الشيخ المربي عبد القادر عيسى

الشيخ المربي عبد القادر عيسى

1138 ـ 1412هـ

1920 ـ 1991م

 

الشيخ عبد القادر بن عبد الله بن قاسم عيسى العزيزي.

شيخ الطريقة (القادرية الشاذليه)، عالم عامل، وصوفي عابد متنسك وداعية مربّ مرشد.

ولد في حي (القطّانة)([1]) من أحياء مدينة حلب الشهباء، سنة: ثمان وثلاثين وثلاثمئة وألف للهجرة، ونشأ برعاية والده، فتعلم قراءة القرآن الكريم في أحد كتاتيب الحي، ثم درس المرحلة الابتدائية والتحق بالمدرسة (الشعبانية)، وراح ينهل من معين شيوخها الكبار، فأخذ الفقه الحنفي على الشيخ محمد الملاح، ودرس علوم الحديث والمصطلح على العلامة المحدث الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وقرأ علوم التفسير والتوحيد والمنطق وعلوم اللغة العربية، على عدد من علماء حلب، أمثال: الشيخ أحمد الكردي والشيخ أحمد المعود، والشيخ محمد أبو الخير زين العابدين، والشيخ عبد الله خير الله، والشيخ عبد الوهاب التونجي، والشيخ محمد المعدل، وغيرهم واستمر الشيخ في المدرسة (الشعبانية) عدة سنوات، ثم تركها حيث كانت نفسه تواقة للعبادة، فسلك طريق التصوف، والتقى شيخه حسن حساني ولازمه، وأخذ عنه علوم الصوفية، بالإضافة إلى العلوم الشرعية، ورأى شيخه فيه صدق الهمة والتوجه إلى العبادة والعلم، فخصّه بالعناية والتربية الروحية والعلمية، حتى أنس منه النبوغ والتفوق، فأجازه بالطريقة (النقشبندية)، وأذن له بإقامة أذكارها وأورادها.

فأقام في جامع (ساحة حمد) ([2]) إماماً وخطيباً والتفّ حوله بعض المريدين.

ثم التقى في مدينة دمشق الشيخ المرشد محمد الهاشمي التلمساني ([3]) وأخذ عنه الطريقة (الشاذلية الدرقاوية)، وسلك فيها بصدق وإخلاص، وتلقى عن شيخه هذا أسرارها وأذكارها وأورادها، كما تلقى عنه بعض العلوم الشرعية، من خلال ملازمته له، وكثرة زياراته في دمشق، ووجد فيه شيخه هذا علائم الصدق والنجابة، فأذن له بالورد العام والخاص، والتربية والإرشاد، وأجازه بذلك إجازة خاصة وعامة.

انتقل الشيخ بعدها إلى جامع (العادلية) ([4]) فنهض إليه بالترميم والإصلاح، وعمل على إعماره بالعبادة والذكر والمصلين، واستطاع أن يحوله إلى مدرسة شرعية، تعددت فيها حلقات العلم، فكنت ترى فيه حلقة لقراءة القرآن الكريم، وأخرى للفقه الحنفي، وثالثة للتفسير، ورابعة للحديث، بالإضافة إلى مجلس الشيخ العام في الوعظ والإرشاد.

كان الشيخ يحب طلاب العلم ويجلّهم، ويحض على طلب العلم كثيراً وقد كثر طلابه ومريدوه، وتخرج به عدد من العلماء الذين ذاع صيتهم فيما بعد أمثال: الشيخ نديم الشهابي، والشيخ بكري حياني، والشيخ عدنان السرميني وأخوه هشام، والشيخ محمد الشهابي، ومن أشهر تلامذته ومريديه الشيخ أحمد فتح الله الجامي التركي، الذي أخذ عنه الطريقة
وعمل على نشرها في (تركيا)، وقد أذن له الشيخ بالإرشاد وتسليك الناس بالطريقة (الشاذلية الدرقاويه).

وكان للشيخ مجلس ذكر وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الجمعة، يستغله في الدعوة والإرشاد وتربية المريدين، كما كان له مجلس مشابه بعد صلاة الصبح في الجامع الأموي الكبير، (مخصص للصلاة على النبي r).

وقد أنشأ الشيخ رحمه الله مدرسة لتحفيظ القرآن في جامع العادلية، قام على تحفيظ القرآن فيها الشيخ كلال طحان، والحاج أحمد كراسي، وقد خرّجت هذه المدرسة كثيراً من حفاظ القرآن في مدينة حلب، كما أقام مدرسة شرعية صغيرة في الجانب الشرقي من الجامع، أهملت بعد هجرته إلى (المدينة المنورة).

