الشهيد مصطفى كعكة

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد الذي جاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين, وحض على الغزو والرباط بفعله وقوله المبين, وعلى آله وصحبه الرحماء بينهم الأشداء على الكافرين وبعد:

فهذه مقتطفات من سيرة الشهيد أبي تيسير مصطفى كعكة تقبله الله.

بارك الله عليكم من أهل بيت يا آل كعكة، رحمكم الله من بيت تضوع طيوب الإيمان في كل ركن منه, فقد قدمتم وضحيتم وتجلى الفداء على جبين كل أفراد أسرتكم وقد نالكم من نظام طغى وتجبر النصيب الأوفر على مدى سنوات، فقد أسر أبنائكم, واليوم قتل شبابكم.

آل كعكة أسرة عريقة في مدينة دوما الإباء والشجاعة والنخوة والمروءة، ومنها انبثقت دوحة كريمة ومن هذه الدوحة  انبثق منها الأخ الشهيد مصطفى كعكة وابنه تيسير الذين يسر الله لهما طريقا ينتهي بهم إلى ما فيه الفوز بجنان وحور وولدان.

ولد الشهيد الأب عام 1965م في هذه المدينة الميمونة التي انتقم منها نظام لم يعرف له التاريخ مثيلا في الإجرام، شق بها الأخاديد ببراميل ذات الوقود لا لشيء إلا لأنهم آمنوا بالعزيز الحميد، ونشدوا العيش الرغيد الحميد.

عاش الشهيد في بلدته التي ترعرع وتربى فيها، وفي مساجدها وصنعه الإيمان العميق  الذي دفعه فيما بعد إلى أعالي القمم.

 شب مع إخوانه، وعمل معهم في منشأتهم الصناعية وكان لأخيهم الأكبر الشيخ سمير فرّج الله عنه الأثر الأكبر في توجيههم وإرشادهم، وكذلك شيخه الشيخ عبد الله علوش حفظه الله.

 

كان منذ بدايته فارسا ينير طريق الأحرار, وبطلا في زمن النذالة والعمالة في الوقت الذي تخلى به العرب والمسلمون عن أم الدنيا فلسطين حاضنة أولى القبلتين، وثالث الحرمين، وعن بغداد دار السلام والإسلام، وفي الوقت الذي سفكت فيه دماء أبناء العراق وديست كرامتهم، وهتكت أعراضهم من قبل البوشيين وأذنابهم الصفويين الخامنئيين فدفع الإيمان الصادق بالشهيد أبي تيسير بعمل يحتسبه عند الله فدعم  المجاهدين بتيسير شأنهم وعبورهم إلى بلاد الرافدين، وبذل ما استطاع بذله من ماله الذي أوجبه الباري لتحرير البلد الذي بيع من قبل المتخاذلين، ودفعه واجب الإخوة لنصرة أولئك بما تيسر له لأن الأخوة ليست شعارا يرفع بل هي مواساة ونصرة وتضحية.

 

علمت الاستخبارات السورية عن طريق الوشاة بفعل أبي تيسير وقبضت عليه عام 2005م لا لتكافئه على عمله ضد أمريكا التي عاثت في الأرض فسادا وكانت مصدر القوة لإسرائيل التي سفكت دماء الفلسطينيين والتي لطالما كان النظام السوري يتاجر بقضيتها عشرات السنين فكان جزاء هذا الممانع الحقيقي والمجاهد أن يصدر فيه حكم قاضي محكمة أمن الدولة بالسجن عشر سنين جزاء لمجاهدة الأمريكيين بدلاً من توسمه بأوسمة الشرف والعزة والكرامة.

  لم يثن هذا الحكم الجائر من عزمه فبعد أن صدر الحكم على أبي تيسير الذي يرسف في قيوده بل وقف بين أيدي الظالمين  مشدود القامة مرفوع الهامة شامخ الأنف منتصبا كرمح سمهري أحكم المثقفون تقويمه فقال لهم، ولمن كان معه في قاعة المحكمة: ليسمع الجميع أنني حكمت بهذا الحكم لأني أقاتل أمريكا.

زج بأبي تيسير في سجن صيدنايا، وعاش مع إخوته المعتقلين، فكان ذلك الرجل القوي الشخصية محبوبا عند السجناء مهابا محترما أحبه طلاب العلم وكان على صلة بهم يحضر دروسهم ويسمع حديثهم.

ثابر على هذا الشأن طوال فترة سجنه مسلما أمره لله وأتم فيه حفظ كتاب الله ذاكرا قائما صائما يكثر من مطالعة كتب الفقه والعلم.

