثُ على الإصلاح الديني، أهو بيع الغفران!، أو السفاح في دهاليز المعابد! أهو الرشا وابتزاز أموال الناس مما حرَّك لوثر وكلفين وغيرهما إلى الإصلاح، إنَّه لا شيء من ذلك وليس في الإسلام شيءٌ منه، أم هو منع الانزلاق في مَفَاسد الشرق والغرب وانحلاله، إن كان كذلك، فإنَّ ما تدعو إليه هو الفساد، وما يَتَمسَّك به رجال العلم الإسلامي هو الصلاح الذي لا رَيب فيه.

8 – أما بعد فهذا هو الإسلام وهذا هو التهجم عليه، ولنكتفِ بذلك، وقد نعودُ إلى القول في هذا الكلامِ الفضولي إن لجَّ فيه صاحبُه. والله المعين و إن غداً لناظره قريب.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم.

المصدر: مجلة لواء الإسلام، العدد 8-9، (السنة 22 ربيع الآخر وجمادى الأولى - 1388 الموافق 1968م).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين