الصومال عقبة في طريق الحلم الامريكي - الهدف الامريكي في الصومال
 
الصومال عقبة في طريق الحلم الامريكي
استطاع الأمريكيون عقب حرب الخليج الأولي عام 1991 إحكام قبضتهم علي أكبر آبارواحتياطي للبترول في العالم بمنطقة الخليج العربي .. لكن المشكلة التي واجهتهم منذذلك التاريخ كانت كيفية إحكام قبضتهم علي المنافذ التي تؤدي إلى المنطقة العربيةحيث أضخم آبار البترول .. ومن هذه المنافذ بالطبع منطقة القرن الأفريقي التي تتحكمفي مضيق باب المندب.
لقد حاول الأمريكيون عدة مرات السيطرة علي منطقة القرنالأفريقي وإخضاععها لنفوذهم وبالأخص الصومال التي تمتد سواحلها من البحر الأحمرمرورا بالبحر العربي وحتى المحيط الهندي .. والتي تعرضت للغزوات الاستعمارية عليمدى تاريخها .. لكن أكثرها شراسة كان تلك الحملات الأمريكية المستمرة سواء بطريقةمباشرة كما حدث في أوائل التسعينيات ، أو بطريقة غير مباشرة كما يحدث حاليا بواسطةجيش الاحتلال الإثيوبي الأجير .
وكانت الهزيمة القاسية وتحطيم الكبرياءالأمريكي في الغزو الأول دافعا لواشنطن للبحث عن وسيلة أخرى لمواجهة شراسةالمقاتلين الصوماليين في الحرب الثانية .. فقد شكلت الحرب الأولي مأساة لن ينساهاالأمريكيون أبداً.
ففي أغسطس 1992 غزت القوات الامريكية الصومال تحت ستار منالأمم المتحدة بحجة إغاثة الجياع في الصومال معللة ذلك بوضع حد لعمليات سلب ونهبالامدادات من قبل من أسمتهم " قراصنة الصومال " .. إلا أن القوات الامريكية بدأت فيالتخطيط لتشكيل حكومة موالية لها والقضاء علي عيديد الذي وقف معارضا بشدة في وجهالتدخل الأمريكي .
وفي ديسمبر من نفس العام – 1992- بدأت طلائع جيوش الاحتلالالأمريكية تتقدم بالآلاف كالسيل إلى الصومال من الجنود مع معداتهم وأسلحتهم الثقيلةوالخفيفة .. الأمر الذي جعل الفصائل الصومالية تدرك حقيقة الأهداف الامريكية وبدءوافي مقاومة أحلام واشنطن في إبقاء أي قوات لها في مقديشيو وسقوط الصومال أسيرةللتبعية الأمريكية .
وبدأت المواجهات المسلحة عندما قامت واشنطن بارسال قواتهاإلى مقر الإذاعة والتلفزيون الصومالي في محاولة مكشوفة لفرض الحكومة الموالية لهاعلى الشعب الصومالي الذي رفض هذه الخطوة ورفض تواجد الأمريكيين على أرضه ، و بدأتالاستخبارات الأمريكية في جمع كل المعلومات المتاحة عن الجنرال عيديد بهدف تصفيته .
وفي 3 أكتوبر 1993 وصلت معلومات إلى الأمريكيين بأن الجنرال عيديد وحشد منضباطه ومساعديه سوف يعقدون اجتماعاً في مكان تم تحديده في إحدى أنحاء العاصمةمقديشيو ..وتوجَّهت قوات خاصة للاحتلال الأمريكي تساندهم المروحيات إلى منطقةالاجتماع بقصد إلقاء القبض علي عيديد أو تصفيته وكل معاونيه ..لكن حدث ما سجلهالتاريخ .. فقد هاجم الأمريكان المبنى الذي يعقد فيه الاجتماع بكل استخفاف ليكتشفوابعد فوات الأوان أن كميناً كان قد نصب لهم.
ودارت معركة شرسة استخدم فيهاالأمريكيون كل ما لديهم من أسلحة وعتاد ضد المقاتلين الصوماليين المسلحين ببنادقعتيقة وبعض الأسلحة المضادة للدروع ..حيث استطاع الصوماليون إسقاط 5 مروحيات و18قتيلاً و 73 جريحا للأمريكيين ، الذين لم يتوقعوا أبداً أن تسقط لهم خمس طائراتمروحية في وقت واحد ..ورغم الخسائر الصومالية الكبيرة إلا أن الصوماليين انتصروا فيمعركة الحرية. وقاموا بتمريغ الأنف الأمريكية في الرمال .
وفي هذا التاريخ ،انتهت النزهة الأمريكية في بلاد الصومال بثمن غال لم يعتده الأمريكيون .. وعلي مدى14 عاما مضت ظل الأمريكيون يحلمون بالعودة للصومال لتحقيق أغراضهم في السيطرة عليمنافذ المنطقة العربية والانتقام للهزيمة المذلة في 1993 .
وأمام فشل القواتالأمريكية في تحقيق حلم واشنطن في القرن الأفريقي ، بدأت إدارة الرئيس جورج بوش فياستخدام أسلوب المرتزقة .. حيث نجحت في إغراء أديس أبابا لاستخدام الجيش الإثيوبيفي احتلال الصومال بديلا عن القوات الأمريكية .