كان يحسن لإخوانه السجناء ويصلح بين متشاحنيهم، وينفق على محتاجيهم بغض النظر عن منهجهم وانتمائهم الفكري، مشهوراً عندهم بالمروءة، وكانت نعمه وافرة عليهم, ويدفع عنهم أذى السجانين بدفع شيء من ماله لهم دون أن يعلم به أحد إلا بعض خواصه.

وكان من مآثره رحمه الله أنه يصنع الولائم في عنبره ويدعو إخوانه إلى ولائمه العامرة.

وكان على علاقة جيدة مع السجناء غير الإسلاميين فكان ينصحهم بأسلوب حسن، ويدعوهم للدين بحكمة نبوية، فلذلك كان محبوبا عند السجناء غير الإسلاميين كسجناء التجمع الديمقراطي وغيرهم.

ومن البلاء أيضاً:  ابتلاه الله عز وجل باعتقال شقيقيه وابنه تيسير ذلك الفتى ذي السبعة عشر ربيعا بسبب  عثور السجانين على مقاطع لأناشيد جهادية كانت على جهاز تيسير الذي كان في زيارة لأبيه مع أهله وأعمامه، وكأنهم عثروا على صيد ثمين في جهاز تيسير فقطع أولئك الظالمون الزيارة على الفور واستدعوا دورية المخابرات التي اقتادت تيسير وأمه وأعمامه إلى الفرع الاستخباراتي وسجنوا به قرابة الشهر فأطلق سراح النساء وأبقي على تيسير وعميه الذين نقلوا معه فيما بعد  إلى معتقل صيدنايا لينالوا نصيبهم من البلاء مع أبي تيسير.

وأثناء وجودهم في السجن حصل الاستعصاء عام 2008م راح ضحيته عشرات السجناء، فكانت لأبي تيسير في تلك الآونة مواقف بطولية وإيمانية وكان هو أول من تجرأ وأبلغ الإعلام عن حدث الاستعصاء من خلال هاتف نقال حصلوا عليه من الشرطة, ومن المواقف الطريفة أثناء مرحلة الاستعصاء وبعد أن تم محاسبة عيون النظام من السجناء، وكان من أولئك العيون رجل دومي حكم عليه الإخوة بتعزيره مئة جلدة جزاء لتعاونه مع الجلادين فأرسل في طلب أبي تيسير ليشفع له كونه بلديه فقال أبو تيسير لذلك الجاسوس، ولك مني عشر جلدات تضاف إلى المئة، وأحكم عليك بمصادرة تلفازك الذي كنت تشوش به على الإسلاميين وتتقصد رفع صوت الموسيقا لتغيظ به إخواننا.

انتهت مرحلة الاستعصاء العصيبة، وحوّل السجناء إلى سجن عدرا والأفرع الأمنية مدة ستة أشهر من أجل ترميم السجن ،ثم أعيدوا إلى سجن صيدنايا، ويمضي أبو تيسير بقية سجنه مع ابنه تيسير وإخوانه ويلحق بهم أخوهم الرابع العالم الفاضل الداعية الشيخ سمير فرج الله عنه لقيامه بواجبه في نشر العلم والنصح والإرشاد للمسلمين في بلده.

أفرج عن تيسير وعميه قبل أحداث الثورة السورية وأفرج عن أبي تيسير بعيد احداث الثورة السورية بأشهر يسيرة.

ولما فتح الله باب الجهاد في بلاد الشام التحق أبو تيسير بركب المجاهدين لكونه السبيل المضمون الذي يسلكه المؤمنون ليصلوا به إلى جنات النعيم، وينلهم رضا رب العالمين، وهو الذي تعمق خط الجهاد في حياته وتجذر في شخصيته، والتحق بهذا الركب أيضا ابنه ورفيقه في السجن تيسير ذلك الشاب المكتمل الفتاء الناضر الشباب، ومن الطرف التي يذكرها أبو تيسير عن ابنه تيسير أنه ذهب ليعقد عقد زواج لنفسه، وقد حضر ابنه تيسير عقد زواج أبيه وكتم تيسير الخبر عن أمه، ولما صعقت الأم بهذا الخبر قالوا لها إن تيسيرا كان قد حضر عقد النكاح فقالت له بالمثل الشامي غاضبة "يا خاين الطرخون".

الشهيد تيسير كعكة 

وقف الأب وابنه مع أبناء بلدهم في وجه الظالمين، وطفقوا يخوضون المعارك مع هذا النظام الجائر واحدة بعد أخرى شوقا إلى تحقيق أمنيتهم الكبرى، وحنينا إلى اللحاق بنبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم إلى أن نالتهم قذيفة غبية لا تفرق بين صغير وكبير طفل وامرأة شيخ وعجوز في 5-10-2012م وفقدت دوما حبيبين كريمين، ووري أبو تيسير وابنه معا في ضريح واحد ضمخا بطيوب الشهادة.