ومع انشغال الشيخ بأعباء الدعوة والتربية والإرشاد، فقد وجد أن التصوف قد شابه الكثير من الشوائب التي أخرجته عن حقيقته وصفائه وحولته إلى أوهام وخرافات وكسل وتواكل، فلم يكتف بتصحيح صورته أمام مريديه فحسب، بل عمل على تصحيحها للناس جميعاً من خلال ما كتبه في مؤلفه الوحيد الذي تركه وهو كتابه (حقائق عن التصوف) الذي تحدث فيه عن الحقيقة والشريعة، ودعا إلى التمسك بالكتاب والسنة، وحاول تأويل كلام بعض المتصوفة بما يناسب الشرع، نافياً عنهم تهمة القول: " بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود" مبيناً أن هذا القول: " كفر صريح يخالف عقائد الأمة، وما كان للصوفية وهم متحققون بالإسلام والإيمان والإحسان، أن ينـزلقوا إلى هذا الدرك من الضلال والكفر، وما ينبغي لمؤمن منصف أن يرميهم بهذا الكفر جذافاً، دون تمحيص أو تثبت... "([5]).

وكان يرى أن مهمة الصوفية هي العودة بالمسلمين إلى الأنس بالله وعبادته يقول: " إذا كانت مهمة دعاة الإسلام المخلصين أن يعيدوا لهذا الدين روحه، وأن يفتحوا له مغاليق القلوب، فما قصد الصوفية في كل عصر وزمان إلا العودة بالمسلمين إلى ظلال الأنس بالله تعالى، وتعلم مناجاته، وسعادة قربه بإرجاع روحانية الإسلام إليه "([6]).

وكان للشيخ سياحات في العديد من البلدان العربية والإسلامية يصرفها في الدعوة إلى الله، ويلتقي فيها بإخوانه من العلماء، ومريديه الذين انتشروا في مختلف البلدان العربية والإسلامية، فقد زار الشيخ بالإضافة إلى معظم المدن السورية القدس والأردن وتركيا وباكستان وإنكلترا هذا عدا عن بلاد الحجاز (مكة والمدينة)، يزورهما بقصد الحج في كل عام تقريباً.

بعيد النظر، راجح العقل، صائب الرأي سديده في الملمات، وقد أوتي من الحكمة حظاً وافراً، يخاطب الناس كل على حسبه وبلسان يفهمه، فينبه الغافل، ويرد الهارب عن الله إلى الله، فيقبل القلب وينصلح الحال.

صاحب همة عالية في العبادة، كثير الصيام والقيام، لا ينقطع عن صيام النوافل، ولا يترك سنة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان.

أبيض اللون، جميل الوجه، واسع العينين الكحيلتين، منور الشيبة من رآه من بعيد تسيطر عليه حالة من الرهبة والهيبة، ومن جالسه وخالطه رأى صورة الجمال، تظهر في وجهه، فيحبه.

جميل الطلعة، مهاب، يعتني بملبسه، ويزين رأسه بعمة بيضاوية عظيمة.

ظل الشيخ ناهضاً بأعباء الدعوة في موطنه، ثم هاجر عام: 1980م إلى (لمدينة المنورة)، وجاور فيها مدة محاولاً إعادة نشاطه في الدعوة، فلم يتيسر له ذلك، فخرج إلى (الأردن)، وهناك استطاع أن يجمع حوله المريدين من جديد، ويعاود نشاطه في الدعوة.

 لكن المرض عاجله، فنقل إلى مدينة (استنبول) في (تركيا) للعلاج وشاء الله أن يقضي الشيخ نحبه في إحدى المشافي هناك، وذلك مساء يوم السبت، الواقع في الثاني عشر من ربيع الثاني، سنة: اثنتي عشرة وأربعمئة وألف للهجرة، الموافق للسادس والعشرين من تشرين الأول، عام: واحد وتسعين وتسعمئة وألف للميلاد، ودفن بجوار الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.  رحمه الله.

المصادر والمراجع

1- ترجمة بخط ولده الشيخ عبد الله، أعدها لتكون مقدمة لطبعة كتاب والده الجديدة.

2- كتاب حقائق عن التصوف للمترجم له.

3- لقاءات ومشافهات مع الشيخ بكري حياني أحد مريدي الشيخ، والشيخ أحمد بنان، والأستاذ صافي غشيم من تلاميذ الشيخ.

4- لقاءات ومشافهات مع عدد من إخوانه ومعاصريه من شيوخنا منهم الشيخ محمد زين العابدين الجذبة، والشيخ محمد نعمان حبوش، وغيرهم

 5ـ مذكرات المؤلف.

 



([1]) انظر الحاشية رقم 1 في ترجمة الشيخ محمد الغشيم ص 352.

([2]) جامع صغير يقع في زقاق الشيخ جنيد في محلة (تلعران)، القريبة من محلة (باب النيرب)، وفيه حجرة صغيرة دفن فيها رجل يقال له: (الشيخ حمد)، وإليه تنسب الساحة والمسجد، وانظر نهر الذهب 2/270 وأحياء حلب وأسواقها ص 150.

([3]) عالم مرشد صوفي من دمشق توفي عام: 1961م، وانظر تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر2/747.

([4]) من أشهر وأجمل جوامع حلب فخامة وإتقاناً وسعة، وهو أول جامع بني على الطراز التركي، بناه الوالي محمد باشا دوقه كين، سنة: 963هـ، يقع إلى الغرب الشمالي من جامع (السفاحية)، وانظر نهر الذهب 2/89 وأحياء حلب وأسواقه ص 150.

([5]) حقائق عن التصوف ص 540.

([6]) المصدر السابق.