وفي أوائل عام 2007 بدأت القواتالإثيوبية تنفيذ المؤامرة بالاشتراك مع الحكومة الصومالية الموالية في " بيداوا " لغزو البلاد التي تخضع لسيطرة اتحاد المحاكم الشرعية – وهو الإتحاد الذي يحظىبتأييد غالبية الصوماليين - ، ومنذ ذلك التاريخ يعيش الصوماليون حالة من المقاومةالضارية لقوات الاحتلال الاثيوبي المدعومة أمريكيا ..
ولا تزال قوات الاحتلال عاجزةعن السيطرة على الأراضي الصومالية، بل تسجل تراجعا يوميا وهروبا أمام المقاومة التييقودها إتحاد المحاكم .
وبعد أن دخلت القوات الإثيوبية إلي الأراضي الصوماليةووجدت لها موطئ قدم مع العملاء الموالين بدأت تظهر في أرض الصومال مرة أخرى قواتأمريكية وطائرات مقاتلة ترفع العلم الأمريكي .
لقد تعلم الأمريكيون الدرس .. وعرفوا أن تواجدهم في الصومال لن يكون نزهة ، وأنهم إن صمموا على العودة إليهافلابد أن يدفعوا الثمن من دمائهم ..
ولتفادي مأساة 93 أحكموا الخطة حول اتحادالمحاكم الشرعية واتهموها بالتعاون مع ابن لادن وإيواء أفراد من تنظيم القاعدة،وقاموا بقيادة حملة دولية منظمة ضد المحاكم الشرعية بهدف تبرير التدخل في الصومالعن طريق الأمم المتحدة .
إن قاذفات الـ " بـ 52 " التي صاحبت الغزو الإثيوبي للصومال لم تكن مجرد إعلان عن الرغبة الأمريكية في التواجد على أطول سواحل القرنالأفريقي .. بل كانت يأساً بعد فشل الخديعة التي قام بها السفير الأمريكي في كينيامايكل رانبيرجر للإيقاع باتحاد المحاكم والمقاومة الصومالية ، عندما طالب الحكومةالموالية لبلاده في الصومال بالحوار مع المحاكم الإسلامية خلال حديث مع هيئةالإذاعة البريطانية " بي.بي.سي " في 20/1/2007 .. حيث قال " انه يجب على حكومةالصومال التعامل مع كل شرائح المجتمع الصومالي ..وأن من بين العناصر المتشدِّدة فيالمحاكم معتدلون ينبغي إشراكهم في الحوار ، مشيرا إلى الشيخ شريف شيخ أحمد الرئيسالتنفيذي للمحاكم كمثال."
وفي كتابه " الدولة المارقة " يقول الكاتب الأمريكيوليم يولم : " محال أن يترك الأمريكان دولة ما تتحداهم ، لذلك فالصومال وأهله هم فيعداد القتلى بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية .. وبمجرد انتهاء الأمريكان منالعراق سيتجهون إلى الصومال بحجة أن ابن لادن شوهد يتجول في مقديشيو " .
ولمتختلف الأسباب ما بين حرب 1993 التي خاضتها القوات الأمريكية بنفسها ضد أبناءالصومال والحرب الدائرة هناك الآن ، التي يخوضها الأمريكيون بجنود اثيوبيين خوفاً منتكرار مأساة الحرب الأولي .. لذلك فإن " بولم " في كتابه السابق قد ذكر سببينيبرران الإصرار الأمريكي علي غزو الصومال هما :
-1 سعي الولايات المتحدة بضغط منلوبي رجال الأعمال خلف النفط الموجود في الصومال، وهو ما يفسر لهفة أربع من شركاتالطاقة الأمريكية العملاقة للبدء في عمليات الحفر واستخراج النفط بمجرد سيطرةالمارينز الأمريكي على الوضع هناك .
2- أن البنتاجون الأمريكي كان يتعرض لعملية خفض ميزانية من الكونجرس عقب انتهاء الحرب الباردة وقد أرادت وزارة الدفاع تسويقنفسها أمام مجلس الشيوخ عن طريق فتح جبهات جديدة .
والحقيقة أن " بولم " قد أغفلالسبب الرئيسي والأكثر أهمية وهو رغبة واشنطن في السيطرة على أهم المنافذ إلي منطقةالخليج العربي حيث يستقر أضخم احتياطي بترولي في العالم .
إن الهدف الأمريكي فيالصومال بات واضحا للدرجة التي جعلتهم يصرون طوال عقدين من الزمان علي التواجد فيهذا البلد الإسلامي .. وهو الأمر نفسه الذي يفسر عدم الاستقرار الذي تعاني منهالصومال طوال نفس الفترة .
لقد باتت الصومال عقبة كؤوداً في طريق الحلم الأمريكيبالسيطرة علي كل المنافذ الحيوية في العالم ولم تبق أمامه إلا تلك الثغرة .. لذلكمن المتوقع ان تحاول الولايات المتحدة خلال الفترة القادمة الدخول إلي الأراضيالصومالية والاستقرار علي سواحلها مهما كلفتها المحاولات
من موقع (النبأ)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين